< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

32/11/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القضاء-المسالة-5-المقام الاول-النصب العام-شرائط نصب القاضي-4الايمان 5-طهارة المولد -6العدالة

الشرط الرابع - المذكور في المتن - : الإيمان والمراد به الكون على مذهب الإمامية الاثني عشرية بمعنى أن غير المؤمن لا يجوز له تولّي القضاء أي أن قضاءه لا يكون نافذاً ولا ممضىً شرعاً .

والظاهر أن اشتراط الإيمان مما لا خلاف فيه بين علمائنا (رض) بل قال الشيخ صاحب الجواهر (قده) : " إنه من ضروريات مذهبنا " ، واستدل عليه في الجواهر بما دلّ على النهي عن الترافع إلى قضاتهم - أي العامة - ، ويبدو أن مقصوده من ذلك الأدلة التي جمعها الشيخ صاحب الوسائل (قده) في الباب الأول من كتاب القضاء الدالة على تحريم التحاكم إلى الطاغوت بعناوين مختلفة ولكن أكثرها بعنوان الطاغوت وأهل الجور والسلطان وأمثالها التي تشير بأجمعها إلى تحريم التحاكم إلى الطاغوت فكأنه يستدل بهذه الروايات على اعتبار الإيمان في القاضي الذي هو محلّ الكلام .. ولكن يبدو أن الأصح والأنسب الاستدلال على اعتبار بمقبولة ابن حنظلة ومعتبرة أبي خديجة المتقدمتين حيث ورد في الأولى : " ينظران من كان منكم " ، وفي الثانية : " انظروا إلى رجل منكم " فإن لفظ (منكم) المتكرر في كلتا الروايتين يُستفاد منه اعتبار شرط الإيمان بالبيان السابق الذي استفدنا منه اشتراط الذكورية والبلوغ وهو كون الرواية ظاهرة في مقام التحديد وأن الإمام (عليه السلام) في مقام تعيين من يجوز الرجوع إليه وهو كونه : (منكم) أي من أهل الإيمان فتدلان على اعتبار الإيمان في القاضي .

وقد يُستدلّ على ذلك أيضاً بفحوى ما دل على اعتبار الإيمان في إمام الجماعة فيقال إن هذه الأدلة حيث دلّت على اعتبار الإيمان في إمام الجماعة فهي تدلّ على اعتباره في محلّ الكلام - وهو القاضي - بطريق أولى وذلك باعتبار أن منصب القضاء أهمّ من إمامة الجماعة والاهتمام به في الشرع أكثر منها فإذا كان يُعتبر في إمام الجماعة أن يكون مؤمناً فاعتبار الإيمان في القاضي من باب أولى .

ثم إن هذه الأولوية هل هي قطعية أو عرفية ؟

سيأتي الحديث عنه عند الكلام على بعض الشرائط التي يكون أظهر الأدلة عليها هذه الأولوية .

وأما أدلة التحاكم إلى الطاغوت التي من المحتمل أن الشيخ صاحب الجواهر (قده) كان قد استدل بها على اعتبار الإيمان في القاضي فالظاهر أنها أجنبية عن محلّ الكلام لأن المستفاد من هذه الأدلة هو تحريم التحاكم إلى الطاغوت ، والنسبة بين عنواني الطاغوت والمؤمن – الواقع شرطاً في محلّ الكلام - هي العموم والخصوص من وجه فيجتمعان في مورد كون الطاغوت مؤمناً – أي حاكماً جائراً وإن كان إمامياً اثني عشرياً ، نعم .. من حيث المصداق الخارجي قد لا يكون هذا المورد متحققاً إلا أن هذا لا يعني تخصيص الدليل المطلق فلو وجد حاكم جائر ولكنه مؤمن فهو أيضاً ممن يحرم التحاكم إليه – ويفترق كل منهما عن الآخر في مورد يخصّه إذ لا مانع من افتراض كون الحاكم طاغوتاً غير مؤمن أو مؤمناً غير طاغوت .. فإذاً لا موجب لتخصيص أدلة التحاكم إلى الطاغوت بخصوص غير المؤمن وإنما هي مطلقة تشمل كل طاغوت وجائر وظالم مؤمناً كان أو غير مؤمن فالتحاكم إليه يكون منهياً عنه بنص الأدلة الواردة في هذا الباب ، وبعد تعدد العنوان وتعدد الملاك الذي يُفهم من هذه الأدلة – وهو أن ملاك التحريم في أدلة التحاكم إلى الطاغوت هو كونه طاغوتاً وجائراً في حين أن الملاك في عدم جواز تولّي غير المؤمن للقضاء هو كونه غير مؤمن – فحينئذ لا وجه للاستدلال على اعتبار الإيمان في محلّ الكلام بما دل على تحريم التحاكم إلى الطاغوت فإنهما من بابين منفصلين مستقلين لا يصحّ الاستدلال على أحدهما بما دلّ على الآخر فالصحيح الاستدلال بالروايتين وكونهما في مقام التحديد على اعتبار الإيمان في القاضي مضافاً إلى الأولوية – على تقدير تمامها – كما سيأتي .

الشرط الخامس : طهارة المولد بمعنى أن ابن الزنا لا يصلح لتسنّم هذا المنصب ، والظاهر أن هذا الشرط لا خلاف في اعتباره عندهم .

واستدلّ عليه بدليلين :

الأول : فحوى ما دل على اشتراط طهارة المولد في إمام الجماعة وفي قبول الشهادة – بناءً على ثبوت ذلك فيهما كأصل مسلّم في المقام – فحينئذ يقال بأن اعتبار طهارة المولد في هذين البابين يدل بالأولوية على اعتبارها في محلّ الكلام[1] فهذه الأولوية - كما يظهر من بعض كلمات السيد الخوئي (قده) - قطعية تورث اليقين باعتبار طهارة المولد في ما نحن فيه .

وأما إذا فُرض عدم التسليم بها[2] نتنزّل حينئذ إلى الأولوية العرفية لاسيما في الدليل الدال على اعتبار طهارة المولد في الشاهد فإن العرف إذا رأى اشتراط طهارة المولد في الشاهد – والحال أن الشهادة فرع القضاء ودورها في إثبات الدعوى وفصل الخصومة أقلّ بكثير من دوره - رأى أن ذلك يكون موجباً لثبوت هذا الشرط في القاضي بطريق أولى .

فالنتيجة أنه إذا لم يحصل لنا جزم ويقين في اعتبار هذا الشرط بالأولوية القطعية فنتنزّل إلى الأولوية العرفية التي تُستظهر من الدليل وهي – على فرض ثبوتها – توجب في الدليل الدال على اعتبار طهارة المولد في الشاهد بل حتى في إمام الجماعة أن يكون ظاهراً في اعتبارها في ما هو أهمّ منه وهو القاضي نظير ما ذُكر في قوله تعالى : (ولا تقل لهما أُفٍّ) حيث يدل بالأولوية على النهي عن السبّ والضرب .

هذا هو الدليل الأول الذي ذُكر في كلماتهم واستند إليه كثير ممن تعرّض إلى هذه المسألة .

الدليل الثاني : الانصراف بمعنى أن الدليل الدال على نصب القاضي ينصرف عن ابن الزنا فلا يكون الدليل شاملاً له بإطلاقه وهذا الانصراف يُعلّل بأن عدم طهارة المولد وكون الشخص ابن زنا يُعدّ منقصة – لا بمعنى أنها منقصة ذاتية في الشخص بل بمعنى أنها منقصة بحسب النظر العرفي - لا يصلح الشخص معها لأن يتسنّم إمامة الجماعة أو يكون شاهداً في قضية ، وإذا كانت مثل هذه المنقصة الثابتة بنظر العقلاء – حتى لو لم يكن لها أصل شرعي – تؤثّر في منعه من ذلك فهي من باب أولى تكون موجبة لمنعه من أن يتسنّم منصب القضاء فالدليل الدال على نصب القاضي يكون منصرفاً عمّن وجدت فيه فلا يشمل الدليل حينئذ ابن الزنا بل يختصّ بغيره .

وأقول : إذا تمّمنا الأولوية ولو بصيغتها الثانية – أي العرفية – فيمكن الاستدلال على المدعى .. وإلا فالاستدلال بالانصراف – وإن ذكره كثير منهم – لا يخلو من حزازة لعدم الموجب له فإن مجرد وجود منقصة في الشخص من ناحية اجتماعية - لا من ناحية شرعية - قد لا يكون موجباً للانصراف ، نعم .. ما يؤكّد الأولوية العرفية أنّ كون الشخص ابن زنا يُعدّ منقصة عرفاً فإذا كانت هذه المنقصة منعته من أن يكون إمام الجماعة بنظر الشارع لكونها منقصة بنظر العرف فهنا يمكن أن يقال إنه من باب أولى أن تمنعه من أن يتسنّم منصب القضاء والولاية العامة وهكذا غيرهما من المناصب فإن المنصب كلما ازداد أهمية ثبت المنع فيه بطريق أولى ، ومن هنا يمكن إثبات الأولوية العرفية والاعتماد عليها في المقام حيث تشكّل وضوحاً في الدليل يمكن معه من الاستناد إليها لإثبات هذا الاشتراط .

الشرط السادس : العدالة ، والظاهر اتفاقهم على اعتبارها بلا خلاف ولا إشكال ، واستُدلّ على هذا الاشتراط بجملة من الأمور :

منها : التمسّك بمقبولة ابن حنظلة باعتبار أنها – بعد الرجوع إلى مضمونها – ذكرت في صورة التعارض بين الحَكَمَين أن (الحُكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث) فيُفهم من استخدامه (عليه السلام) لصيغة أفعل الدالة على التفضيل أنه فرَض في الحاكمين أن كلاًّ منها كان عادلاً وفي التعارض رجّح الأعدل منهما فيُفهم من ذلك – لاسيما مع افتراض وجود الوصف[3] وعدم الإشارة إليه في صدر الحديث - الفراغ عن اعتبار كون الحاكم والقاضي عادلاً .. وهذا الدليل لو تمّ يكون مقيّداً لإطلاق ما دل على النصب العام – على تقدير وجود مثل هذا الإطلاق الشامل للعادل والفاسق - .

ومنها : الفحوى والأولوية بالبيان السابق نفسه ، وحاصله هنا أن يقال :

إن اعتبار العدالة في إمامة الجماعة والشاهد يدلّ بالأولوية على اعتبارها في القاضي ، وهي إما أولوية قطعية أو أولوية عرفية بالبيان الذي تقدّم من كون دور القاضي أكبر وأهمّ من دور الشاهد في فصل الخصومة فليست المسألة هي نقل خبر حتى نرفع اليد عن شرط العدالة ونكتفي بالوثاقة وإنما هي مسألة مهمة وخطيرة لا يمكن إيكالها إلى من لم يثبت لنا تديّنه فضلاً عمّن ثبت عدم تديّنه فيمكن القول بأنّا نطمئن باشتراط العدالة في القاضي بقطع النظر عن وجود ما يدل عليه في باب الشهادة ولو من باب استهجان ردّ شهادة الفاسق من قِبَل القاضي الذي هو فاسق مثله !!

فالظاهر أن المسألة واضحة لا تحتاج إلى تجشّم الاستدلال .

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد – وهي تامة سنداً برواية الشيخ الصدوق (قده) في الفقيه حيث يرويها عن سليمان بن خالد وطريقه إليه تام كما في المشيخة لا برواية الكافي والتهذيب فإن الطريق فيهما يمرّ بسهل بن زياد بناءً على الخدشة فيه - :

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : " اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين كنبي[4] أو وصي نبي " [5] .

والاستدلال بها على نسخة الكاف[6] أوضح منه على نسخة اللام لكون التمثيل فيها بالمصداق الواضح ولا يُفهم منه الحصر بالممثّل به بل يُفهم منه أن القضاء يكون للشخص الذي هو واجد لهذه الصفات التي منها العدالة .

وأما على نسخة اللام فيتأتّى فيها احتمال اختصاص هذا المنصب بالنبي ووصيّه ولا يُستفاد منها تعميم شرط العدالة – التي هي الصفة الواضحة فيهما - إلى القاضي المنصوب بالنصب العام .

ومنها : رواية أبي خديجة – التي تقدّم ذكرها – بسند معتبر وآخر غير معتبر مذكورين في أبواب صفات القاضي من الوسائل فالأول مذكور في الباب الأول الحديث الخامس والثاني مذكور في الباب الحادي عشر الحديث السادس :

عن أبي خديجة : " قال : بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا فقال : قل لهم : إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق ، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر " [7] .

والشاهد في قوله (عليه السلام) : (إياكم ... أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق) من جهة توصيف المنهيّ عن التحاكم إليهم بالفسّاق فإن فيه إشعاراً بعليته للحكم بالنهي عن التحاكم إليهم - كما ذكر الشيخ الأنصاري (قده) أن الوصف مشعر بالعلية – وهذا معناه اشتراط العدالة ، ومن الواضح أن المقصود بهؤلاء - المنهيّ عن التحاكم إليهم - هم حكّام الجور .

ومنها : رواية موسى بن أكيل وهي مروية في الباب التاسع من أبواب صفات القاضي الحديث الخامس والأربعون يرويها الشيخ الطوسي (قده) بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين (بن أبي الخطّاب) عن ذبيان بن حكيم عن موسى بن أكيل عن أبي عبد الله (عليه السلام):

" قال : سُئل عن رجل يكون بينه وبين أخ منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا في ما حكما ، قال : وكيف يختلفان ؟ قال : حكم كل واحد منهما للذي اختاره الخصمان ، فقال : ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضي حكمه " .

وهذه الرواية لا مشكلة في سندها إلا من جهة ذبيان بن حكيم فإنه لا توثيق له وقد ذكره النجاشي في ترجمة ابن أخيه أحمد بن يحيى بن حكيم حيث قال في ترجمته : (ابن أخي ذبيان) وهذا المقدار لا يُستفاد منه إلا أنه رجل معروف ولا يُستفاد منه التوثيق .

والاستدلال بها نظير الاستدلال بمقبولة ابن حنظلة من حيث دلالتها على المفروغية عن اشتراط العدالة في القاضي والحاكم .

والنتيجة أن اشتراط العدالة في القاضي من الوضوح بمكان .


[1] أي القضاء.
[2] أي بالأولوية القطعية.
[3] أي العدالة.
[4] في بعض النسخ : (لنبي) باللام.
[5] الفقيه مج3 ص5، وفي الوسائل مج27 ص17 الباب الثالث من أبواب صفات القاضي الحديث الثالث، والمقصود بالحكومة القضاء كما تقدم التنبيه عليه في بحث سابق وكما يشير إليه قوله (عليه السلام) : (العالم بالقضاء).
[6] أي : كنبي.
[7] الوسائل مج27 ص139.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo