< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فصل في أقسام الصوم

قال السيد الماتن:فصل أقسام الصوم أربعة: واجب، وندب، ومكروه كراهة عبادة،

 

الكراهة في العبادات تكون بمعنى قلة الثواب.

 

ثم قال: ومحظور.

 

و لا يوجد صوم مباح لوجود النص يدل على استحباب الصوم مطلقا.

 

ثم قال: والواجب أقسام: صوم شهر رمضان، وصوم الكفارة، وصوم القضاء، وصوم بدل الهدي في حج التمتع، وصوم النذر والعهد واليمين، والملتزم بشرط أو إجارة،

 

في جعل صوم النذر و ما ذكر بعده في المتن من أقسام صوم الواجب نظر، لان الواجب في هذه الأمور الخمسة ليس هو الصوم، بل الواجب فيها هو الوفاء بالنذر و العهد و اليمين، و الالتزام بالشرط و الإجارة، نعم الصوم يجب فيها بالتبع.

 

ثم قال: وصوم اليوم الثالث من أيام الاعتكاف.

 

أما الواجب فقد مر جملة منه وأما المندوب منه فأقسام:

 

منها: ما لا يختص بسبب مخصوص ولا زمان معين كصوم أيام السنة عدا ما استثني من العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى فقد وردت الأخبار الكثيرة في فضله من حيث هو ومحبوبيته وفوائده ويكفي فيه ما ورد في الحديث القدسي: الصوم لي وأنا أجازي به وما ورد من أن الصوم جنة من النار وأن نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب ونعم ما قال بعض العلماء من أنه لو لم يكن في الصوم إلا الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيمية إلى ذروة التشبه بالملائكة الروحانية لكفى به فضلا ومنقبة وشرفا.

 

ومنها: ما يختص بسبب مخصوص وهي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية.

 

كصوم ليلة الرغائب و صوم اعمال أم داوود.

 

ثم قال: ومنها: ما يختص بوقت معين وهو في مواضع:

 

منها: وهو آكدها صوم ثلاثة أيام من كل شهر فقد ورد أنه يعادل صوم الدهر ويذهب بوحر الصدر وأفضل كيفياته ما عن المشهور ويدل عليه جملة من الأخبار هو أن يصوم أول خميس من الشهر وآخر خميس منه وأول أربعاء في العشر الثاني

 

الكيفية التي ذكرها المصنف و التي عليها المشهور هى يصوم اول خميس من العشرة الاولى و آخر خميس من العشرة الأخيرة و اول أربعاء من العشرة الثانية.

 

و الروايات التي تدل على استحباب صوم ثلاثة أيام من كل شهر كثيرة جدا، جمعها صاحب الوسائل في الباب ٧ من أبواب الصوم المندوب، و ذكر فيه ٣٣ رواية، نذكر واحدة منها و هي الحديث الخامس و العشرون :

 

عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: دخلت الجنة فوجدت أكثر أهلها البُله - يعني بالبُله: المتغافل عن الشر، العاقل في الخير - والذين يصومون ثلاثة أيام من كل شهر.

 

اما الكيفية التي ذكرها المشهور فتدل عليها روايات كثيرة،

 

منها صحيحة محمد بن مسلم التي ينقلها صاحب الوسائل عن الكافي:محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما بعث يصوم حتى يقال: ما يفطر ويفطر حتى يقال: ما يصوم، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما، وهو صوم داود عليه السلام ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغُر، ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما خميسين بينهما أربعاء فقبض عليه السلام وهو يعمل ذلك. [1]

الرواية و ان دلت على استحباب صوم الخميس من العشرة الأولى، ولكنها لم تدل على استحباب الخميس الأول من العشرة الأولى أو الخميس الثاني، و كذلك لم تعين الأربعاء في العشرة الثانية و الخميس من العشرة الأخيرة، فلذلك هي لا تدل على ما ذهب اليه المشهور تماماً.

 

و منها صحيحة حمّادالتي يرويها الشيخ صاحب الوسائل عن الشيخ الصدوق في الفقيه عن حمّاد بن عثمان، و طريقه اليه طريق صحيح، و هي:محمد بن علي بن الحسين باسناده، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قيل: ما يفطر، ثم أفطر حتى قيل: ما يصوم، ثم صام صوم داود عليه السلام يوما ويوما لا، ثم قبض عليه السلام على صيام ثلاثة أيام في الشهر، وقال: يعدلن صوم الدهر، ويذهبن بوحر الصدر، (وقال حماد: الوحر الوسوسة)، قال حماد، فقلت: وأي الأيام هي؟ قال: أول خميس في الشهر، وأول أربعاء بعد العشر منه، وآخر خميس فيه، فقلت: وكيف صارت هذه الأيام التي تصام؟ فقال: لان من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام، فصام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأيام، لأنها الأيام المخوفة.[2]

 

و هذه الرواية تامة سندا و تدل على ما ذهب اليه المشهور.

 

و منها صحيحة الحلبي[3] التي يرويها صاحب الوسائل عن الشيخ الكليني في الكافي و هي:

عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الصوم في الحضر؟

فقال: ثلاثة أيام في كل شهر الخميس من جمعة، والأربعاء من جمعة، والخميس من جمعة أخرى.

 

المراد من الجمعة هو الأسبوع، و هذه الرواية كصحيحة محمد بن مسلم لا تدل تماماً على ما ذهب اليه المشهور.

 

في مقابل هذه الروايات توجد بعض الروايات التي تنافي هذه الكيفية

 

منها: ما نقله صاحب الوسائل عن قرب الإسناد للحميري :

عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، أن عليا عليه السلام كان ينعت صيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدهر كله ما شاء الله، ثم ترك ذلك وصام صيام داود عليه السلام يوما لله ويوما له ما شاء الله، ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله، ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيام من كل شهر فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله إليه.[4]

 

و هذه الرواية تنافي ما تقدم، حيث تدل على أن الايام الثلاثة التي يستحب صومها هي ايّام البيض، لكن لا يمكننا ان نرفع اليد عن الروايات التي تدل على ما ذهب اليه المشهور لأجل هذه الرواية، و ذلك لكثرة تلك الروايات و شهرتها روائيا حيث ينقلها المشايخ الثلاثة و الحال ان هذه الرواية لم تذكر الا في قرب الاسناد، مع ان تلك الروايات أيضا تصرح على ان الرسول (ص) كان يصوم ايام البيض ولكنه عدل عنه الى الكيفية التي قال بها المشهور.

 

و منها: الروايتان اللتان يذكرهما صاحب الوسائل في الباب ٨ من أبواب الصوم المندوب و هما:

 

١ - محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن موسى بن جعفر المدائني، عن إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال: سألت الرضا عليه السلام عن الصيام؟ فقال: ثلاثة أيام في الشهر: الأربعاء، والخميس والجمعة، فقلت: إن أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين؟فقال: لا بأس بذلك، ولا بأس بخميس بين أربعائين.[5]

 

٢ - وعنه، عن الحسين بن محمد بن عمران الأشعري، عن زرعة، عن سماعة، عن أبي بصير قال: سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر؟

فقال: في كل عشرة أيام يوم خميس وأربعاء، وخميس، والشهر الذي يليه أربعاء وخميس وأربعاء.[6]

هاتان الروايتان -ان تم سندهما- فلا تعارضان ما ذهب اليه المشهور، لأنهما تدلان على وجود كيفية أخرى لصوم ثلاثة ايّام من دون ان تنفيان الكيفية المشهورة. نعم يبقى ما ذهب اليه المشهور هو أفضل الكيفيات الموجودة لكثرة و شهرة رواياتها، ولكن لا تتعين الكيفية فيه، بل المكلف يكون مخيرا بينه و بين سائر الكيفيات.

 

ثم قال السيد الماتن: ومن تركه يستحب له قضاؤه ومع العجز عن صومه لكبر ونحوه يستحب أن يتصدق عن كل يوم بمد من طعام أو بدرهم.

هناك روايات تدل على استحباب القضاء عند ترك صيام الايام الثلاثة و انه مع العجز ينتقل الى البدل منها رواية داوود بن فرقد عن ابيه محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن داود بن فرقد، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - فيمن ترك صوم ثلاثة أيام في كل شهر، فقال: إن كان من مرض فإذا برأ فليقضه، وإن كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد.[7]

و يحتمل ان يكون المقصود بالعطش هو داء العطش و لو بقرينة الانتقال الى البدل لان الانتقال الى البدل يكون باعتبار عدم تمكنه من الصوم او صعوبته عليه كالكبير بينما اذا كان الترك من مرض فان المرض موقت فيزول فيتمكن من قضائه.

 

منها رواية داوود بن فرقد عن اخيه أحمد بن محمد بن عيسى في (نوادره) عن فضالة، عن داود بن فرقد، عن أخيه قال: كتب إلى حفص الأعور سل أبا عبد الله عليه السلام عن ثلاث مسائل، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

ما هي؟ فقال: عن بدل الصيام ثلاثة أيام من كل شهر؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: من مرض أو كبر أو عطش؟ فقال: ما سمى شيئا،فقال: إن كان من مرض فإذا قوي فليصمه، وإن كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد.[8]

 

ثم قال السيد الماتن ومنها: صوم أيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر على الأصح المشهور وعن العماني أنها الثلاثة المتقدمة.

عقد صاحب الوسائل لاستحباب صيام ايام البيض الباب الثاني عشر و ذكر فيه روايات المهم منها

الحديث الثاني

عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، أن عليا عليه السلام كان ينعت صيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدهر كله ما شاء الله، ثم ترك ذلك وصام صيام داود عليه السلام يوما لله ويوما له ما شاء الله، ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله، ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيام من كل شهر فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله إليه.[9]

الظاهر تمامية سند هذه الرواية لان الحسين بن علوان عندنا ثقة حسب الظاهر

و فيها دلالة على ان الرسول صلى الله عليه و اله كان ملتزما بصيام ايام البيض خصوصا انه ورد فيها انه كان على ذلك حتى قبضه الله اليه .

 

الشيخ الصدوق بعد ان ذكر الحديث الاول في الباب الثامن الذي سنده عامي قال ان هذا الخبر صحيح و لكن رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم سن مكان ايام البيض خميسا في اول الشهر و اربعاء في وسطه و خميسا في اخره

و فهم من عبارته نسخ صوم ايام البيض بصوم الايام الثلاثة من كل شهر المتقدمة سابقا و معنى النسخ ارتفاع استحباب ايام البيض

قد يستدل لهذا بما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم الذي ورد فيها (ثم ترك ذلك و صام الثلاثة ايام الغر ثم ترك ذلك و فرقها في كل عشرة يوما …)

باعتبار ان ظاهر الترك هو النسخ

لكن الظاهر انه لا دلالة للترك على النسخ بل ما يستفاد هو ان المعدول اليه افضل من المعدول عنه فيبقى استحباب صيام ايام البيض على حاله .

بل لا دلالة لعبارة الشيخ الصدوق على النسخ

و على كل حال لو كان مراد الشيخ الصدوق النسخ فلا دلالة لصحيحة محمد بن مسلم عليه .

هناك رأى للعمانى في ايام البيض فانه يقول ان ايام البيض يقصد منها الايام الثلاثة من كل شهر و لعل وجه هذا الكلام الحديث المروي في الباب الثاني عشر الحديث الثاني المتقدم و هو حديث عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد حيث ورد في ذيله( و صام البيض ثلاثة ايام من كل شهر) فكانه يفهم منه ما ذكره العماني

لكن صريح الاخبار المتقدمة هو ان صوم ايام البيض غير صيام الايام الثلاثة حيث دلت على ان الرسول صلى الله عليه و اله ترك صوم ايام البيض و صام الايام الثلاثة

قال السيد الماتن ومنها: صوم يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله) وهو السابع عشر من ربيع الأول على الأصح وعن الكليني أنه الثاني عشر منه.

عقد له صاحب الوسائل الباب التاسع عشر و ذكر روايات في هذا المجال و هى كما تدل على استحباب صومه تدل على انه اليوم السابع عشر من ربيع الاول

حيث ورد في بعضها ( ان الايام التي يصام فيها اربعة منها يوم مولد النبي صلى الله عليه و اله و سلم يوم السابع عشر من شهر ربيع الاول …)

قال الشيخ المفيد في (مسار الشيعة) : في اليوم السابع عشر من ربيع الأول كان مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزل الصالحون من آل محمد عليهم السلام على قديم الأوقات يعظمونه، ويعرفون حقه، ويرعون حرمته، ويتطوعون بصيامه.

ذكر الماتن ان الشيخ الكليني ذهب الى ان يوم مولد النبي صلى الله عليه و اله هو يوم الثاني عشر كما عليه الجمهور

لكن عبارة الشيخ المفيد تنافي ذلك

و عن البعض حمل ما ذكره الشيخ الكليني في الكافي على التقية

لكنه ليس واضحا باعتبار ان الكافي ينادي باعلى صوته بمذهب اهل البيت و التشيع فلا وجه للاتقاء في خصوص محل الكلام.

و على كل حال هذا الرأى مخالف لما عليه المشهور .

ثم قال الماتن : ومنها: صوم يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة.

هناك روايات كثيرة تدل على ذلك ذكرها صاحب الوسائل في الباب الرابع عشر و منها ما لا بأس بسنده و منها ما يعظم حرمة هذا اليوم [10] و هى رواية الحسن بن راشد

يرويها الشيخ صاحب الوسائل عن الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: جعلت فداك، هل للمسلمين عيد غير العيدين قال: نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما، قال: قلت: وأي يوم هو؟ قال: يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام فيه علما للناس، (قلت: جعلت فداك وأي يوم هو؟ قال: إن الأيام تدور وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجة) قلت: جعلتً فداك، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال: تصومه يا حسن وتكثر الصلاة على محمد وآله، وتبرء إلى الله ممن ظلمهم فان الأنبياء كانت تأمر الأوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا، قال: قلت: فما لمن صامه؟

قال: صيام ستين شهرا.. الحديث.[11]


[3] نفس الباب الحديث الثامن عشر .
[10] الحديث الثاني في الباب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo