< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

34/07/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول العملية/ البراءة الشرعية
 كان الكلام في تصحيح الإتيان بالباقي بعد فرض الاضطرار، أو الإكراه على ترك جزء العبادة، أو شرطها، بمعنى أنّه إذا جاء بالباقي بعد الاضطرار إلى ترك السورة، فهل يمكن تصحيح هذا الفعل، أو لا يمكن تصحيحه ؟
 قلنا بأنّ المعروف هو عدم إمكان تصحيح هذه العبادة، وكان الدليل عليه هو أنّ الجزئيّة هذه وإنْ كانت تقبل الوضع والرفع، خلافاً لمن يقول بأنّها لا تقبل الوضع ولا الرفع، لكن رفع الجزئيّة إنّما يكون برفع منشأ انتزاعها، ومن الواضح أنّ منشأ انتزاع الجزئيّة هو عبارة عن الوجوب الضمني المتعلّق بالسورة، هذا ينتزع منه عنوان أنّ السورة جزء من هذا المركب. والأمر الآخر هو أنّ هذا الوجوب الضمني المتعلّق بالسورة ليس وجوباً مستقلاً ومنفصلاً عن الوجوبات الضمنية بالنسبة إلى باقي الأجزاء؛ لأنّها وجوبات مترابطة، وليست وجوبات مستقلة، فسقوط أيّ وجوبٍ من هذه الوجوبات ورفعه لا يكون إلاّ برفع الأمر المتعلّق بالمجموع المركب من تلك الأجزاء، ويتوقّف على رفع الأمر المتعلّق بالمجموع المركب من تلك الأجزاء؛ لأنّ منشأ انتزاع الجزئيّة هو عبارة عن الوجوب الضمني، والوجوب الضمني كما قلنا، إنّما هو باعتبار تعلّق الأمر بالمجموع المركب من السورة وغيرها، فينحلّ هذا الوجوب إلى وجوبات ضمنيّة بعدد الأجزاء، وهذا الوجوب الضمني المتعلّق بالسورة يُنتزَع منه عنوان الجزئيّة، فبالنتيجة لا يكون رفع الجزئية إلاّ برفع الأمر المتعلّق بالمجموع المركب، ومع رفع الأمر المتعلّق بالمجموع المركب، لا دليل على الأمر بالباقي، فلا مجال لتصحيح الإتيان بالباقي.
 وقلنا بأن صاحب الكفاية(قدّس سرّه) أشكل على هذا الرأي، وقال بأنّ حديث الرفع لا يرفع الأمر بالكل، وإنّما حديث الرفع ناظر إلى دليل الجزئية، ودليل الجزئية مختصّ بحالة الاختيار، ولا يشمل حالة الاضطرار، وإلاّ هو ليس ناظراً إلى دليل الأمر بالكل. إذا تمّ هذا؛ فحينئذٍ لا مشكلة في التمسّك بإطلاق دليل الأمر بالصلاة لتصحيح الإتيان بالباقي؛ لأنّ الأمر بالصلاة لم يرتفع؛ لأنّ حديث الرفع لا يرفع الأمر بالمجموع المركب(الصلاة)؛ لأنّه ليس ناظراً إليه، وإنّما هو فقط ناظر إلى تقييد دليل جزئية السورة بحالة الاختيار، أمّا الأمر بالمركب، أي الأمر بالصلاة، فيبقى على حاله موجوداً وثابتاً، فإذا كان موجوداً وثابتاً أمكن التمسّك بإطلاقه لإثبات وجوب الباقي.
 وبعبارة أخرى: أنّ الأمر بالمركب باقٍ وغير مرتفع، غاية الأمر خرج منه جزء في حالة الاضطرار، فيمكن التمسّك بإطلاقه لإثبات وجوب الإتيان بالباقي. وهناك فرق بين أنْ نقول أنّ حديث الرفع يرفع الأمر بالكل، فيأتي الدليل السابق من أنّه بعد ارتفاع الأمر بالكل؛ حينئذٍ لا دليل على وجوب الباقي، فلابدّ أنْ يثبت وجوب الإتيان بالباقي بدليلٍ آخر غير حديث الرفع، من قبيل (قاعدة الميسور)، و(أنّ الصلاة لا تسقط بحالٍ) وأمثالها، لكن حديث الرفع يرفع الوجوب المتعلّق بالمجموع المركب؛ وحينئذٍ لا دليل على وجوب الإتيان بالباقي. يوجد فرق بين أنْ نقول هكذا وبين أنْ نقول بأنّ الوجوب المتعلّق بالمجموع المركب لا يرتفع، ولا دليل على ارتفاعه، وإنّما فقط الشيء الذي يحدث هو رفع جزئية السورة في حال الاضطرار، في هذه الحال لا مانع من التمسّك بإطلاق دليل الأمر بالصلاة لإثبات وجوب الإتيان بالباقي. دليل يأمر بالإتيان بعشرة أجزاء، وأحد الأجزاء خرج عنه في حالة خاصّة، وهي حالة الاضطرار، فيمكن التمسك بإطلاقه لإثبات وجوب الإتيان بالباقي.
 وفيه: أنّه يفترض أنّ حديث الرفع من قبيل ما إذا دلّ دليل خاص ينظر إلى دليل الجزئية ويقيده، فيقول هذا الدليل أنّ السورة تسقط في حالة العجلة، لكن بيّنّا أنّ هناك فرقاً بينهما، فحديث الرفع في الحقيقة ينظر إلى الموضوع بوجوده التشريعي، ويرفع أثره عنه، ويقول أنّ هذا الموضوع في عالم التشريع لم يقع موضوعاً لهذا الأثر، وهذا إذا أردنا أنْ نطبّقه على محل الكلام، في محل الكلام الموضوع الذي يكون أثره هو الوجوب الضمني هو عبارة عن السورة، فالسورة هي التي تقع موضوعاً للوجوب الضمني، وحديث الرفع ينظر إلى رفع الموضوع بوجوده التشريعي، يعني يكون ناظراً إلى رفع الوجوب الضمني عن السورة، أنّ المكلّف إذا اضطرّ إلى ترك السورة فالوجوب الضمني يرتفع عنه، فهو ينظر إلى الوجوب الضمني، وقلنا بأنّ الوجوب الضمني مرتبط بالوجوبات الضمنية لسائر الأجزاء الأخرى، فلا يمكن أنْ نقول أنّ حديث الرفع ليس ناظراً إلى الأمر بالصلاة، كلا، هو ناظر إلى الأمر بالمركب؛ لأنّ غرضه هو رفع هذا الموضوع في عالم التشريع، فالأثر الشرعي للسورة هو الوجوب الضمني، وحديث الرفع يرفع الموضوع تشريعاً، والذي يعني رفع الوجوب الضمني للسورة عندما يتركها الإنسان اضطراراً، فإذا كان حديث الرفع ناظراً إلى الوجوب الاستقلالي المتعلّق بالمركب، ويرفعه بالنتيجة باعتباره هو المنشأ كما قلنا؛ فحينئذٍ يصح أنْ يقال: لا دليل على وجوب الباقي؛ لأنّ الوجوب الاستقلالي المتعلّق بالمركب من حيث الأثر رفع، فإذا رفع؛ فحينئذٍ لا دليل على وجوب الإتيان بالباقي. هذا من جهة.
 ومن جهة أخرى: مضافاً إلى ما ذُكر من جواب على ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) من أنّ حديث الرفع كما يرفع الوجوب الضمني، فهو يرفع الجزئية، وإذا رفع الجزئية؛ فحينئذٍ يمكن أنْ نقول بأنّ حديث الرفع يشمل محل الكلام. يمكن أنْ يقال: أنّ حديث الرفع لا يصح أنْ يكون شاملاً للجزئية في حالة الاضطرار، وذلك باعتبار أنّ حديث الرفع إنّما يشمل مورداً إذا كان في وضع ذلك الشيء المرفوع كلفة وثقل على المكلّف كي يكون في رفعه مِنّة عليه، وهذا تقدّم سابقاً، وهذا يصدق على رفع الوجوب الضمني؛ لأنّ وضع الوجوب الضمني فيه كلفة وثقل على المكلّف، ورفع الوجوب الضمني فيه مِنّة وتخفيف عليه. أمّا الجزئية فبالعكس؛ إذ ليس في رفعها مِنّة وتخفيف؛ لأنّ معنى رفع الجزئية يستلزم لزوم الإتيان بالباقي، فلا يكون فيه مِنّة وتخفيف، أمّا وضع الجزئية فيكون فيه تخيف ومِنّة؛ لأنّ وضعها يستلزم سقوط الأمر بالكل؛ لأنّ السورة جزء حتّى في حالة الاضطرار، فأنّ معنى وضع الجزئية في حالة الاضطرار هو أنّ السورة جزء من المركب حتّى في حالة الاضطرار، وهذا يستلزم سقوط الأمر بالمركب؛ لأنّه لا يتمكن من الإتيان به، فيكون وضع الجزئية في حال الاضطرار فيه تخفيف ومِنّة، ورفع الجزئية في حال الاضطرار يستلزم لزوم الإتيان بالباقي؛ لأنّ السورة ليست جزءاً في حالة الاضطرار، فيجب على المكلّف الإتيان بالباقي، فيكون تطبيق الحديث على الجزئية تماماً عكس تطبيقه على الوجوب الضمني المتعلّق بالسورة، هذا يشمل الوجوب الضمني؛ لأنّ الوجوب الضمني وضعه فيه كلفة وثقل، ورفعه فيه مِنّة، ولا يشمل الجزئية؛ لأنّ في رفع الجزئيّة ثقل على المكلّف؛ لأنّ رفع الجزئية في حال الاضطرار يعني إلزام المكلّف بالإتيان بالباقي، بينما وضع الجزئية يكون فيه مِنّة؛ لأنّ وضع الجزئية في حال الاضطرار يستلزم سقوط الأمر بالمركب؛ لأنّ كون السورة جزءاً من الصلاة حتّى في حالة الاضطرار يستلزم سقوط الأمر بالمركب؛ لأنّ المكلّف غير قادر على الإتيان بهذا المركب الذي السورة جزء منه حتى في حال الاضطرار.
 فإذن: تطبيقه بهذا الشكل الذي ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) يواجه أيضاً هذه المشكلة. نعم، الظاهر أنّ هذه المشكلة مختصّة بصورة الاضطرار والإكراه وما شابههما، ولا تشمل حالة النسيان، ففي حالة النسيان تكون الجزئية حالها حال الوجوب الضمني، يعني يكون في وضعها كلفة وثقل على المكلّف، وفي رفعها تخفيف ومِنّة عليه في حالة نسيان الجزء، وليس تركه اضطراراً، والسر في هذا هو أنّ نفس الاضطرار أساساً يختلف عن النسيان في أنّ الاضطرار يلتفت إليه المكلّف قبل الإتيان بالعمل، وفي الإكراه أيضاً يلتفت المكلّف إلى أنّه مُكره على العمل قبل الإتيان به، بينما النسيان لا يلتفت إليه المكلّف إلاّ بعد الإتيان بالعمل، هذا الفارق بينهما يستوجب الفرق بينهما فيما ذكرناه، ففي باب النسيان المكلّف دائماً عندما نقول أنّه نسي الجزء، يعني هو غير ملتفت إلى كونه ناسياً، يعني جاء بالعمل الناقص ناسياً للسورة، بعد ذلك ارتفع نسيانه؛ حينئذٍ نقول أنّ وضع الجزئية في حالة النسيان فيه ثقل على المكلّف؛ لأنّ وضع الجزئية في حالة النسيان تستلزم أن يُطلب من المكلّف إعادة الصلاة؛ لأنّه جاء بصلاةٍ ناقصة؛ لأنّ السورة جزء حتّى في حالة النسيان، فهو لم يأتِ بما يُطلب منه، لم يأتِ بصلاة كاملة، وإنّما جاء بصلاة ناقصة، فإذا التفت بعد ذلك يُكلّف بالإعادة، هذا معنى وضع الجزئية في حالة النسيان، وهذا مستلزم لوجوب الإعادة، وهذا فيه كلفة على المُكلّف، بينما رفع الجزئية فيه تخفيف ومنّة، فيقال للمكلّف الناسي بعد التفاته أنّ السورة ليست جزءاً من الصلاة في حال النسيان، وهذا معناه أنّ ما جئت به صحيحاً، وليس عليك الإعادة، فيكون فيه تخفيف على المكلّف.
 إذن: يوجد فرق بين حالة النسيان وبين حالة الاضطرار والإكراه من ناحية المناقشة الثانية لصاحب الكفاية(قدّس سرّه). هذا بالنسبة إلى الدليل الأول الذي يذكر كتوجيه لكلام صاحب الكفاية(قدّس سرّه) لإثبات إمكان تصحيح الإتيان بالباقي. والثاني ذكرناه في الدرس السابق وهو أنّ مفاد حديث الرفع هو الرفع التشريعي للوجود الحقيقي، ويبقى الدليل الثالث.
 الدليل الثالث: محاولة لتطبيق حديث الرفع على ترك الواجب، وليس على الجزئية، فيطبّق حديث الرفع على ترك الصلاة الكاملة، فيقال: بأنّ هذا المكلّف اضطر إلى ترك الصلاة التامة في تمام الوقت ـــــ كما هو مفروض في محل الكلام ـــــ وأثره بقطع النظر عن الاضطرار هو وجوب القضاء، فيمكن أنْ نقول أنّ حديث الرفع يشمله ويرفع عنه وجوب القضاء، باعتبار أنّ موضوع وجوب القضاء صدر منه اضطراراً، والمكلّف مضطرّ إلى ترك جزء الصلاة ـــــ بحسب الفرض ـــــ فإذا ترك جزئها فهو مضطر إلى ترك الصلاة التامّة في تمام الوقت، فمثل هذا المكلّف الذي اضطر إلى ترك الصلاة التامّة، وجاء بالصلاة الناقصة لا يجب عليه القضاء، تطبيقاً لحديث الرفع.
 نعم، هذا الوجه لا يثبت صحّة ما جاء به مباشرة، لكن يثبّت النتيجة التي يريدها من يحاول إثبات صحّة الفعل الناقص في أثناء الوقت، يعني صحّة الإتيان بالباقي، فأنّ غرضه من إثبات أنّ ما جاء به صحيح هو إثبات عدم وجوب القضاء عليه، والاكتفاء منه بهذا المقدار. هذه النتيجة يمكن إثباتها عن طريق تطبيق الحديث على نفس وجوب القضاء باعتباره اثراً لترك الصلاة التامّة في داخل الوقت، وهذا ترك الصلاة التامّة في داخل الوقت اضطراراً، فيرتفع عنه وجوب القضاء، يعني يُكتفى بما جاء به. فهذه محاولة لإثبات نتيجة تصحيح الإتيان بالباقي.
 تماميّة هذا الوجه وعدمها تعتمد على أنْ نراجع أدلّة وجوب القضاء لمعرفة أنّ موضوع هذا الأثر الشرعي ــــــ وجوب القضاء ــــــ ما هو ؟ فإذا كان موضوع وجوب القضاء هو عبارة عن عدم الإتيان بالواجب في وقته، أو ذات فوت الواجب، لا الفوت المنتسب إلى المكلّف، وإنّما موضوعه النتيجة التي هي عبارة عن الفوت، أو عدم الإتيان بالواجب في وقته، الأعمّ من أنْ يكون منتسباً إلى المكلّف، أو غير منتسبٍ إليه، مثل ملاقاة النجاسة، فأنّ ذات الملاقاة هي موضوع للنجاسة سواء انتسبت إلى المكلّف أو لم تنتسب إليه، فإذا كان موضوع وجوب القضاء من هذا القبيل، موضوعه ذات عدم الإتيان بالفعل في وقته، أو ذات الفوت سواء انتسب الفوت إلى المكلّف أو لم ينتسب إليه، بأنْ حصل منه قهراً؛ فحينئذٍ لا يمكن تطبيق حديث الرفع عليه؛ لما تقدّم سابقاً من أنّه يشترط في تطبيق حديث الرفع على موردٍ أنْ يكون الأثر المرفوع مترتب على موضوعه بما هو منتسب إلى المكلّف. أمّا إذا كان الأثر مترتباً على ذات الموضوع، وإنْ لم ينتسب إلى المكلّف، فمثل هذا تقدّم سابقاً أنّه لا يكون مرفوعاً بحديث الرفع؛ ولذا ذكرنا جملة من الأمثلة التي لا يشملها حديث الرفع بالاتفاق، وواحد منها مسألة الملاقاة، فأنّ الملاقاة إذا حدثت اضطراراً لا يشملها حديث الرفع لرفع النجاسة، والنجاسة تبقى على حالها قطعاً. وجوب القضاء يكون من هذا القبيل، فإذا حصل الفوت اضطراراً، وعدم الإتيان بالفعل حصل اضطراراً، أو إكراهاً، أو نسياناً، هذا لا يوجب أنْ يشمل حديث الرفع هذا المورد ويرفع وجوب القضاء؛ لأنّ وجوب القضاء لا يترتب على الموضوع المنتسب إلى المكلّف، حتّى مثل هذا عندما يصدر منه اضطراراً تخف النسبة أو تزول، على ما تقدّم سابقاً؛ فحينئذٍ يرتفع الأثر؛ لأنّ الأثر مترتب على الفعل بما هو منتسب إلى المكلّف، في حالات الإكراه، والاضطرار تخف النسبة، أو تزول فيرتفع الحكم، هذا لا نستطيع أنْ نقوله في المقام إذا كان موضوع وجوب القضاء هو ذات الفوت، أو ذات عدم الإتيان بالواجب في وقته، فتطبيق حديث الرفع في المقام لا يكون صحيحاً.
 نعم، إذا قلنا بأنّ موضوع وجوب القضاء هو عدم الإتيان بالواجب في وقته بنحو العدم النعتي، يعني بما هو منتسب إلى المكلّف، وبما هو صادر منه، في هذه الحالة يمكن أنْ نقول بشمول حديث الرفع له، باعتبار أنّ هذا الأثر مترتب على موضوعه بما هو منتسب إلى المكلّف، فإذا صدر الموضوع اضطراراً، كما هو المفروض في محل كلامنا، تخف النسبة فيرتفع الأثر، فيمكن أنْ يكون حديث الرفع شاملاً له، ورافعاً لوجوب القضاء، فيثبت بذلك صحّة ما جاء به من الفعل الناقص، أو بتعبير أصح تثبت نتيجة الصحة.
 النتيجة التي نصل إليها هي: أنّه لا يمكن تصحيح الإتيان بالباقي بحديث الرفع، وكل هذه الوجوه التي ذكرت لتصحيحه لم تتم، فالنتيجة هي أنّ حديث الرفع يرفع الوجوب الاستقلالي المتعلّق بالمركب، ومع ارتفاعه بحديث الرفع لا دليل على وجوب الإتيان بالباقي.
  قد يقال: ما هو الفرق بين ما ذكرتموه في موارد الاضطرار وفي موارد الإكراه، وبين ما يُذكر في فقرة ما لا يعلمون، حيث أنّه لا إشكال عندهم ظاهراً أنّه في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين الذي معناه الشك في وجوب السورة في الصلاة، أو في جزئية السورة من الصلاة، يعني لا يعلم أنّ الصلاة مؤلفة من عشرة أجزاء أو من تسعة، أو أنّ الطهارة ــــــ مثلاً ــــــ شرط في الصلاة أو لا ؟ فمرجعه إلى دوران الأمر بين الأقل، الذي هو تسعة أجزاء واجبة قطعاً، وبين الأكثر الذي هو عشرة أجزاء، الذي هو شك في وجوب السورة، أو شك في جزئيتها من الصلاة. هناك لا إشكال عندهم في جريان البراءة، وجريان حديث الرفع لرفع جزئية السورة، ولرفع وجوب السورة من الصلاة، ومن الواضح أنّ رفع جزئية السورة لا يكون إلاّ برفع الأمر بالأكثر، مع أنّهم ذكروا أنّه يجب عليه الإتيان بالباقي، وأنّ الأمر يتعلّق بالأقل، مع وضوح أنّ رفع الجزئية لا يكون إلاّ برفع الأمر بالأكثر. فما هو الفرق بينهما ؟ هناك حديث الرفع رفع الأمر المتعلّق بالكل في موارد الاضطرار والإكراه، واستشكلنا أنّه إذا ارتفع الأمر المتعلّق بالكل، لا دليل على ثبوت الأمر بالباقي، هنا أيضاً حديث الرفع رفع الأمر بالأكثر، فلماذا قالوا بوجوب الأقل على كل حال ؟ وأنّ الأقل يكون واجباً بلا إشكال، يرتفع الأمر بالأكثر، لكنّ الأقل واجب، فالتزموا بأنّ البراءة تجري وترفع وجوب الأكثر ويثبت وجوب الأقل، فما هو الفرق بينهما ؟ فإذا كان حديث الرفع يرفع وجوب الأكثر، يرفع وجوب المتعلّق بالمجموع في محل كلامنا؛ فحينئذٍ لا يبقى دليل على وجوب الباقي، وفي موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر أيضاً يقال بذلك؛ لأنّ رفع الجزئية لا يكون إلاّ برفع الأمر بالأكثر، رفع الوجوب الضمني المشكوك المتعلّق بالسورة لا يكون إلاّ برفع الوجوب المتعلّق بالأكثر، يعني المؤلف من عشرة أجزاء؛ لأنّه هو المنشأ للوجوب الضمني؛ لأنّه أمر يتعلّق بالأكثر فينبسط إلى وجوبات ضمنية متعددّة، فالشك في الوجوب الضمني المتعلّق بالسورة يساوق الشك في وجوب الأكثر المؤلف من عشرة أجزاء، ورفع هذا يعني رفع ذاك، فإذا ارتفع الوجوب المتعلّق بالأكثر، فنفس الكلام يجري هنا، فما هو الدليل على بقاء الوجوب المتعلّق بالأقل. وما هو الفرق بينهما ؟
 
 
 
 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo