< قائمة الدروس

الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

32/12/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب النكاح \ أحكام الأولاد \ حضانة الأم \ مسألة 1394
  ( مسألة 1394 ) : حق الحضانة الذي يكون للأم يسقط بإسقاطها بخلاف حق الحضانة الذي يكون للأب أو الجد فإنه لا يسقط بإسقاطه
 أقول: قاعدة السلطنة هي قاعدة عقلائية قبل أن تكون شرعية، ولم يزل بناء العقلاء عليها من قديم الزمان إلى عصرنا هذا، ولا فرق بين أرباب الملل الإلهية وغيرهم، حتى أن من أنكرها بلفظه لا ينكرها في عمله.
 وكلهم يرون أن للإنسان التصرف في ملكه بما يراه إلا ما منعه الشرع أو نهت عنه القوانين المعتبرة عنده، ولا يشك في هذا أحد منهم، ومن أنكره فإنما ينكره باللسان وقلبه مطمأن بالإيمان.
 فإن ما ورد من المرسلة المخيرة بعمل الفريقين هي إمضاء لما عند العقلاء، وعليه فلا يبقى شك في عموم هذه القاعدة، جميع الأموال وجميع الناس، بل للحقوق جميعا أيضا، ولكن هذه السلطنة لا ينافيها ورود استثناءات كثيرة فقد حددها الشرع من حيث ا لمتعلق تارة، ومن حيث طرف الكسب ثانية، وكيفية مصرفها ثالثة وفي الحقوق رابعة
  فمن حيث المتعلق: نهى الشارع عن أمور بحيث لا تدخل في ملك أحد، أو لا يصح التصرف فيها، فقد حرم الشارع كل ما فيه وجه من وجوه الفساد مثل الميتة والدم ولحم الخنزير واللحوم السباع والخمر، وكالأصنام وآلات القمار واللهو وكل ما يقوي الكفر والشرك.
 وأما من ناحية الكسب: فلا شك في أنها مقيد بقيود شتى كأن تكون تجارة عن تراض ومن دون إكراه أو إجبار إلى آخر الشروط في المعاملات وغيرها.
 وأما من ناحية المصرف: فهو أيضا ليس مطلقا بل لا بد وأن لا يكون فيه إسراف ولا تبذير ولا أني صرف في وجوه المعاصي وطرق الفساد، و لا الإضرار بالغير ولا بالنفس في الجملة.
 وأما من ناحية الحقوق: فشمول القاعدة لها إما من باب الأولية أو ما يدعى من إضافة حقوقهم على أموالهم على ما أشار إليه صاحب الجواهر في كتاب الرهن عند الاستدلال على جواز إسقاط الضمان في الرهن بقوله: ( ودعوى عدم صحت إسقاط مثل ذلك يدفعها عموم تسلط الناس على حقوقهم وأموالهم ) [1] مع أننا لم نجد رواية بذلك أو مأخوذ من بناء العقلاء وقبولهم سلطنة كل ذي حق على حقوقه بعد عدم الردع من الشارع.
 فالمحصل أن الإنسان مسلط على ِإسقاط حقوقه إلا ما خرج بالدليل أو كان الحق متقوما بالطرفين أو كان فيه جهة تعبدية كما في حق الرجوع في الطلاق وغيره ولذا يعبر عنه بالحكم لأنه غير قابل للإسقاط إلا بأن ينسخه الجاعل له ولا دخل للمكلف به.
 قال المحقق الأصفهاني: (وأما القاعدة المسلمة فالتحقيق في بيانها أن يقال : إنه لو كان لكل ذي حق حق قابل للنقل ، وعلم من الشرع أن الغرض من جعله ليس إلا الإرفاق في حق كل ذي حق ووجود المصلحة له ، وأنه لم يعتبر فيه جهة تعبدية من قبله ، صح له إسقاط هذا الحق عند العقلاء . فعلى هذا لا يكون اعتبار العقلاء مأخوذا في الحق بقول مطلق ، بل هو مخصوص بهذا الصنف منه ، فلا ينتقض ما ذكرنا حينئذ بالحقوق غير القابلة للنقل ، مثل الحقوق المنتزعة عن الذات كحق الأبوة والإخوة مثلا ، ولا بالحقوق التي علم فيها إعمال الشارع الجهة التعبدية ، كحق الرجوع في الطلاق على تقدير . والحاصل أن كل مورد علم في جعله ملاحظة إرفاق المكلف و علم أيضا عدم ملاحظة جهة تعبدية فيه فله أن يرفع اليد عنه بالإسقاط وغيره كما في المقام ، وإن علم مع ذلك لحاظ جهة تعبدية فيه فليس له ذلك . نظيره سقوط الركعتين من صلاة المسافر ، فإنه وإن علم أنه تخفيف وإرفاق للمكلف إلا أنه علم فيه أيضا لحاظ جهة تعبدية فلا يجوز له ضمهما لصلوته المقصورة . وإن شك في مورد في لحاظها وعدمه ، فالأصل عدم جواز رفع اليد عنه كما في حق الرجوع في الطلاق بناء على عدم العلم باعتبار الجهة المذكورة فيه وعدمه ) [2]
 وبما أنه قد ثبت أن الحضانة بلحاظ الأم حقا، وليس حكما فيصح إسقاطه وأما حق الحضانة الذي للأب فهو غير قابل للسقوط بالإسقاط لأنه قد ذكرنا مرارا أن الأصل في الحضانة هي للأب باعتباران أن الحضانة من شؤون الولاية ومن جملة النفقة، ولا شك في أن الولاية حكم شرعية وكذلك وجوب النفقة غير قابل للإسقاط مع السيد الماتن وفاقا لأكثر مراجع العصر.


[1] جواهر الكلام ج 25 ص 228
[2] نخبة الأزهار ص 101

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo