< قائمة الدروس

الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

33/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب النكاح \ النفقات \ أقسام النفقات \ نفقة الآباء والأبناء
 بعدما ذكرنا كل الأدلة التي وردت لإثبات وجوب النفقة على الأقارب مع أن هذه الأدلة مخصوصة أو المخاطب بها خصوص الرجل ولا يوجد ما يدل على أن نفقة الولد تجب على الأم لا في عرض الأب ولا عند فقد الآباء ومع ذلك قال الشيخ الطوسي في الخلاف: ( إذا لم يكن أب ولا جد ، أو كانا وهما معسران ، فنفقته على أمة . وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي. وقال مالك: لا يجب على الأم الإنفاق، لقوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن " وكان الخطاب متوجها إلى الآباء. وقال أبو يوسف، ومحمد: عليها أن تنفق، لكن تتحملها عن الأب ، فإذا أيسر بها رجعت عليه بما أنفقت عليه. دليلنا: عموم الأخبار التي وردت بوجوب النفقة على الولد ، ويدخل في ذلك الآباء والأمهات ، وإنما قدمنا الآباء بدليل الإجماع ) [1]
 وفي الحدائق: (المفهوم من كلام الأصحاب هو أن نفقة الولد إنما تجب على أبيه دون أمه لقوله تعالى " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " فأوجب أجرة الرضاع على الأب فكذا غيرها من النفقات . أقول : ويؤيده أيضا عدم وجوب الإرضاع عليها ، بل لها الامتناع وأنها كغيرها من الأجانب المستأجرات ، ولو كانت النفقة عليها واجبه كالأب لما صح ذلك . وبالجملة فالتمسك بأصالة براءة ذمتها من ذلك أقوى مستمسك حتى يقوم الدليل على الخروج عنه ) [2]
 ومع هذا لا يمكن التوفيق بين كلام الشيخ وكلام صاحب الحدائق لأن كلام الشيخ دليلنا عموم الأخبار يعني شمولها للمرأة بينما كلام صاحب الحدائق أن كلمات الأصحاب يفهم منها الوجوب على الأب دون الأم والروايات لسان بعضها مختص بالرجال ولهذا جزم السيد الماتن بقوله ونفقة الولد على الوالد وكما هو صريح السيد السيستاني ونفقة الولد على أبيه .
 ولا يخفى أن هذه الأدلة ليس فيها ما يدل على أن نفقة الولد على الأم كما هي على الأب إذ المخاطب فيها الرجل بل لسان بعضها مختص بالرجال كما في قوله ع يجبر الرجل أو يلزم على الرجل المؤيد بالمفهوم من روايات أجرة الرضاع إذ لو كان على الأم أيضا لكان يجب عليه الإرضاع ودفع أجرته لغيرها وعدم جواز المطالبة بكامل الأجرة من الأب .
 
 وقد استدل بعضهم على وجوبها على الأم بالنسبة إلى ولدها بقاعدة الاشتراك
 وفيه: أنه كيف يمكن الاستدلال بها والحال أنا نرى أن الشارع فرق بينهما في إيجاب النفقة كما هو معقد الإجماع المدعى فأوجب النفقة على الأب مع وجوده دون الأم مع وجود الأب .
 ويمكن الاستدلال بما رواه غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله ع قال: أتى أمير المؤمنين بيتيم فقال: خذوا بنفقة أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه .
 بتقريب أن الميزان في وجوب الإنفاق الأقرب من العشيرة من حيث الدرجات .
 وفيه: أنه إما معرض عنه أو محمول على الاستحباب جمعا .
 وإنما الكلام يقع في موردين
 الأول: في نفقة الولد على أب الأب وإن نزل وفي نفقة الآباء والأمهات على الولد وإن علوا.
 الثاني: في نفقة الوارث الصغير من غير العمودين .
 المورد الأول:
 قال في الحدائق: (لا خلاف لا إشكال في وجوب النفقة على الأبوين وإن ارتفعا ، والأولاد وإن سفلوا ، ولم يظهر من أحد من الأصحاب خلاف في ذلك إلا ما يتراءى من تردد المحقق في الشرائع والنافع ، ثم جزم بعد ذلك بالحكم المذكور ) [3]
 وفي المدارك نسب التعدي من المباشرين من الآباء والأمهات والأولاد إلى غير المباشرين منهم إلى المشهور ثم ترقى إلى كلام نفهم منه نقل الإجماع على التعدي .
 نعم نقل تردد المحقق وبين منشأ تردده بقوله للشك في صدق الآباء والأمهات والأولاد على من علا أو سفل منهم بطريق الحقيقة وقال إن التردد في محله وإن كان الأقرب وجوب النفقة على الجميع .
 والظاهر أن أهم دليل للتعدية هو الإجماع المحكي .
 قال الشيخ في الخلاف: (يجب على الوالد نفقة الولد إن كان موسرا ، وإن لم يكن أو كان وهو معسر فعلى جده ، فإن لم يكن أو كان وهو معسر فعلى أب الجد ، وعلى هذا أبدا . وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي. وقال مالك : النفقة على أبيه ، فإن لم يكن أو كان وهو معسر لم تجب على جده ، لأن النسب قد بعد. دليلنا : كل ظاهر ورد في وجوب النفقة على الولد يتناول هذا الموضع ، لأن ولد الولد يسمى ولدا ، والجد يسمى أبا يدل على ذلك ، قوله تعالى : " يا بني آدم " فأضافنا بالبنوة إلى الجد الأعلى . وقال تعالى : " ملة أبيكم إبراهيم " وقال تعالى : " واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب " فسماهم آباء . وقال النبي عليه السلام : الحسن ولدي هذا سيد يصلح الله به بين الفئتين. فإذا ثبت الاسم فقد قال النبي عليه السلام : أنفقه على ولدك. وذلك عام ، وأخبارنا في ذلك كثيرة جدا ) [4] .
 أقول: إن الظاهر من لفظ الأب أو الوالد والولد في الروايات هو الأب والولد بلا واسطة إذ لو أريد التعميم لذكر كما في الإرث.
 وأما الاستدلال عليه بعموم الأب للجد عرفا وإطلاقه عليه ففيه: أنه وإن كان يصح ذلك وقد أطلق على الجد الأب في بعض الموارد إلا أنه لا يطلق عليه حقيقة إذ المتبادر منه هو الإرث ولذا لو قيل لصبي كان له أب وجد جاء أبوك فلا يتبادر إلى ذهنه سوى أبيه وليس ذلك إلا لعدم إطلاق لفظ الأب على الجد حقيقة
 وعلى هذا فقد أفتى الفقهاء بأن قضاء صلوات الفائتة تختص بالأب نفسه ولا تشمل الجد ومن هنا تنظر المحقق فخر الدين في مسألة قذف الجد لابنه بأنه لا يحد لصدق لفظ الأب عليه بقوله : وفيه نظر للمنع من كونه أبا حقيقة فإنه يصدق عليه السلب ولا شيء من الحقيقة كذلك فيقال للجد بأنه ليس أب للولد .
 نعم بعضهم استدل على وجوب نفقة الجد والجدة على الولد بما ورد في خبر زيد الشحام من أنه لا يعطى الجد والجدة من الزكاة بعد توافق النص والفتوى على أن الزكاة لا تعطى للأبوين لوجوب نفقتهما .
 وفيه أن الخبر ضعيف بأبي جميلة المفضل بن صالح المتسالم على ضعفه
 وعلى هذا فلم يبقى دليل إلا الإجماع وهو محتمل المدركية لما ذكرنا عن الشيخ الطوسي من التمسك بإطلاق الدليل لصحة إطلاق الأب على الجد وصحة إطلاق الولد والابن على ولد الولد .
 وبما أن المسألة غير واضحة المدرك مع ذهاب كل الشيعة في جميع الأعصار والأمصار إلى وجوب نفقة الأجداد على الأولاد ووجوب نفقة الأولاد على الأجداد فالاحتياط باب النجاة .


[1] - الخلاف " الطوسي" ج 5 ص 122
[2] - الحدائق الناضرة ج 25 ص 134
[3] - الحدائق الناضرة ج 25 ص 132
[4] - الخلاف " الطوسي" ج 5 ص 120

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo