< قائمة الدروس

الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

34/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطلاق \ شروط صحة الطلاق \ عدالة الشاهدين
 قلنا بأن أهم ما فسرت به العدالة أربع تفسيرات ذكرناها وذكرنا رأي فقهاء العصر وأنهم استقروا على تفسيرين يقول السيد الخوئي أن حسن الظاهر والاسلام مع عدم ظهور الفسق معرفان للعدالة لا انهما نفس العدالة وذلك لإمكان ان يكون الفاسق في اعلى مراتب الفسق واقعا ولكنه متحفظا على وجاهته ومقامه لدى الناس فهو مع انه حسن الظاهر محكوم بالفسق لارتكابه المعاصي قال تعالى " أولئك هم الفاسقون " مشيرا الى مرتكبي المعاصي ولو في الباطن .
 وكذلك الحال في الاسلام وعدم ظهور الفسق فان هذا العنوان يدلنا على ان الفسق امر واقعي قد يظهر وقد لا يظهر فمع ان المكلف فاسق في الواقع لارتكابه المعصية في الباطن كيف يمكن ان يكون عادلا من جهة عدم ظهور الفسق منه ؟
 ويضاف عليه: انه يلزم ان تكون العدالة من الامور التي يكون وجودها الواقعي عين وجودها الذهني وهذا لا يجامع كون ضدها وهو الفسق امرا واقعيا لا دخل للذهن فيه . وعليه يلزم ان يكون الشخص المرتكب للمعاصي في السر عادلا واقعا وفاسقا واقعا لان وجود العدالة الواقعي هو عين وجودها الذهني .
 اللهم الا ان يقال: ان حسن الظاهر من الامور الواقعية فانه عبارة عن الاتيان بالواجبات وترك المحرمات بالعلانية ولو مع ارتكاب المحرمات بالسر .
 او بان يقال: ان الفسق المقابل للعدالة بنفس المعنى المأخوذ في العدالة اي خصوص الارتكاب في العلانية لا مطلق الارتكاب وهو كما ترى .
 وعليه فيدور الامر بين الثالث والرابع .
 اقول: بما انه لم يثبت ان للعدالة حقيقة شرعية ولا متشرعية فالخطاب الشرعي يجب حمله على معناه اللغوي او العرفي حين صدور الخطاب عندما يتجرد عن القرينة وان النقل المتأخر عن الصدور لو كان كما هو ظاهر بعض الكلمات لا يمكن حمل الخطاب والالفاظ الواردة فيه على هذا النقل المتأخر .
 وما قيل من ان ظاهر كلام غير واحد من الاعلام في تفسير العدالة وانه منسوب الى الشرع لقولهم العدالة في الشرع او الشريعة في قبال المعنى اللغوي بيان ما ثبت كونه معنى حقيقيا في زمن صدور الخطاب وكلام هؤلاء لا يقصر من كلام الجوهري وغيره في اهل اللغة
 فانه يقال لا يدل كلامهم على ذلك لاحتمال بيان ما اصطلحوا عليه وحينئذ مع الشك لابد من حمل اللفظ الوارد في لسان الشارع على المعنى الذي كان يفهم في عصر الصدور والمعنى المعروف عند الناس هو المعنى اللغوي وذلك لوضوح المفهوم عندهم بحيث انه اذا اطلق لفظ العدالة في لسان الشارع لم يكن يستفهم عن معناها عند اغلب الناس مع انه لو كان هناك معنى اخر غير المعنى اللغوي حصل نقل اللفظ العدالة اليه لما وقع الاختلاف الكبير في معناها حتى عدت تفسيرات العدالة الى ما يقارب العشرة فادخلوا فيها اصطلاح اهل الاخلاق والحكماء والمناطقة .
 والظاهر ان العدالة لغة هي الاستقامة والاستواء ومن موارد اطلاقها على الاستقامة قولهم في وصف الطريق وقبلة المصلي انه عدل اي لا انحراف فيه لا الى اليمين ولا الى اليسار وكذلك اطلاقه على العصا والشجرة يقال انها عدل اي لا اعوجاج فيها فهي مستقيمة ومن موارد اطلاقه بمعنى الاستواء قولهم عند تقدير الشيء بالوزن انه عدل اي مساو للعيار لا يزيد ولا ينقص .
 نعم ذكر لها معان اخرى كالمثل والنظير والجزاء والظاهر انها استعمالات مجازية
 وعلى اساس ذلك تطلق العدالة على الانسان بلحاظ الدين فيقال هذا عادل في الدين اي مستقيمة افعاله على طبق الشريعة وليس بمفارق عن طاعة الله لا سيما ان الفاسق هو الخارج عن طاعة الله ويمكن ان يراد الطريقة المستوية بالقياس الى حدود الله وهي فرائضه ومحارمه .
 اذا فالعدالة المطلقة المنسوبة الى الذوات هي الاستقامة العملية كما يقتضيه المعنى اللغوي وانما استعملت في كتاب لله والاخبار بما لها من المعنى اللغوي وهي الاستقامة وبما ان متعلقها الدين فهي استقامة عملية واتباع طريق الشرع من اجتناب المعاصي سواء كان ذلك عن ملكة أو لا عن ملكة
 وليعلم أن ترك المعاصي انما يكون بإحدى الحالات التالية
 الأولى: ان من يترك المحرمات ويفعل الواجبات من باب عدم وجود مقتضى له لارتكابها لا تتحقق العدالة في حقه بوجه وذلك لعدم سلوكه جادة الشريعة برادع عن المعاصي . وكذلك لا يتحقق في حقه الفسق لعدم الانحراف .
 الثانية: ان من يترك المحرمات ويفعل الواجبات مستندا الى رادع ولكن الرادع هو غلبة العقل على النفس فيصدر عنه دائما ما هو محبوب لله فلا يصدر منه غيره فهو وان كان سالكا الجادة اتم سلوك الا ان السلوك لم يستند الى الخوف من العقاب فهو وان كان في اعلى مراتب العدالة الا انه غير معتبر في موضوع الاحكام الشرعية قطعا لاستلزامه تعطيل الاحكام في جملة من المقامات فان ذلك يختص بالاوحدي من الناس لوضوح ان هذه العدالة تأتي بعد مرتبة العصمة .
 الثالثة: ان يكون الرادع امرا محرما في نفسه كما لو سلك الجادة بداعي الرياء لكي يحسبه الناس من المنقادين لأمر الله فهذا ليس من العدالة بشيء وانه محكوم بالفسق بالانحراف عن جادة الشريعة بحسب الامر الواقعي .
 الرابعة: ان يكون الرادع عن المعاصي هو خوف العقاب كما هو الغالب في آحاد الناس وهذا المعنى هو المراد من لفظ العدالة الوارد في لسان الشارع فهو مستقيم في الجادة ومصداق للعادل شرعا ولغة .
 فتحصل: ان العدالة هي الاستقامة العملية على طبق الشريعة بداعي الخوف من الله ولكن بشرط ان تكون الاستقامة استمرارية بحيث تكون طبعا وعادة للشخص فالاستقامة في حين دون حين ليست من العدالة في شيء فلا يقال له انت مستقيم في الجادة لعدم الوثوق باستقامته لأنه قد يستقيم وقد لا يستقيم مع ان المعتبر في العادل الوثوق بتدينه ولا يتحقق ذلك الا بالاستمرار وكذلك الحال لو استقام بترك بعض المحرمات دون بعض وبما ان الاستمرارية قد لا ينفك عن حصول الملكة لعل القائل بالملكة اراد هذا المعنى لا الملكة بما هي هي .
 وعلى هذا لا يضر ارتكاب المعصية في بعض الاحيان فيما اذا ندم وتاب ولذا فالاستقامة الدائمة منذ بلوغ الشخص الى الممات غير معتبرة في العدالة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo