< فهرست دروس

درس خارج اصول استاد اشرفی

92/03/08

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: فی بیان آراء سیدنا الأستاذ الخمینی فی معنی حدیث «لاضرر»

بعد ما ذکر الأستاذ الخمینی مقدمات ذکرناها بالأمس و إستنتج منها أن الحکم الصادر فی حدیث نفی الضرر هو حکم سلطانی و صادر عن النبی صلی الله علیه و‌ اله بما أنه سائس العباد و حاکم علی المسلمین و رد محتملات القوم فی معنی الحدیث و بین الإشکلات الواردة علی کل منها؛ بدأ بذکر إشکال المحقق النائینی و أجاب عنه و إلیک نصه ‌

لعلك تقول: ان الظاهر من صحيحة زرارة أنه صلى اللَّه عليه و آله إتكل في حكمه بقلع الشجرة و الرمي بها إلى سمرة على قاعدة شرعية و حكم إلهي حيث قال للأنصاري: اذهب فاقلعها و ارم بها إليه فانه لا ضرر و لا ضرار، فان ظاهر التعليل انه اتكل على القاعدة الشرعية و الحكم الإلهي لا بحكم نفسه، فان تعليل عمله بحكم نفسه غير مناسب كما لا يخفى، فلا بدّ ان يحمل لا ضرر اما على النهي الإلهي أو نفي التشريع الضرري.

لكنك غفلت عن ممنوعية هذا الظهور و ان الظاهر خلافه، لأن المقام لما كان مقام عرض الرعية شكواه إلى السلطان لا السؤال عن الحكم الشرعي كان قوله فاقلعها و ارم بها إليه، حكما سياسيا تأديبيا صادرا منه بما انه سلطان؛ علل بالحكم السياسي الكلي أي ان الضرر و الضرار لا بد و ان لا يكون في حمى سلطاني و حوزة حكومتي، و لما كان سمرة مضارا و متخلفا عن حكم السلطان فاقلع نخلته و ارم بها إليه، و هذا أنسب من تعليل القلع بالنهي الشرعي أو رفع الحكم الضرري، لعدم التناسب حینئذ بين العلة و المعلول‌ أبدا. فهذا التعليل مما يؤيد ما ذكرنا و يبعد محتملات القوم، فان تعليل حكمه بالقلع بان الشارع لم يشرع حكما ضرريا أو انه تعالى نهى عن الضرر و الضرار مع ان نفس القلع ضرر و الحكم به ضرري تعليل باطل يحتاج إلى التأويل . إلی أن قال:

«و مما يؤيد ما ذكرنا قوله في رواية ابن مسكان عن زرارة انك رجل مضار و لا ضرر و لا ضرار على مؤمن، فان التقييد بقوله على مؤمن، مما يوجب الظهور في النهي، و هي و ان كانت مرسلة لكن ملاحظة مضمونها و موافقتها لموثقة زرارة ربما توجب الوثوق بصدورها و لا أقل من صلاحيتها للتأييد لما قلنا في مقابل قول الشيخ و بعض الفحول، و بضميمة قرينة الصدر و المورد يؤكد كون النهي مولويا سلطانيا[1] ».

أقول: إن الحکم الحکومتی و السلطانی مقطعی غالبا لا دائمی مع أن الإستناد بالحدیث فی کثیر من الموارد من زمن صدور الحدیث إلی زماننا هذا طوال أکثر من ألف سنة؛ یشهد بأنها حکم شرعی دائمی[2] .

ثم إن من جملة التنبیهات التی ذکرها الأستاذ الخمینی ما ذکره ذیل التنبيه الثالث و هو ان مقتضى ما ذكره في معنى الحديث هو ممنوعية الضرر و الضرار على الناس أو على المؤمن و اما لزوم تحمل الضرر عن الغير أو دفعه عنه فأجنبي عن مفاده، فلو توجه ضرر إلى الغير لا يجب دفعه عنه و لا يجب تحمل الضرر لئلا يتوجه إلى غيره، فلو توجه السيل إلى دار الغير لا يجب عليه دفعه و لا توجيهه إلى داره لئلا يتضرر جاره، و لو توجه إلى داره يجوز دفعه عنها و ان توجه بنفسه إلى دار الغير و لا يجوز دفعه إلى دار الغير و توجيهه إليها لكونه إضرارا عليه، كل ذلك واضح لأن الممنوع هو الإضرار بالغير مباشرة أو تسبيبا لا تحمل الضرر عنه أو وجوب الدفع عنه.

ثم طرح الأستاذ الخمینی سؤالا و هو أنه إذا أكره على الإضرار بالغير فهل يجوز له ذلك ؟

و أجاب عنه بأن مقتضى حديث الرفع الجواز و عدم وجوب التقاعد عنه و تحمل الضرر عن المكره إما لحكومة حديث الرفع على دليله بناء على كونه نهيا شرعا بل و بناء على ما ذكرنا من كونه نهيا سلطانيا لحكومته عليه أو على دليل وجوب اتباع السلطان و هو قوله تعالى «أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم»

و إما لدعوى انصراف دليل منع الإضرار عن مثل المقام مما توجه الضرر إلى الغير من قبل المكره بالكسر و يكون المكره بالفتح غير ضار عرفا كالمتولي عن الجائر لكن يجب ان يعلم ان حديث الرفع و غيره مما له حكومة على الأدلة الأولية لا يمكن ان يعمل على حكومته و الجمود عليها في جميع الموارد، فرب مورد يتحقق الإكراه بأول وجوده بحيث لو أوجد معه طلاقا أو عتاقا يحكم بالبطلان و لكن لا يمكن رفع اليد معه عن الأدلة الأولية فيما إذا أحرز المقتضى فيه مع أهميته، كما لو أكره على هدم الكعبة و قبر النبي و الأئمة عليه و عليهم الصلاة و السلام أو على إحراق المصحف أو على رد القرآن أو تأويله بما يقع الناس به في الضلالة أو على إبطال حجج اللَّه أو على بعض القبائح العقلية و الموبقات الشرعية، و لو أوعده بما لو أو عده به في ترك طلاق امرأته أو عتق عبده أو بيع داره فأوقعها تقع باطلة كالإيعاد على الشتم و الهتك و الضرب و أخذ عشرة دنانير، فان الإيعاد بما ذكر مما يدخل الطلاق و مثله في موضوع الإكراه و يرفع حكمه. فهل يمكن الالتزام بمجرد هذا الإيعاد بجواز ما ذكر من المهمات و الموبقات، بل في بعض الموارد لا يمكن الالتزام بالجواز مع الإيعاد بالقتل أيضا و ان ورد ان التقية في كل شي‌ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله اللَّه، فلو امر الوالي المتولي من قبله بهتك حرمات الناس و ضربهم و شتمهم و سبي نسائهم و هدم بيوتهم و نهب أموالهم، و أوعده بما يتحقق به أول مصداق من الإكراه فلا يمكن ان يلتزم بجوازه لدليل الرفع، فلا يبعد الالتزام بالفرق بين الأحكام الوضعيّة فيقال برفعها بمجرد الإكراه و بين الأحكام التكليفيّة فيفصل بين مهماتها و غيرها[3] .

و الحمد لله

 


[1] الرسائل، الإمام الخمینی، ج1، ص59.
[2] لایخفی علیک عدم ورود إشکال أستاذنا الکریم علی رأی أستاذه الخمینی؛ حیث أن مقطعیة الحکم السلطانی فی أغلب الموارد لایمنع من دخول «لاضرر و لاضرار» فی الأحکام السلطانیة. هذا مضافا إلی تصریح الإمام الخمینی بأن حکم النبی صلی الله علیه و آله علی الأولین حکمه علی الآخرین بمقتضی الأخبار. (المقرر).
[3] الرسائل، الإمام الخمینی، ج1، ص65.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo