< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه): ((العشرون: يكره لرب المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة والمندوبة نعم لو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد كان المالك أحق به من غيره ولا كراهة ، وكذا لو كان جزءا من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير فإنه تزول الكراهة حينئذ أيضا، كما أنه لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث وشبهه من المملكات القهرية))[1] .

ذكر الماتن (قدس الله نفسه) هذين الفرعين وفي هذه المسالة روايات كثيرة وتقسم هذه الروايات الى ثلاث طوائف:-

الطائفة الاولى:- وهي تدل على انه لا يجوز للمتصدق ان يسترد صدقته من الفقير او غيره مجاناً ، وذكرنا بعض هذه الروايات , وهي واضحة الدلالة على ذلك ، ومقتضى اطلاق هذه الروايات عدم الفرق بين الصدقة الواجبة كالزكاة وبين الصدقة المستحبة , ولكن عدم الجواز شريطة ان تكون الصدقة لله فلا يجوز ارجاعها واستردادها , واذا لم تكن لله فلا مانع من ارجاعها.

اذن مورد هذه الروايات هو الصدقة الواجبة والمستحبة التي تكون لله فهذه الروايات تنص على عدم جواز استردادها.

الطائفة الثانية:- وتدل على عدم جواز استردادها مجانا ولا بشراء ولا بالهبة ، فكما لا يجوز استردادها مجانا لا يجوز استردادها بالشراء من المتصدق عليه ولا بالهبة ، وتدل على ذلك جملة من الروايات:-

الرواية الاولى:- صحيحة منصور بن حازم ((قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا تصدق الرجل بصدقة لم يحل له أن يشتريها ولا يستوهبها ولا يستردها إلا في ميراث))[2] .

فان المستثنى هو الميراث فقط ، فان الميراث انتقاله قهري.

الرواية الثانية:- صحيحة منصور بن حازم ، ((عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا تصدقت بصدقة لم ترجع إليك ولم تشترها إلا أن تورث))[3] .

فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة بانه اذا تصدق بصدقة لم يشريها ولم تستردها الا الارث.

وغيرها من الروايات.

الطائفة الثالثة:- تدل على جواز استردادها بالشراء ومن هذه الروايات:-

الرواية الاولى:- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ((قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يتصدق على ولده وهم صغار بالجارية ، ثم تعجبه الجارية وهم صغار في عياله أترى أن يصيبها أو يقومها قيمة عدل ويشهد بثمنها عليه أم يدع ذلك كله ولا يعرض لشيء منها ؟ قال : يقومها قيمة عدل ويحتسب بثمنها لهم على نفسه ويمسها))[4] .

فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة على انه يجوز للمتصدق ان يشتري الصدقة لنفسه.

الرواية الثانية:- رواية عبد الرحمن بن الحجاج ، عن محمد بن خالد ، ((أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصدقة ؟ فقال : إن ذلك لا يقبل منك ، فقال : إني أحمل ذلك في مالي ، فقال له أبو عبدالله (عليه السلام) : مر مصدقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء ، ولا يجمع بين المتفرق ، ولا يفرق بين المجتمع ، وإذا دخل المال فليقسم الغنم نصفين ثم يخير صاحبها أي القسمين شاء ، فاذا اختار فليدفعه إليه فان تتبعت نفس صاحب الغنم من النصف الاخر منها شاة أو شاتين أو ثلاثا فليدفعها إليه ، ثم ليأخذ صدقته ، فاذا أخرجها فليقسمها فيمن يريد ، فاذا قامت على ثمن فان أرادها صاحبها فهو أحق بها ، وإن لم يردها فليبعها))[5] .

فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة على ان صاحب الصدقة احق بالشراء من غيره.

اذن تقع المعارضة بين الطائفة الثانية والطائفة الثالثة ، اما الطائفة الاولى فلا معارض لها وحيث ان الجمع الدلالي العرفي بينهما ممكن فان النهي في الطائفة الثانية اذا كان مولويا فهو ظاهر في الحرمة وفي عدم الجواز واما الطائفة الثالثة فهي ناصة في الجواز فلابد من حمل الظاهر على النص , وهو من احد موارد الجمع الدلالي العرفي فنرفع اليد عن ظهور النهي في الطائفة الثانية ونحمله على الكراهة بقرينة الطائفة الثالثة التي هي نص في جواز شراء الصدقة.

اذن لا تعارض بينهما فالتعارض بينهما غير مستقر ويرتفع بالجمع الدلالي العرفي بينهما.

قد يقال:- ــ كما قيل ــ ان الطائفة الثانية مفادها عدم جواز شراء الصدقة الموقوفة او عدم جواز شراء الصدقة التي خصص منافعها في مورد خاص مثل صرف منافعها على الفقراء او على المرضى وما شاكل ذلك ففي مثل ذلك لا يجوز شراء الصدقة لأنها وقف , وشراء الوقف غير جائز ، اذن لابد من حمل الحرمة على ذلك ، اما اذا لم تكن الصدقة موقوفة ولا منافعها فلا مانع من شرائها غاية الامر ان شرائها مكروه لا انه حرام.

قلت:- هذا التوجيه بعيد جدا ولا قرينة عليه فان الوارد في الرواية شراء الصدقة لا الصدقة الموقوفة عينها او منافعها ، فهذا التقييد بحاجة الى قرينة وهي غير موجودة لا في الروايات ولا في الخارج.

وقد يقال:- ان شراء الصدقة او اخذها بالهبة لو كان محرما لشتهر بين الاصحاب لكثرة الابتلاء بالصدقة ، مضافا الى ان الاجماع من الاصحاب على جواز شراء الصدقة ولكنه مكروه لا انه محرم.

واقول:- انه لا يمكن المساعدة على ذلك.

اولاً:- ان الاجماع لا يكون حجة حتى يصلح ان يكون قرينة على رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة وحمله على الكراهة.

ثانياً:- واما ما ذكره من انه لو كان الشراء محرما لشتهر بين الاصحاب لكثرة الابتلاء به فان الظاهر ان الامر ليس كذلك فان شراء الصدقة نادر ، نعم نفس الصدقة امر متعارف وكثير ومحل للبتلاء ، اما شراء المتصدق الصدقة من المتصدق عليه فهو نادر وليس بكثير بحيث لو كان حراما لشتهر بين الناس وبين الفقهاء.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo