< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- وقـت الاخـراج.

تحصل مما ذكرنا ان المالك اذا قصّر في حفظ الزكاة فهو ضامن لها من جهة افراطه في حفظها ، فاذا قصّر في حفظ الزكاة ثم اتلف الزكاة متلفٌ فالضمان عليهما معا ، فما الضمان على المالك فهو من جهة تقصيره في حفظها ، واما الضمان على المتلف فمن جهة انه اتلف مال الغير ومن اتلف مال الغير فهو له ضامن ، وفي هذا الحال يرجع الحاكم الشرعي الى المالك او الى المتلف ، فان رجع الحاكم الشرعي الى المالك واخذ الزكاة من المالك باعتبار انه قصّر في حفظ الزكاة فيجوز حينئذ للمالك ان يرجع الى المتلف باعتبار ان الضمان مستقر على المتلف كما هو الحال في تعاقب الايدي فان الضمان مستقر في الضامن الاخير ، واما اذا رجع الحاكم الشرعي الى المتلف فالمتلف لا يرجع الى المالك باعتبار ان الضمان مستقر على المتلف دون المالك كما هو الحال في جميع مسائل تعاقب الايدي.

ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه): (((مسألة 4): لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصح، فلو قدمها كان المال باقيا على ملكه مع بقاء عينه، ويضمن تلفه القابض إن علم بالحال ، وللمالك احتسابه جديدا مع بقائه أو احتساب عوضه مع ضمانه ، وبقاء فقر القابض، وله العدول عنه إلى غيره))[1] .

ويقع الكلام في مقامين:-

المقام الاول:- في مقتضى القاعدة.

المقام الثاني:- في مقتضى الروايات الواردة في المسالة.

اما الكلام في المقام الاول فلا شبهة في ان مقتضى القاعدة عدم جواز اعطاء الزكاة قبل وقتها لأنها قبل وقتها ليست بزكاة ، كما اذا اعطى الحنطة قبل انعقاد الحبة فان الزكاة انما تتعلق اذا انعقدت الحبة في الغلات الاربعة وقبل انعقاد الحبة فلا زكاة حتى يقوم المالك بدفعها وبإعطائها للفقير ، وكذا فيما يعتبر في تعلق الزكاة الحول كما في النقدين والانعام الثلاثة مثلا اذا كان عنده اربعين شاة فطالما ما لم تمر عليه سنة ولم يدخل الشهر الثاني عشر فلا زكاة ولا معنى لإعطاء شاة قبل حلول وقت الزكاة بعنوان الزكاة فانه لا زكاة حتى يقول المالك بدفعها.

واما الكلام المقام الثاني فان الروايات في المسالة مختلفة وعمدت هذه الروايات طائفتان:-

الطائفة الاولى:- تنص على عدم جواز اخراج الزكاة قبل وقتها وقبل حلولها.

الطائفة الثانية:- تدل على جواز تقديم الزكاة قبل شهر او شهرين او ثلاثة اشهر او خمسة اشهر.

نعم هنا طائفة ثالثة من الروايات وهي تدل على انه يجوز اعطاء الفقير بعنوان القرض ثم يحتسب ذلك القرض زكاة في وقت حلول الزكاة.

ولكن هذه الروايات:-

اولاً:- اكثرها لو لم يكن جميعها ضعيفة من ناحية السند.

ثانياً:- هي ضعيفة من ناحية الدلالة.

الوجه في ضعفها من ناحية الدلالة:-

الوجه الاول:- ان اعطاء القرض لا مانع منه سواء كان للفقير او للغني ، فاذا كان هو اعطاء القرض فلا معنى لتحديد القرض بمدة مثل شهر او شهرين او ثلاثة بل يجوز ان يعطي الفقير القرض قبل سنة فلا معنى للتحديد بقبل شهر او شهرين.

الوجه الثاني:- ان حمل اعطاء الزكاة على اعطاء القرض بحاجة الى قرينة ولا قرينة على ذلك بان المراد من القرض هو الزكاة. وكيفما كان فهذه الروايات اجنبية عن المقام.

روايات الطائفة الاولى:-

الرواية الاولى:- صحيحة محمّد الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يفيد المال "قال : لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول))[2] .

فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة على النهي عن الزكاة والنهي ارشاد الى عدم الزكاة قبل حلول الحول وليس نهيا مولويا تكليفيا بل هو نهي ارشادي.

الرواية الثانية:- صحيحة عمر بن يزيد، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يكون عنده المال ، أيزكّيه إذا مضى نصف السنة ؟ "فقال : لا ، ولكن حتّى يحول عليه الحول ويحلّ عليه ، إنّه ليس لأحد أن يصلِّي صلاة إلاّ لوقتها، وكذلك الزكاة، ولا يصوم أحد شهر رمضان إلاّ في شهره إلاّ قضاءً، وكلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت))[3] .

فان هذه الصحيحة اوضح من الاولى فان للزكاة وقت فلا يجوز دفعها واعطائها قبل وقتها ، نظير الصلاة فانه للصلاة وقت فلا يجوز الاتيان بالصلاة قبل وقتها وللصوم وقت فلا يجوز الاتيان به قبل وقته ، وهذه الرواية ايضا مفادها الارشاد الى ان الصلاة قبل الوقت باطلة وليست بصلاة وكذا الصوم في غير وقته باطل وليس بصوم وكذا الزكاة ايضا.

اذن كل واجب اذا كان موقتا فلابد من الاتيان به في وقته ولا يجوز الاتيان به قبل دخول وقته فانه ليس بواجب ، اذن هذه الصحيحة ايضا مفادها الارشاد الى عدم الصحة بعنوان الزكاة قبل حلول الحول عليه .

الرواية الثالثة:- صحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : أيزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة ؟ قال : لا ، تصلى الاولى قبل الزوال))[4] .

وهذه الصحيحة مثل الصحيحة الاولى ، فكما ان الصلاة قبل الزوال غير مشروعة وباطلة وفاسدة كذا الزكاة قبل وقتها فاسدة وباطلة وليست بزكاة.

ويوجد غيرها من الروايات في باب زكاة النقدين وفي باب زكاة الانعام الدالة على عدم جواز اعطاء الزكاة قبل الحول فهي روايات كثيرة لا يبعد بلوغها حد التواتر الاجمالي.

روايات الطائفة الثانية:-

الرواية الاولى:- صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام): أ نّه سأله عن رجل حال عليه الحول وحلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه وقد أتى لنصف ماله سنة وللنصف الآخر ستّة أشهر "قال : يزكّي الذي مرّت عليه سنة ويدع الآخر حتّى تمرّ عليه سنة" قلت : فإنّه اشتهى أن يزكّي ذلك "قال : ما أحسن ذلك))[5] .

فان هذه الصحيحة تدل على جواز التقدم وان هذا الامر امرٌ حسن.

الرواية الثانية:- معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت له : الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان ، فيؤخرها إلى المحرم ؟ قال : لا بأس ، قال : قلت : فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم ، فيعجلها في شهر رمضان ؟ قال : لا بأس))[6] .

فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة وصريحة في جواز تعجيل الزكاة قبل حلول وقتها ، فان حلول وقتها في محرم ويجوز دفع الزكاة والتعجيل في شهر رمضان ، اذن هذه الصحيحة ناصة في جواز التعجيل.

الرواية الثالثة:- صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) "قال : لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين))[7] .

فان هذه الصحيحة ايضا واضحة الدلالة وناصةٌ في جواز التعجيل والتقديم قبل دخول الوقت.

اذن هذه الطائفة تعارض الطائفة الاولى.

ولكن قد يقال:-

اولاً:- ان الطائفة الثانية قد اعرض الاصحاب عنها واعرض المشهور عنها فان المشهور قد عملوا بالطائفة الاولى واعرضوا عن الطائفة الثانية واعراض المشهور موجب لسقوط هذه الطائفة عن الاعتبار وعن الحجية.

وجوابه:- ان هذا غير صحيح فان المشهور بين الاصحاب وان كان العمل بالطائفة الاولى لأنهم لم يجوزوا تقديم الزكاة على وقتها ، ولكن اعراض المشهور لا يوجب سقوط الرواية عن الحجية فان الرواية المخالفة للإجماع تكون حجة فضلا عن الرواية المخالفة للمشهور فلا اشكال في حجية هذه الطائفة.

ثانياً:- ان الطائفة الثانية موافقة للعامة والطائفة الاولى مخالفة للعامة ومخالفة العامة من احدى المرجحات في باب التعارض ، فحينئذ لابد من تقديم الطائفة الاولى على الطائفة الثانية من جهة ان الطائفة الثانية موافقة للعامة اما الطائفة الاولى فمخالفة للعامة.

وجوابه:- هذا البيان ايضا غير صحيح فان مخالفة العامة انما تكون مرجحة اذا كانت مخالفة لمذهب العامة وموافقة العامة سبب لحمل الرواية على التقية اذا كانت موافقة لمذهب العامة ، وفي المقام ان الطائفة الثانية موافقة للمشهور بين العامة لا لمذهب العامة ، وكذا الطائفة الاولى مخالفة للمشهور بين العامة لا مخالفة لمذهب العامة فمن اجل ذلك لا يوجب تقديم الطائفة الاولى على الطائفة الثانية لان مخالفة مشهور العامة ليست من مرجحات باب التعارض.

بقي شيء نتكلم فيه ان شاء الله تعالى.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج4، ص149، ط جماعة المدرسين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo