< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قصد القربى والتعيين.

كان كلامنا في التبرع فاذا تبرع شخص بدفع زكاة غيره فهل هذا يجزي او لا يكون مجزيا؟

ذكرنا ان الكلام يقع في جهتين:-

الجهة الاول:- ان صحة التبرع مبني على قول المشهور في باب الزكاة ، فان المشهور قالوا انه يجوز تبديل الزكاة بجنس آخر سواء أكان نقدا ام كان عينا ، والعين من أي صنف كانت فيجوز ان يدفع بدل الحنطة نقدا ويجوز ان يدفع بدل الحنطة شعيرا او تمرا او جنس آخر وهكذا في سائر اصناف الزكاة.

ويمكن للمشهور الاستدلال على ذلك بأحد امرين.

الاول :- ان للمالك ولاية على تبديل عين الزكاة بجنس آخر ويدفع جنس آخر الى مستحقيها بدلا عن الزكاة.

الثاني:- التعدي من مورد بعض الروايات الواردة في تبديل الغلاة الاربعة بالنقدين من الدرهم او الدينار ، وكذا الحال في زكاة النقدين.

ولكن كلا الامرين غير صحيحة.

اما الاول فلم تثبت للمالك ولاية على التبديل ، فان الثابت من ولاية المالك هي ولايته على اخراج الزكاة وتعيينها وصرفها في مواردها كيفما اراد فله ان يدفع الزكاة في بلده وله ان يرسلها الى بلد اخر وله ان يدفع مقدار من الزكاة للفقراء ومقدار من الزكاة لصنف اخر وله ان يدفع الزكاة كلها لصنف للفقير فكل ذلك له ولاية عليه وهي ثابتت بالروايات ، اما الولاية على التبديل فلم يدل عليها أي دليل ، نعم قد ورد في تبديل الزكاة في الغلاة الاربعة بالنقدين فان المالك مخير بين ان يدفع زكاة حنطته من الحنطة او يدفع بدل زكاته من الدرهم او الدينار وكذا الحال في زكاة الشعير والتمر والزبيب وكذا في زكاة النقدين فيجوز ان يدفع زكاة الفضة من الذهب وبالعكس وهذا ثابت بالروايات.

واما الثاني فان التعدي عن مورد هذه الروايات[1] الى سائر الاجناس والى سائر اصناف الزكاة بحاجة الى دليل ولا دليل على ذلك ولا قرينة في هذه الروايات على التعدي ولا قرينة من الخارج فان التعدي خلاف الاصل فهو بحاجة الى دليل ولا دليل في المقام.

فاذا قلنا ان التبديل غير جائز الا في الغلاة الاربعة وفي النقدين والتبديل بخصوص النقدين فقط لا بسائر الاجناس واما بسائر الاجناس غير جائز فاذا تبرع المتبرع بزكاة غيره اذا كانت زكاته في الغلاة الاربعة وتبرع بأحد النقدين اما بالدرهم واما بالدينار فالتبرع لا باس به من هذه الناحية وكذا الحال في زكاة النقدين واما التبرع بجنس اخر غير النقدين فلا يجوز ولا يكفي ولا يجزي.

الجهة الثانية:- فان المعتبر في الزكاة هو قصد القربى فان الزكاة عبادة كسائر العبادات ويعتبر في صحة دفعها واعطائها واداءها قصد القربى بتمام عناصره من الاخلاص وقصد اسم الزكاة وعنوانها الخاص وحيث ان المتبرع لا يقصد بها القربى او لا يتمكن من قصد القربى فمن اجل ذلك التبرع لا يكون مجزيا , فان قصد القربى انما يجب على المالك أي على من يكون مأمورا بأداء الزكاة والمفروض ان المأمور بأداء الزكاة هو المالك فان الامر بدفع الزكاة واداءها متوجها اليه , اذن عليه ان يؤدي الزكاة بقصد القربى غاية الامر سواء اكان أدائه بنحو المباشر ام بالتسبيب أي بالتوكيل باعتبار ان فعل الوكيل فعل الموكل واداء الوكيل اداء الموكل حقيقة فحينئذ يجب قصد القربى على الموكل واما الوكيل فهو اجنبي وكذا الحال في المتبرع فانه ايضا اجنبي ولا يكون مأمورا بقصد القربى ولا اثر لقصد القربى.

ان قلت:- أن التبرع بالزكاة كالتبرع بأداء دين الغير ولا شبهة في انه اذا تبرع زيد بإعطاء دين عمر في الاجزاء وسقوط دين عمر؟

قلت:- هذه الدعوى غير صحيحة فانه يوجد فرق بين الزكاة وبين الدين فان الدين ثابت في الذمة وهو كلي فان ما دفعه المتبرع هو مصداق لهذا الكلي وينطبق عليه هذا الكلي قهرا , فاذا كان مصداقا للكلي فهو مبرئ للذمة , اما الزكاة فهي متعلقة بالعين اما متعلقة بنفس العين او متعلقة بماليته فمثلا في زكاة الغلاة الاربعة الواجب هو الجامع بين الحنطة وأحد النقدين فهذا هو الواجب على المالك فالمالك مخير بين دفع زكاة الحنطة من الحنطة نفسها او دفع زكاتها من احد النقدين ، اذن الواجب هو الجامع وهو متعلق بماليته بنحو الاشاعة فالفرق بين التبرع بالدين والتبرع بالزكاة من هذه الناحية ، وايضا الفرق بينهما ان التبرع بالدين لا يتوقف على نية القربى واما التبرع بالزكاة فهو يتوقف على نية القربى والا فالتبرع غير صحيح.

ولكن يمكن يقال:- ان المتبرع غير الوكيل فيوجد فرق بين المتبرع وبين الوكيل فان فعل الوكيل فعل الموكل ولا يكون اسناده الى الوكيل حقيقيا فهو حقيقية مستند الى الموكل وكذا قبض الوكيل قبض للموكل حقيقة لا قبض للوكيل وكذا اداء الوكيل , فلاجل ذلك يكون قصد القربى واجبا على الموكل باعتبار ان الاداء فعل الموكل وليس فعل الوكيل ولهذا لا يجب على الوكيل قصد القربى واما المتبرع فهو فعله وليس فعل مالك الزكاة فان من تبرع عن غيره فالتبرع فعله حقيقة ولا يكون فعل المالك فاذا قصد المتبرع التقرب به باعتبار ان التبرع بدفع زكاة الغير لا شبهة في انه محبوب عند الله باعتبار انه احسان للمؤمن ومحبوب عند الله وقابل للتقرب به فاذا كان محبوبا عند الله وقابل للتقرب به فلا مانع من ان يقصد به التقرب بتمام عناصره فاذا كان قاصدا للتقرب فلا شبهة حينئذ في صحة التبرع فمن هذه الناحية يمكن القول بصحة التبرع في الزكاة شريطة ان ينوي المتبرع قصد القربى بذلك أي بدفع ما يقصد به زكاة غير فاذا نوى قصد القربى كفى ذلك وهو موجب لسقوط الزكاة عن المالك ويكون التبرع صحيحا.

 


[1] - الروايات الواردة الدالة على جواز تبديل الزكاة في الغلاة الاربعة بالنقدين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo