< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- خــتــام.

ذكرنا ان الصبي وإن كان مميزا فلا يجوز تصرفه في ماله بمقتضى اطلاق الروايات إلا ان يكون تصرفه بإذن الولي فحينئذ لا مانع منه.

ولكن قد يقال:- انه يجوز تصرف الصبي المميز مطلقا وان لم يأذن به الولي بمقتضى صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال : اذا أتى على الغلام عشر سنين ، فانّه يجوز له من ماله ما اعتق ، وتصدق على وجه المعروف ، فهو جائز))[1] .

وهذه الصحيحة مطلقة وبإطلاقها تدل على ان الغلام اذا بلغ عشر سنين فيجوز له التصدق والعتق على وجه معروف ، فالصحيحة مطلقة من ناحية الاذن وعدم الاذن ، أي سواء اذن الولي او لم يأذن فمن هذه الناحية مطلقة ، اذن هذه الصحيحة معارضة للروايات التي تنص على انه لا يجوز للصبي وان كان مميزا ان يتصرف في امواله وأنّ تصرفه غير نافذ وانه ممنوع من التصرف ، وكذا الحال في المجنون ، فمن اجل ذلك يشكل عدم جواز تصرف الصبي المميز.

ولكن الظاهر انه لابد من حمل الرواية[2] ، إما على اذن الولي في ذلك او على الصدقة المتعارفة التبرعية لا على الزكاة ، والصدقة المتعارفة التبرعية لا باس بإعطائها من الصبي اذا بلغ عشر سنين وكذا الحال في الوصية التبرعية فلا مانع من ذلك بمقدار معروف لا مطلقا ، لذا في الرواية قيدت الصدقة بانه (على وجه معروف) فيجوز ذلك سواء اذن الولي ام لم يأذن.

ولكن الكلام في التصرفات الشرعية كالبيع والشراء والهبة وبإخراج الزكاة من ماله واعطائها لمستحقيها بقصد القربى ، فان الكلام في هذه التصرفات وفي هذه التصرفات هو ممنوع منها وهي غير نافذة من الصبي المميز وان بلغ عشر سنين.

مضافا الى ان التقييد بعشر سنين وجهه غير معلوم فقد يكون الصبي قد بلغ عشر سنين وهو مميز وقد يكون قبل بلوغه عشر سنين مميزا وقد يكون في عشر سنين غير مميز ، فالتقييد بعشر سنين في نفسه وجهه غير معلوم وما هو خصوصية هذا التقييد مع انه قد يبلغ الصبي عشر سنين ولا يكون مميزا وقد يكون مميزا دون العشر سنين ، اذن الاخذ بظاهر هذه الرواية مشكل ، فهذه الرواية لا تدل على جواز تصرف الصبي وأنّ تصرفه نافذ في الامور الشرعية مثل المعاملات واداء الزكاة واخراجها بقصد القربى وما شاكل ذلك. اذن لا يمكن الاخذ بهذه الرواية.

الفرع الثاني:- فيه جهات من البحث.

الجهة الاولى:- ان ولي الصبي او ولي المجنون كالأب والجد من قبل الاب او الحاكم الشرعي اذا لم يكن له ابٌ او جدٌ من قبل الاب فالولي هو الحاكم الشرعي ، فان الولي مستقل في تصرفه في مال الصبي وفي مال المجنون وليس تصرفه من باب النيابة والوكالة كما ذكره الماتن (رحمه الله) ((وليس من باب النيابة عن الصبي والمجنون))[3] ، ففي الامور الاعتبارية لا فرق بين الوكالة والنيابة كالمعاملات في البيع والشراء والهبة والطلاق والنكاح وما شاكل ذلك فكلاهما[4] ملحوظ بنحو المعنى الحرفي فكما ان الوكيل يعمل بعنوان الوكالة وفعله فعل الموكل كذلك النائب فان بيع النائب بيع المنوب عنه وكذا شراء الوكيل او شراء النائب هو شراء المنوب عنه او الموكل ، اذن الوكالة مأخوذة بنحو المعنى الحرفي وكذا النيابة في هذه الامور.

نعم النيابة تمتاز عن الوكالة في الامور الخارجية كالعبادات كالصلاة والصيام والحج ونحوها فان النائب عن الميت في صلاته هو مستقل فان الصلاة فعل النائب ولا يأتي بالصلاة بعنوان صلاة المنوب عنه فانها ليست صلاة المنوب عنه هي صلاة النائب غاية الامر ان النائب يأتي بالصلاة بنية القربى بقصد تفريغ ذمة المنوب عنه بهذه الصلاة ، ويأتي بالصوم بنية القربى بقصد تفريغ ذمة المنوب عنه وهو الميت ، وكذا الحال في الحج غاية الامر في الحج تجوز النيابة عن الاحياء اذا كان المنوب عنه عاجزا عن الحج وميئوسا عن تمكنه من الحج الى اخر العمر فانه يجوز له ان يستنيب وهذه النيابة ملحوظة بالمعنى الاسمي والنائب مستقل في عمله في قصد القربى وفي قصد الصلاة غاية الامر يقصد تفريغ ذمة المنوب عنه

واما الولي فليس الامر في الولي كذلك فان الولي يأتي بزكاة الصبي بقصد القربى ويؤدي زكاة الصبي بنية القربى لا بقصد تفريغ ذمة الصبي فانه لا ذمة للصبي وليست ذمته مشغولة بشيء بل لا ذمة للصبي ولا للمجنون فمن هذه الناحية الولي يختلف عن النائب فان النائب وان كان مستقلا في عمله ولكن عليه ان يقصد تفريغ ذمة المنوب عنه اما الولي فهو يأتي بزكاة مال الصبي بنية القربة بتمام عناصرها لا بقصد تفريغ ذمة الصبي وهو المولى عليه لان ذمته غير مشغولة بشيء ولا ذمة له وانما زكاته مستحبة ولهذا لا يجب على الولي ان يقصد تفريغ ذمة المولى عليه هذا هو الفارق بين الولي وبين النائب في الصلاة والزكاة والحج وما شاكل ذلك ، فلهذا يكون الولي مستقل في عمله ويقصد به القربى لان قصد القربى معتبر في اداء الزكاة.

ثم ذكر السيد الماتن (قدس الله نفسه): ((فالمناط فيه اجتهاد الولي أو تقليده ، فلو كان من مذهبه اجتهادا أو تقليدا وجوب إخراجها أو استحبابه ليس للصبي بعد بلوغه معارضته وإن قلد من يقول بعدم الجواز كما أن الحال كذلك في سائر تصرفات الولي في مال الصبي أو نفسه من تزويج ونحوه، فلو باع ماله بالعقد الفارسي أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل الخلافية وكان مذهبه الجواز ليس للصبي بعد بلوغه إفساده بتقليد من لا يرى الصحة))[5] .

اذا كان الولي مجتهدا فيعمل على طبق اجتهاده واذا كان مقلدا فيعمل على طبق تقليده ، أي يعمل في اخذ الزكاة من مال الصبي واخراجها واعطائها لمستحقيها على طبق اجتهاده او طبق تقليده كما اذا كان اجتهاده ان مال الصبي متعلق بالزكاة او قلد شخصا يرى ان مال الصبي متعلق بالزكاة وكذا مال المجنون فحينئذ يقوم بإخراج الزكاة من مال الصبي ويعطيها بنية القربى الى مستحقيها على طبق اجتهاده او تقليده.

الجهة الثانية:- ما ذكره السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) على ما في تقرير بحثه من انه لا دليل على تكليف الولي بإخراج زكاة مال الصبي واخراج مال المجنون ، والروايات الواردة في المقام مفادها تعلق الزكاة بمال الصبي وتعلق الزكاة بمال المجنون ولا تدل على ان الولي مكلف بإخراج الزكاة من مال الصبي واعطائها الى مستحقيها بنية القربى ، اذن لا دليل على ان الولي مكلف بإخراج الزكاة من مال الصبي ومن مال المجنون واعطائها لمستحقيها بقصد القربى ، ولكن حيث انه ولي على الصبي وولي على المجنون فعليه ان يتصرف في امواله نيابة عنه (أي نيابة عن الصبي ونيابة عن المجنون) باعتبار انه ولي لابد ان يتصرف في امواله على طبق مصلحة الصبي ومصلحة المجنون فحينئذ يكون تصرف الولي بإخراج زكاة مال الصبي او المجنون واعطائها الى مستحقيها من باب النيابة وانه نائب عن الصبي او المجنون ، هكذا ذكر السيد الاستاذ (قدس الله نفسه).

ولكن الظاهر ان ما ذكره السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) غير تام.

اولاً:- فلان الولي لا يمكن ان يكون نائبا عن الصبي او المجنون لان النيابة بحاجة الى دليل ولا دليل على ذلك وانما الثابت ان للولي ولاية على الصبي وولاية على المجنون وتصرفه في امواله من باب الولاية لا من باب النيابة ولم يرد في شيء من الروايات النيابة بل الوارد هو تعلق الزكاة بمال الصبي وبمال المجنون وحيث ان الولي له الولاية على الصبي فعلى الولي ان يتصرف في مال الصبي على طبق مصلحته فاذا كان مصلحة في اخراج الزكاة من ماله واعطائها لمستحقيها بنية القربى فيكون هذا التصرف من باب الولاية واذا كان من باب الولاية فهو لا يحتاج الى دليل فان دليل الولاية يكفي في جواز هذا التصرف ولا يحتاج الى دليل اخر.

ثانياً:- ان الروايات الواردة في المقام وان كان جملة منها تدل على تعلق الزكاة بمال الصبي والمجنون الا انه ورد في بعضها أنّ على الولي ان يزكي مال الصبي او المجنون وهذا الخطاب موجه الى الولي فما ذكره (قدس الله نفسه) من انه لا دليل على ذلك غير تام والامر ليس كذلك فان في بعض هذه الروايات الخطاب موجه الى الولي ، اذن على الولي ان يقوم بإخراج زكاة مال الصبي او المجنون بمقتضى هذه الروايات.

الجهة الثالثة:- ذكر الماتن (قدس الله نفسه): ((ليس للصبي بعد بلوغه معارضته وإن قلد من يقول بعدم الجواز كما أن الحال كذلك في سائر تصرفات الولي في مال الصبي أو نفسه من تزويج ونحوه، فلو باع ماله بالعقد الفارسي أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل الخلافية وكان مذهبه الجواز ليس للصبي بعد بلوغه إفساده بتقليد من لا يرى الصحة))[6] .

هل الولي ضامن لما اعطاه من مال الصبي او المجنون بعنوان الزكاة اذا بلغ الصبي وقلد شخصا لا يرى تعلق الزكاة بمال الصبي او المجنون فهل الولي ضامن اولا يكون ضامنا؟


[2] صحيحة زرارة المتقدمة.
[4] الوكالة والنيابة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo