< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/07/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجري
الكلام في الفرض الثالث وهو ما اذا كان موضوع حق الطاعة مركبا من الواقع واحرازه سواء أ كان احرازه بمنجز عقلي كالقطع او شرعي كالأمارات الشرعية، وعلى هذا الفرض لا يكون حق الطاعة ثابتا في موارد التجري، بينما هو ثابت في موارد العصيان فقط، وذكرنا ان هذا الفرض لا يمكن المساعدة عليه، فان الواقع بما هو لا يمكن ان يكون مؤثرا في هذا الحق، فان هذا الحق متقوم بإحراز التكليف سواء أ كان احرازه بمنجز عقلي او شرعي، واما الواقع بوجوده الواقعي فلا دخل ولا تأثير له في هذا الحق ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ان هذا الفرض صحيح، فهل يمكن الحكم باستحقاق المتجري العقاب مع ان حق الطاعة لم يثبت في موارده او لا يمكن ذلك ؟ فان الثابت هو حق الطاعة الخيالية واما حق الطاعة واقعا فهو غير ثابت من جهة عدم ثبوت موضوعه المركب من الواقع واحرازه، فاذا فرضنا ان المكلف قطع بحرمة شيء كحرمة شرب هذا المائع وكان قطعه غير مطابق للواقع ففي هذا المورد ليس للمولى حق الطاعة على العبد، فان حق الطاعة للمولى على العبد انما هو ثابت في موارد العصيان فقط أي في موارد كون القطع مطابقا للواقع واما اذا كان مخالفا للواقع فلم يثبت هذا الحق ولكن القاطع يرى ثبوت هذا الحق، فإذن هذا الحق ثابتا باعتقاد القاطع وتخيله لا في الواقع وان تفويته ظلم باعتقاد القاطع وليس بظلم واقعا، فهل يستحق العقوبة على تفويت الحق الاعتقادي اذا لم يكن ثابتا في الواقع او لا يستحق العقوبة عليه وانما يستحق الذم عند العقلاء لا العقوبة عند الشارع وانما اقدامه على ارتكاب هذا الفعل يكشف عن عدم مبالاته بالدين وانه رجل خبيث ؟
فيه قولان :
ذهب بعض المحققين (قده) الى القول الاول، وانه لا فرق في استحقاق العقوبة بين مخالفة الحق الواقعي ومخالفة الحق الاعتقادي التخيّلي وان لم يكن في الواقع حق، فكما ان تفويت الحق الواقعي ظلم بل من أظهر افراد الظلم والعقل مستقل باستحقاقه للعقوبة والادانة لان الموضوع لحكم العقل بالعقوبة والادانة انما هو الظلم، فكذلك تفويت الحق الاعتقادي التخيّلي بنظر القاطع، فاذا كان ظلما كان العقل مستقلا باستحقاقه العقوبة، فهو مستحق للذم عند العقلاء ومستحق للعقوبة عند الشارع وان لم يفوت حق الشارع في الواقع أي وان لم يكن ظالما واقعا وانما هو ظالما تخيّلا واعتقادا وهذا نظير ما اذا قطع زيد بان عمرو مولاه وانه عبده وتجب عليه اطاعته وتحرم عليه مخالفته، فان اطاعته عدل ومخالفته ظلم وموجب لاستحقاق العقوبة، فعندئذٍ اذا خالف زيد اوامر عمرو ونواهيه يصدق عليه انه تمرد على مولاه وطغى وخرج عن آداب العبودية وفوّت حقه وهذا ظلم، واذا كان ظلما كان العقل مستقلا باستحقاقه العقوبة والادانة مع انه في الواقع ليس مولى لعمرو وزيد ليس عبدا له في الواقع، فالعقل لا يفرق بين كون الظلم واقعيا وكونه اعتقاديا وتخيّليا، فانه على كلا التقديرين يكون موضوعا لحكم العقل ومنشأ لحكم العقل باستحقاق العقوبة والادانة .
هكذا ذكره بعض المحققين (قده) [1] [2].
ولكن الصحيح هو التفصيل في المقام
فان ملاك استحقاق العقوبة والادانة انما هو في ثبوت حق المولى على العبد في المرتبة السابقة، اذ ثبوت هذا الحق هو المنشأ لاستحقاق العقوبة والادانة وتفويته ظلم وهو موضوع لحكم العقل بالإدانة والعقوبة، واما اذا كان حق الطاعة خياليا فلا يترتب عليه هذا الأثر، وكذا لو كان الظلم ظلما خياليا وفي الواقع ليس هناك ظلم، فالظلم الخيالي والحق الخيالي انما يوجب استحقاق الذم عند العقلاء، وان هذا الرجل اذا اقدم على ارتكاب حرام باعتقاده وهو ليس بحرام في الواقع او ترك واجب باعتقاده وهو ليس بواجب في الواقع فهو مذموم عند العقلاء، واما استحقاق العقوبة عند الشارع ودخوله في النار فملاكه ثبوت الحق واقعا وتفويت هذا الحق من أظهر افراد الظلم وحينئذٍ يستقل العقل باستحقاق الادانة والعقوبة على ذلك، واما اذا كان ثبوت الحق خياليا ولم يكن للمولى حق الطاعة على العبد فبطبيعة الحال لا يكون تفويته ظلما واقعا بل هو ظلم خيالي ولا أثر للظلم الخيالي من هذه الناحية أي بالنسبة الى استحقاق العقوبة عند الشارع .
فالنتيجة ان ثبوت الحق اعتقادا وتخيّلا انما يوجب استحقاق الذم عند العقلاء، وان الاقدام على ذلك يكشف عن عدم مبالاته بالدين، واما استحقاق العقوبة ودخوله في النار فهو بحاجة الى مؤنة اكثر وهو كون الحق ثابتا واقعا وكون تفويته ظلما واقعا.
وعلى هذا فالصحيح في المقام هو التفصيل .
فاذا فرضنا ان موضوع حق الطاعة مركب من الواقع واحرازه فلا يثبت هذا الحق في موارد التجري ولا يستحق المتجري العقوبة وانما يستحق الذم عند العقلاء، وان اقدامه على الفعل الذي يعتقد انه حرام او اقدامه على ترك فعل يعتقد انه واجب مع انه في الواقع ليس بواجب يكشف عن انه رجل مذموم وعدم مبالاته بالدين وخبثه كما ذكره شيخنا الانصاري (قده) [3].
ولكن هذا الفرض غير صحيح
فالنتيجة ان الصحيح من هذه الفروض هو الفرض الثاني، وان احراز التكليف تمام الموضوع لحق الطاعة ولا دخل للواقع فيه اصلا .
فإذن لا يمكن المساعدة على الفرض الاول ولا على الفرض الثالث .
وعلى هذا فلا فرق بين المتجري والعاصي .
ومن هنا يظهر ان ما ذكره شيخنا الانصاري (قده) من ان التجري ليس بقبيح وانما يكشف عن خبث باطن الفاعل وسوء سريرته، لا يمكن المساعدة عليه، اذ قد ظهر مما مر سابقا انه لا شبهة في قبح التجري حتى لو قلنا ان موضوع حق الطاعة مركب من الواقع واحرازه، ولا شبهة في قبح الفعل المتجرى به، كما انه ظهر مما مرّ انه لا وجه لما ذكره المحقق النائيني (قده)[4] من ان التجري قبيح ولكن قبحه فاعلي لا فعلي أي ان الفعل المتجرى به ليس بقبيح والقبيح انما هو الفاعل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo