< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/07/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجري
الوجه الخامس : ما ذكره شيخنا الانصاري (قده)، من ان التجري ليس بقبيح وانما هو كاشف عن خبث باطن المتجري وسوء سريرته وعدم مبالاته بالدين، ومن الواضح ان المولى لا يعاقب الشخص على سوء السريرة وخبث الباطن طالما لم يظهره عملا في الخارج، وانما يعاقب على العمل الخراجي، وذكر (قده) ان العاصي يستحق العقوبة دون المتجري، وقد افاد في وجه ذلك ان العاصي حيث انه ارتكب المحرم فهو قاطع بان هذا المائع خمر ومع ذلك ارتكبه عامدا ملتفتا وهو في الواقع خمر، فمن اجل ذلك يستحق العقوبة، ولا يوجد أي مانع من استحقاقه العقوبة لأنه ارتكب محرما ومبغوضا للمولى عامدا ملتفتا الى ذلك، واما المتجري فهو لا يستحق العقوبة وان كان المقتضي للعقوبة موجود وهو انه ارتكب ما يعتقد بحرمته، فهو يعتقد بان هذا المائع خمر واقدم على ارتكابه فارتكبه ولكن قطعه لم يكن مطابقا للواقع ثم بان انه ليس بخمر بل هو خل او ماء مباح، فعدم مطابقة القطع للواقع يكون مانعا من استحقاقه العقوبة، ولا مانع من ان يكون عدم استحقاقه العقوبة منوطا بأمر خارج عن الاختيار، فان عدم مطابقة قطعه للواقع خارج عن اختياره، فالمتجري لا يستحق العقوبة لوجود المانع، واما العاصي فهو يستحق العقوبة لعدم وجود المانع .
ودعوى انه لا فرق بين العاصي والمتجري غاية الامر ان المتجري لا يكون قطعه مطابقا للواقع والعاصي يكون قطعه مطابقا للواقع، والمطابقة للواقع وعدمها كلاهما خارجان عن اختيار المكلف، فإذن كيف يستحق العاصي العقوبة على مطابقة قطعه للواقع مع انه خارج عن اختياره، فاذا لم يكن المتجري مستحقا للعقوبة من جهة ان قطعه غير مطابق للواقع فالعاصي ايضا لا يستحق العقوبة من جهة ان مطابقة قطعه للواقع غير اختيارية، فلا فرق بين العاصي والمتجري من هذه الناحية .
هذه الدعوى لا اساس لها، وذلك لأن المقتضي للعقوبة موجود في كليهما أي في العاصي والمتجري معا، والمقتضي للعقوبة هو ارتكاب ما اعتقد بانه حرام، غاية الامر ان قطع العاصي مطابق للواقع وان ما ارتكبه حرام واقعا، ومطابقة القطع وان كانت خارجة عن اختيار العاصي الا انها ليست مانعة عن تأثير المقتضي، اذ المقتضي لاستحقاق العقوبة موجود، فاذا كان المقتضي موجودا والمانع مفقودا فالمقتضي يؤثر في المقتضى، أي يصير المقتضي علة تامة حينئذٍ فهو مؤثر، بينما المقتضي لاستحقاق العقوبة في المتجري موجود لأنه ارتكب ما اعتقد انه حرام وهو مقتضٍ لاستحقاق العقوبة، ولكن عدم مطابقة قطعه للواقع مانع عن تأثير هذا المقتضي، فلا يستحق العقوبة لأجل وجود المانع لا لعدم وجود المقتضي، فالمانع عن تأثير المقتضي موجود وهذا هو الفارق بين العاصي وبين المتجري، هذا ما ذكره شيخنا الانصاري (قده) من ان العاصي يستحق العقوبة دون المتجري [1].
والجواب عن ذلك :
ما تقدم من ان التجري في نفسه قبيح وتعدٍ على المولى وهتك لحرمته وهيبته وخروج عن آداب العبودية وعن حدودها وتفويت لحق المولى الذاتي وهو ظلم بل هو من اظهر افارد الظلم فان ارتكاب ما اعتقده حرام ظلم وتفويت لحق المولى، ومن الواضح ان العاصي والمتجري مشتركان في ارتكاب ما يعتقدان انه حرام .
فإذن ملاك استحقاق العقوبة والادانة هو الظلم على المولى الحقيقي، وتقدم ان تمام موضوع استحقاق العقوبة والادانة هو احراز التكليف من دون دخل الواقع فيه، فموضوع استحقاق العقوبة ليس هو الواقع بما هو واقع كما ان موضوعه ليس مركبا من الواقع واحرازه، بل احراز التكليف وتنجزه تمام الموضوع لاستحقاق العقوبة .
فإذن العاصي والمتجري يشتركان في هذه النقطة ولا فرق بينهما فيها .
وقد ذكرنا ان هناك اختلاف بينهما في نقاط لا أثر لها في استحقاق العقوبة كمطابقة القطع للواقع وعدم المطابقة، فانهما امران خارجان عن اختيار المكلف ولا صلة لهما باستحقاق العقوبة والادانة، كما ان ارتكاب الحرام بما هو حرام او ترك الواجب بما هو واجب ليس ملاك لاستحقاق العقوبة وكذا ارتكاب المفسدة بما هو ارتكاب لها،لان ملاك استحقاق العقوبة هو الظلم وتفويت حق المولى الذي هو من اظهر افراد الظلم، وعليه، فلا شبهة في قبح التجري فان معنى التجري هو الظلم ولا شبهة في قبح الظلم فان قبح الظلم امر وجداني يدركه العقل وجدانا، وذكرنا ان الامر الوجداني غير قابل لإقامة البرهان عليه لأنه مدرك مباشرة فلا حاجة الى الواسطة والى البرهان .
ثم انه يظهر من الشيخ عليه الرحمة ان ملاك استحقاق العقوبة ليس هو ارتكاب الحرام الواقعي ولا ترك الواجب الواقعي كما يظهر من بعض الأصوليين، بل ملاك استحقاق العقوبة ارتكاب ما اعتقد بانه حرام او ترك ما اعتقد انه واجب كما صرح به الشيخ (قده)، ان هذا هو المقتضي لاستحقاق العقوبة غاية الامر ان عدم مطابقة القطع للواقع هو المانع من تأثير المقتضي .
ولكن ظهر مما تقدم ان عدم مطابقة القطع للواقع ليس له دخل في تأثير هذا المقتضي فان هذا المقتضي تأثيره بنحو العلة التامة باعتبار انه ظلم وتفويت لحق المولى وهو من أظهر افراد الظلم، وقبح الظلم امر ضروري ووجداني، ونسبة الظلم الى القبح كنسبة العلة التامة الى معلولها .
فالنتيجة ان ما ذكرها الشيخ (قده) من التفصيل بين المتجري والعاصي لا يمكن المساعدة عليه.
الوجه السادس : ما ذكره المحقق النائيني (قده)، من ان قبح التجري فاعلي وليس بفعلي، فان الفعل بعنوانه الاولي مباح فمن اعتقد ان هذا المائع خمر فشربه ثم بان انه ماء مباح فالفعل المتجرى به هو شرب الماء المباح وشرب الماء المباح بعنوانه الاولي ليس بقبيح، وبعنوانه الثانوي وهو تعلق القطع بحرمته، ولكن القطع الذي تعلق بحرمة هذا الفعل ليس عنوانا له بل القطع طريق الى حرمته وليس عنوانا له حتى يكون قبيحا بهذا العنوان، وعليه فالفعل المتجرى به ليس بقبيح لا بعنوانه الاولي ولا بعنوان تعلق القطع بحرمته، ومن اجل ذلك يكون قبح التجري فاعليا لا فعليا[2].
وما افاده (قده) لا يمكن المساعدة عليه، اذ قد ظهر مما ذكرنا ان قبح التجري من جهة انه مصداق للظلم ومصداق لتفويت حق المولى الذي هو من اظهر افراد الظلم، فكيف لا يكون التجري قبيحا، فان الفعل بعنوانه الاولي وان كان مباحا الا انه بعنوانه الثانوي مصداق للظلم على المولى وتفويت لحقه، فمن اجل ذلك يكون قبيحا .
وقد ذكرنا ان الحسن والقبح وان كانا من الامور الواقعية الا ان العقل يدركهما بالوجدان، فان حسن العدل امر وجداني وقبح الظلم امر وجداني، والعقل يدرك قبح الظلم وجدانا، وكل فعل لا يتصف بالحسن او القبح الا بعنوان ثانوي ومن جهة اضافته الى الفاعل والا فالفعل في نفسه لا يتصف بالحسن او القبح، فانهما ليس كالمصلحة والمفسدة، فان المصلحة قائمة بذات الفعل والمفسدة كذلك، واما الحسن والقبح فليس كذلك، فان الفعل انما يتصف بالحسن او القبح من جهة صدوره من الفاعل بعنوان ثانوي، فاذا صدر من الفاعل وانطبق عليه عنوان الظلم فهو قبيح واذا صدر من الفاعل وانطبق عليه عنوان العدل فهو حسن، ومن هنا قلنا ان حسن الشيء عبارة عما ينبغي ان يقع في الخارج وقبح الشيء عبارة عما لا ينبغي ان يقع في الخارج، ويستحق المدح على وقوعه في الخارج او الذم او العقوبة والمثوبة عليه .
فإذن حسن الشيء هو من جهة اضافته الى الفاعل لا في نفسه فالفعل بنفسه وذاته لا يتصف بالحسن او لقبح .
هذا تمام كلامنا في استحقاق المتجري العقوبة وعدم استحقاقه .
والى هنا قد تبين ان المتجري يستحق العقوبة كالعاصي ولا فرق بينهما.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo