< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/11/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أقسام القطع
كان الكلام في الموردين اللذين تظهر الثمرة فيهما بين القول بإمكان اخذ العلم بالحكم في مرحلة الجعل في موضوع نفسه في مرحلة المجعول وبين القول باستحالته وقد كان المورد الاول في مسألة القصر والتمام ومسألة الجهر والاخفات، حيث انه قد ورد في الروايات ان المسافر اذا كان جاهلا بوجوب القصر ولم تقرأ عليه اية التقصير فوظيفته الصلاة تماما فاذا صلى تماما تمت صلاته، فهذه الروايات ظاهرة في ان الصلاة تماما واجبة عليه واقعا وكذلك الحال في الجهر والاخفات فان الصلاة الجهرية في موضع الاخفات للمكلف الجاهل بوجوب الاخفات عليه صحيحة واقعا وكذلك الامر بالعكس، فهذه الروايات تدل على ان الصلاة تماما وظيفة الحاضر ووظيفة المسافر الجاهل بوجوب القصر وهي مخصصة لعمومات أدلة وجوب القصر على المسافر ومقيدة لإطلاقاتها فالروايات المطلقة بعمومها تدل على وجوب القصر على المسافر سواء أ كان عالما بوجوب القصر ام كان جاهلا والروايات التي تنص على وجوب التمام على المسافر اذا كان جاهلا بوجوب القصر تكون مخصصة لتلك الروايات ومقيدة لإطلاقها فان دليل المخصص يقيد موضوع العام بعدم عنوان المخصص او المقيد فهي تدل على وجوب التمام على المسافر اذا كان جاهلا بوجوب القصر وكذلك الحال في الجهر والاخفات فإن الروايات التي تنص على وجوب الجهر في موضع الاخفات للمكلف الجاهل بوجوب الاخفات مخصصة لأدلة وجوب الاخفات لأنها بعمومها تدل على ان الاخفات واجب على المكلف مطلقا سواء أ كان عالما بوجوب الاخفات ام كان جاهلا ولما كانت هذه الروايات تدل على ان وظيفة الجاهل بوجوب الجهر هي الاخفات فهي تقيد اطلاق الروايات الدالة على وجوب الاخفات مطلقا .
والنتيجة ان وظيفة الحاضر مطلقا ووظيفة المسافر الجاهل بوجوب القصر كذلك واقعا من الاول هي الصلاة تماما لأن التخصيص يكشف عن ان المراد الجدي من العام هو الخاص من الاول أي من ابتداء الشريعة لا من حين التخصيص، والمستثنى من هذه الاطلاقات الاولية هو المسافر الذي يكون عالما بوجوب القصر، وكذلك الحال في الجهر والاخفات وقد تقدم تفصيل ذلك ايضا .
واما السيد الاستاذ(قده) فقد حمل هذه الروايات -بعد بنائه على استحالة اخذ العلم بالحكم في مرحلة الجعل في موضوع نفسه في مرحلة المجعول- على ان وجوب التمام على المسافر الجاهل بوجوب القصر لأنه احد فردي الواجب اذ الواجب عليه هو الجامع بين وجوب التمام ووجوب القصر فاذا اتى بأحد فردي الواجب انطبق عليه الجامع الذي هو الواجب ويحكم بصحة عمله كما ان المسافر الجاهل بوجوب القصر لو تمكن من الاتيان بالصلاة قصرا وتمشى منه قصد القربة لا مناص من الحكم بصحتها، فالواجب هو الجامع والحكم بالصحة في هذه الروايات من جهة ان الصلاة تماما من احد فردي الواجب في هذه الحالة، فالواجب على المسافر الجاهل بوجوب القصر هو الجامع بين الصلاة تماما والصلاة قصرا، وقد افاد في وجه ذلك ما اشرنا اليه آنفا من ان التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل التضاد لأن الاطلاق عبارة عن لحاظ عدم القيد لا عدم لحاظ القيد فقط والتقييد عبارة عن لحاظ القيد وبين اللحاظين مضادة ومعنى ذلك ان استحالة احد الضدين تستلزم ضرورة الضد الاخر وفي المقام يستحيل اخذ العلم بالحكم في مرحلة الجعل في موضوع نفسه في مرحلة المجعول كما هو المفروض عنده (قده)، وهذا يعني ان الاطلاق ضروري أي ان الواجب هو المطلق الجامع بين القصر والتمام للمسافر الذي يكون جاهلا بوجوب القصر عليه .
ولكن يرد على هذا البيان :
اولا : ما ذكرناه من امكان هذا التقييد وعدم المحذور فيه لا محذور الدور ولا توقف الشيء على نفسه .
وثانيا : -مع الاغماض عن ذلك- فقد ذكرنا في غير مورد ان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل الايجاب والسلب، فان الاطلاق عبارة عن عدم التقييد لا انه عبارة عن لحاظ عدم القيد، ولهذا لو كان المولى في مقام البيان ولم ينصب قرينة نحكم بالإطلاق فيكون الاطلاق امر عدمي والتقييد امر وجودي والتقابل بينهما من تقابل الايجاب والسلب وتقابل التناقض، ولكن هذا لا يدفع الاشكال لأن استحالة احد النقيضين تستلزم ضرورة النقيض الاخر كما هو الامر في الضدين، وهذا يعني ان استحالة التقييد تستلزم ضرورة الاطلاق في المقام الا ان هذا الاطلاق لا يجدي لأنه لا يكشف عن اطلاق الملاك في مرحلة المبادي واطلاق الحكم في مرحلة الجعل، وانما الكاشف عن اطلاق الملاك في مرحلة المبادي هو الاطلاق الناشئ من عدم تقييد المولى بان يكون المولى في مقام البيان وصدر منه خطاب مطلق وكان بإمكانه تقييد هذا الخطاب بحصة خاصة ولم يقيد، وحينئذ عدم التقييد كاشف عن اطلاق الملاك في مرحلة المبادئ واطلاق الحكم في مرحلة الجعل إذ لو كان الملاك مقيدا وقائما بحصة خاصة من الطبيعي فلا محالة يقيد المولى خطابه الصادر منه بهذه الحصة المشتملة على الملاك واما الاطلاق الناشئ من استحالة التقييد فهو لا يكشف عن اطلاق الملاك في مرحلة المبادئ ولا اطلاق الحكم في مرحلة الجعل إذ من المحتمل ان يكون الملاك مقيدا وقائما بحصة خاصة من الطبيعي ولكن المولى لم يكن قادرا على التقييد لأنه مستحيل، فلا اثر لهذا الاطلاق .
فالنتيجة انه لا يمكن ان يكون الواجب هو الجامع بين الصلاة قصرا والصلاة تماما وعليه يكون الواجب مجملا أي يكون الملاك مجملا ويدور امره بين المطلق والمقيد وكذلك الوجوب في مرحلة الجعل يكون مجملا، ولا بد حينئذ من الاخذ بالمقدار المتيقن، فما ذكره (قده) من ان الواجب هو الجامع بين القصر والتمام لا يمكن اثباته بما ذكره (قده) من ان استحالة التقييد تستلزم ضرورة الاطلاق لأن هذا الاطلاق لا يكشف عن ان الواجب هو المطلق الجامع بين القصر والتمام .
فما ذكره السيد الاستاذ (قده) لا يمكن المساعدة عليه .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo