< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/01/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الامارات مقام القطع
الوجه الثالث : ما ذكره المحقق العراقي(قده) من ان الامارات الشرعية لا تخلو اما ان تكون مطابقة للواقع او لا تكون مطابقة له ولا ثالث في البين لأن ارتفاع النقيضين كاجتماعهما مستحيل، اما الامارات المطابقة للواقع كأخبار الثقة وظواهر الكتاب والسنة فهي امارات واقعية تحكي عن الاحكام الواقعية بما لها من الملاكات والمبادي وهي بيان على تلك الاحكام واقعا ومنجزة لها وموجبة لاستحقاق العقوبة على مخالفتها، واما الامارات التي لا تكون مطابقة للواقع فهي احكام ظاهرية لا واقع موضوعي لها ولا تكون بيان في الواقع .
وعلى هذا فاذا قامت الامارة على وجوب شيء او على حرمة اخر وشككنا انه مطابقة للواقع حتى تكون بيانا رافعا لموضوع القاعدة او لا تكون بيانا للواقع، فإذن تكون الشبهة مصداقية بالنسبة الى القاعدة للشك في تحقق موضوعها، فإن موضوع القاعدة عدم البيان ونشك في تحققه اي ان هذه الامارة بيان او انها ليست بيانا واذا كان الشك في الموضوع فالشبهة مصداقية ولا يجوز التمسك بالقاعدة في الشبهات المصداقية، فإذن لا يمكن التمسك بالقاعدة في الشبهات الحكمية .
هكذا ذكره المحقق العراقي (قده)[1]
وللمناقشة فيه مجال واسع
فإنه ان اراد بان حجية الامارات مشروطة بمطابقتها للواقع فهو غير معقول ولا يمكن ان تكون حجية الامارات مشروطة بمصادفتها ومطابقتها للواقع، اذ لازم ذلك ان احراز حجية الامارة والعلم بها يتوقف على العلم بهذا الشرط وهو العلم بمطابقتها للواقع ومع العلم بمطابقتها للواقع فلا موضوع لجعل الحجية لها اذ لا معنى لجعل الحجية للعالم بالواقع فإنه لغو وجزاف وهو مستحيل من المولى الحكيم، فإن احراز حجية الامارة والعلم بها يتوقف على العلم بموضوعها وهو مطابقتها للواقع فاذا علم المكلف بمطابقتها للواقع فلا مجال لجعل الحجية لأن جعل الحجية للعالم بالواقع لغو وجزاف، والخلاصة ان حجية الامارة لو كانت مشروطة بمطابقتها للواقع فلا يمكن وصول هذه الحجية الى المكلف، فإن وصولها الى المكلف يتوقف على وصول مطابقتها للواقع اليه ومع وصول مطابقتها للواقع لا موضوع لجعل الحجية، فإذن لا يمكن ان تكون حجية الامارة مشروطة بمطابقتها للواقع.
وان اراد(قده) من ان الامارة اذا كانت مطابقة للواقع فهي بيان واذا لم تكن مطابقة للواقع فلا تكون بيانا، فهذا ايضا غير صحيح بل غير معقول، لأن موضوع القاعدة عدم البيان الوجداني، والبيان الوجداني وعدمه لا يتصور فيه الشك اذ لا يتصور الشك في الامور الوجدانية بأن يشك الانسان في انه شاك او لا او يشك في انه عالم بالشيء الفلاني او ليس بعالم فهذا غير متصور، فإنه يرجع الى وجدانه حتى يرى انه شاك في هذا الشيء او غير شاك او جاهل به او انه عالم، ولهذا لا تتصور الشبهة المصداقية في الامور الوجدانية، وحيث ان موضوع القاعدة امر وجداني فلا تتصور الشبهة المصداقية في موضوع القاعدة حتى يقال انه لا يجوز التمسك بها في الشبهة المصداقية، فإن البيان الوجداني وعدم البيان الوجداني لا يتصور فيهما الشك اي لا يتصور ان المكلف يعلم وجدانا او لا يعلم وجدانا .
فإذن الشك في بيانية الامارة اي انها بيان اذا كانت مطابقة للواقع وليست ببيان اذا لم تكن مطابقة للواقع لا يتصور في موضوع القاعدة .
وان اراد (قده) من ان الامارة اذا كانت مطابقة للواقع فهي منجزة للواقع واذا لم تكن مطابقة للواقع فلا تنجز فهو صحيح، فإن الامارة اذا كانت مطابقة للواقع فهي منجزة للواقع وموجبة لاستحقاق العقوبة على مخالفته، وان لم تكن مطابقة للواقع فهي معذرة اذا كانت على خلاف الوجوب كما اذا قامت على اباحة شيء وكان هذا الشيء في الواقع حراما اي ان الله تعالى لا يعاقب على ارتكاب هذا الحرام بعد قيام الامارة على اباحته الا ان هذا الشك لا يرجع الى الشك في تحقق مصداق موضوع القاعدة، لما ذكرنا من ان الشك في موضوع القاعدة غير متصور لأن موضوع القاعدة امر وجداني فلا يتصور فيه الشك ولا الشبهة المصداقية، فإذن الشك انما هو في التنجز، فاذا قامت الامارة على وجوب شيء فيشك في التنجز من جهة الشك في ان الامارة مطابقة للواقع او غير مطابقة فإن كانت مطابقة فهي منجزة وان لم تكن مطابقة فلا تنجز في البين فتكون الامارة معذرة .
فالنتيجة ان ما ذكره المحقق العراقي (قده) لا يرجع الى معنى صحيح .
الوجه الرابع : ان مورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان انما هو الاحكام الالزامية فإن هذه القاعدة تدفع العقاب والعقاب انما هو على مخالفة الاحكام الالزامية، فاذا شككنا في وجوب شيء كما اذا شككنا في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ففي مثل ذلك لا مانع من التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان او اذا شككنا في حرمة شرب التتن مثلا فلا مانع ايضا من التمسك بها، نعم يستثنى من التمسك بها الموارد التي يحرز المكلف ان المولى غير راض بتفويتها حتى اذا كان المكلف جاهلا وشاكا كما في الدماء والاعراض، فاذا دار امر شخص بين ان يجوز قتله وبين شخص انه لا يجوز قتله فلا يجوز قتله حتى اذا كان احتمال انه مؤمن ضعيفا فإن المولى لا يرضى بقتله، وكذا لو شك في ان هذه المرأة اجنبية او انها زوجته فيشك في جواز الاستمتاع بها وعدم الجواز فلا يجوز له حينئذ الاستمتاع ولو كان احتمال انها ليست زوجته ضعيفا، ففي مثل هذه الموارد لا بد من التمسك بقاعدة الاحتياط ولا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان .
هذا بحسب مقام الثبوت .
واما في مقام الاثبات، فإن الاحكام الظاهرية احكام طريقية وشأنها تنجيز الواقع والتعذير وهذه الاحكام الظاهرية لم تنشأ عن الملاكات الواقعية ولهذا ليست بأحكام شرعية واقعية فإن الاحكام الواقعية ناشئة عن ملاكات واقعية وقد ذكرنا ان حقيقة الحكم هي ملاكه فلهذا يترتب على مخالفتها عقوبة وعلى موافقتها مثوبة بينما الاحكام الظاهرية لم تنشأ عن الملاكات والمبادئ الواقعية فلا يترتب على امتثالها مثوبة وعلى مخالفتها عقوبة نعم اذا كانت الاحكام الظاهرية موافقة للأحكام الواقعية يترتب على موافقتها مثوبة، فالمثوبة والعقوبة في الحقيقة تترتب على الاحكام الواقعية، ومن هنا تكون الاحكام الظاهرية في طول الاحكام الواقعية واهتمام المولى بالحفاظ على الاحكام الواقعية بما لها من الملاكات والمبادئ الواقعية يوجب جعل الاحكام الظاهرية، فالأمارات الشرعية والاصول العملية الشرعية احكام ظاهرية .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo