< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/02/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الامارات مقام القطع الموضوعي
المحاولة الخامسة : ما ذكره صاحب الكفاية (قده) في تعليقته على الرسائل وتقريبها : ان دليل حجية الامارة يدل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع وبهذا التنزيل يثبت احد جزئي الموضوع لأن الموضوع مركب من القطع والواقع باعتبار ان القطع طريقي وقد تقدم ان القطع الطريقي لا يمكن ان يكون تمام الموضوع، فبطبيعة الحال يكون جزء الموضوع وجزؤه الاخر هو الواقع، فاذا ورد في الدليل يجب قبول شهادة العادل فعندئذ يكون الموضوع مركب من العدالة الواقعية والعلم بها، فاذا دل دليل حجية الامارة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع فهو يثبت بهذا التنزيل احد جزئي الموضوع وهو العدالة الواقعية وحيث ان الاثر الشرعي لا يترتب على جزء الموضوع فلا بد من الالتزام بتنزيل اخر لئلا يكون التنزيل الاول لغوا وجزافا وهو تنزيل الظن منزلة القطع وبهذا التنزيل يثبت الجزء الاخر للموضوع فيثبت الموضوع بكلا جزئيه غاية الامر تعبدا فالجزء الاول ثابت بالتنزيل الاول والجزء الثاني ثابت بالتنزيل الثاني .
والخلاصة ان دليل حجية الامارة يدل بالمطابقة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع وبه يثبت احد جزئي الموضوع وهو الواقع تعبدا، وحيث ان الاثر الشرعي لا يترتب على هذا التنزيل فيدل دليل الحجية بالالتزام على التنزيل الاخر وهو تنزيل الظن منزلة القطع وبه يثبت الجزء الثاني للموضوع فيثبت الموضوع بكلا جزئيه تعبدا ويترتب عليه اثره .
وعلى هذا، فلا يلزم محذور الجمع بين اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي في دليل واحد في شيء واحد، فإن دليل الحجية يدل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع بالمطابقة وفي هذا التنزيل يكون المؤدى والواقع ملحوظا باللحاظ الاستقلالي بينما يكون الظن والقطع ملحوظا باللحاظ الآلي والتبعي، ودليل الحجية يدل بالدلالة الالتزامية على تنزيل الظن منزلة القطع وفي هذا التنزيل يكون كل من الظن والقطع ملحوظا باللحاظ الاستقلالي .
ثم ذكر صاحب الكفاية (قده) بتعليقته على الرسائل أن منشأ هذه الدلالة الالتزامية هل هو دلالة الاقتضاء أي الحفاظ على ان لا يكون التنزيل الاول لغوا او ان منشئها فهم العرف، وقد ذكر (قده) ان منشأها فهم العرف لا دلالة الاقتضاء، فإن دليل الحجية اذا كان دالا على تنزيل المؤدى منزلة الواقع فالعرف يفهم منه بالالتزام تنزيل الظن منزلة القطع .
هذا ما ذكره (قده) في تعليقته على الرسائل [1].
ثم اشكل على هذا البيان في الكفاية، بأن الموضوع اذا كان مركبا من شيئين كما اذا كان موضوع وجوب التقليد مركب من علم زيد وعدالته، فإما ان يكون كلا الجزئين للموضوع محرزا بالوجدان او يكون احدهما محرز بالوجدان والاخر محرزا بالتعبد، فتارة يكون علم زيد محرز بالوجدان وكذلك عدالته واخرى يكون علمه محرزا بالوجدان وعدالته محرزة بالاستصحاب او بقيام البينة على ان زيد عادل فأحد جزئي الموضوع محرز بالوجدان والجزء الاخر بالتعبد، وثالثة كلا الجزئين محرز بالتعبد أي كما ان عدالته محرزة بالاستصحاب كذلك علمه محرز بالاستصحاب او بالبينة .
اما اذا كان كلا الجزئين محرزا بالوجدان فلا كلام فيه، كما اذا قال المولى اذا قطعت بوجوب الصلاة وجب عليك أكرام عالم، فموضوع وجوب الصلاة القطع بوجوب الصلاة فالقطع جزء الموضوع وجزؤه الاخر وجوب الصلاة فكلا الجزئين محرز بالوجدان اذ ان وجوب الصلاة من الضروريات في الشريعة المقدسة، والقطع به ايضا محرز بالوجدان فيترتب عليه اثره وهو وجوب اكرام عالم .
واخرى يكون احدهما محرز بالوجدان والاخر بالاستصحاب او بالأمارة كما اذا كان القطع محرز بالوجدان ولكن وجوب الصلاة محرز بالأمارة او بالعكس أي القطع ليس محرز بالوجدان بل هو محرز بالتعبد كما اذا ظن بوجوب الصلاة وقام دليل على حجية هذا الظن فهذا الظن قطع تنزيلا، فيترتب على الموضوع المحرز كلا جزئيه بالوجدان والتعبد اثره وهو وجوب الاكرام في المثال .
وثالثة يكون كلا جزئي الموضوع محرزا بالتعبد، فعندئذ شمول الدليل لأحد الجزئين منوط بشمول دليل اخر للجزء الاخر في عرض الدليل الاول، بأن يكون كلا الدليلين يدل على ثبوت كلا الجزئين في عرض واحد ولا يمكن شمول الدليل لأحد الجزئين بدون ان يكون هناك دليل اخر على ثبوت الجزء الاخر لأنه لغو، لأن دليل الحجية انما يشمل شيئا اذا كان ذلك الشيء حكما شرعيا في نفسه او موضوعا لحكم شرعي فإن مدلول دليل الحجية اما ان يكون حكما شرعيا في نفسه او موضوعا لحكم شرعي فاذا كان مدلول دليل الحجية يشمل جزء الموضوع وجزؤه الاخر غير ثابت لا بالوجدان ولا بالتعبد فلا يشمل ذلك الجزء ايضا لأنه لغو أي وان دل دليل الحجية على تنزيل المؤدى منزلة الواقع الا انه طالما لم يكن الجزء الاخر ثابتا في عرض ثبوت الجزء الاول اما بالوجدان او بالتعبد فلا يمكن شمول دليل الحجية لهذا الجزء ولا يمكن ان يدل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع لأنه لغو اذ لا يترتب أي اثر على الواقع طالما لم يثبت جزؤه الاخر لأن الاثر يترتب على ثبوت كلا الجزئين معا، وفي المقام دليل الحجية يدل بالمطابقة على ثبوت الواقع الذي هو احد جزئي الموضوع وليس في عرض هذا الدليل دليل اخر يدل على ثبوت الجزء الاخر وهو القطع التنزيلي، واما الدلالة الالتزامية فهي ليس في عرض الدلالة المطابقية بل هي في طولها .
وعلى هذا، فيلزم ان تكون الدلالة المطابقية متوقفة على الدلالة الالتزامية بأن يدل دليل الحجية بدلالته الالتزامية على ثبوت الجزء الاخر وهو تنزيل الظن منزلة القطع والمفروض ان الادلة الالتزامية تتوقف على الدلالة المطابقية فعندئذ يلزم الدور، فلا يمكن احراز كلا جزئي الموضوع احدهما بالدلالة المطابقية والاخر بالدلالة الالتزامية اذ لازم ذلك ان الدلالة المطابقية تتوقف على الدلالة الالتزامية من جهة اثبات الجزء الاخر للموضوع والمفروض ان الدلالة الالتزامية تتوقف على الدلالة المطابقية، فلا يمكن اثبات كلا جزئي الموضوع بدليل الحجية احدهما بالدلالة المطابقية والاخر بالدلالة الالتزامية .
هكذا ذكره (قده) في الكفاية [2].
ولنا تعليق على ما ذكره في تعليقته على الرسائل، وتعليق على ما ذكر في الكفاية فإن ما ذكره قابل للمناقشة والرد .
اما التعليق على ما في حاشية الرسائل، فلأنه(قده) قد ذكر ان دليل الحجية يدل بالمطابقة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع وبالالتزام على تنزيل الظن منزلة القطع، وقد ذكر ان منشأ هذه الدلالة الالتزامية هو العرف كما هو ظاهر عبارته وقد يكون منشؤها العقل، ولكن كليهما لا يصلح ان يكون منشأ لها .
لأن الدلالة الالتزامية لا يمكن ان تكون جزافا وبلا مبرر، اذ ملاك الدلالة الالتزامية بحاجة الى اللزوم البين بالمعنى الاخص والا فلا يدل اللفظ على المدلول الالتزامي اذ اللفظ انما يدل بالدلالة المطابقية على مدلوله المطابقي واما دلالته الالتزامية على المدلول الالتزامي فتتوقف على الملازمة البينة بالمعنى الاخص بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي.
ومن هنا يسأل عن منشأ هذه الملازمة هل هو العرف او هو العقل ؟
اما العقل فلا يحكم بالملازمة بينهما اذ الملازمة ذاتا بين تنزيل المؤدى منزلة الواقع وتنزيل الظن منزلة القطع غير ثابتة كما هو الحال بالنسبة الى الملازمة بين العلة والمعلول او بين المعلولين لعلة ثالثة او بين وجود الضد وعدم الضد الاخر اذا كانا من الضدين اللذين لا ثالث لهما وهكذا فإن الملازمة بين هذه الموارد ذاتية وعقلية، واما الملازمة بين الدلالة الالتزامية الاولى وبين الدلالة الالتزامية الثانية فليست ذاتية، اذ احداهما ليست معلولة للأخرى ولا كلتيهما معلولة لعلة ثالثة ولا هما من الضدين اللذين لا ثالث لهما فلا يمكن ان يكون منشأ الدلالة الالتزامية بين التنزيلين هو الملازمة العقلية بينهما .


[1] حاشية على فرائد الاصول، المحقق الخراساني، ص9.
[2] كفاية الاصول، المحقق الخراساني، ص264.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo