< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الامارات مقام القطع الموضوعي
اما المقدمة الثانية، فقد ذكر صاحب الكفاية (قده) في هذه المقدمة ان معنى التنزيل هو اسراء الحكم من المنزل عليه الى المنزل، ومعنى ذلك ان الشارع جعل الحكم للمنزل المماثل للحكم المنزل عليه ولهذا يكون التنزيل متقوما باركان ثلاثة :
الركن الاول : المنزل عليه .
الركن الثاني : المنزل .
الركن الثالث : الاثر الشرعي المترتب على المنزل عليه .
فاذا توفرت هذه الاركان الثلاثة تحقق التنزيل، وبانتفاء كل واحد منهما ينتفي التنزيل .
وعلى هذا فلا يمكن احراز الموضوع المركب من جزئين وله حكم واحد اذ الموضوع واحد غاية الامر انه مركب من جزئين فلا يمكن اثبات هذا الموضوع بالتنزيلين الطوليين لأن تنزيل شيء منزلة جزء الموضوع لا يمكن ان يكون تنزيلا مستقلا لعدم ترتب الاثر الشرعي على الجزء، وذكرنا ان ترتب الاثر الشرعي على المنزل عليه من اركان التنزيل وبانتفائه ينتفي التنزيل .
فإذن لا يمكن تنزيل شيء منزلة جزء الموضوع الا ان يكون جزؤه الاخر محرزا اما بالوجدان او بالتعبد في عرض التنزيل الاول، واما اذا لم يكن محرزا لا بالوجدان ولا بالتعبد في عرض التنزيل الاول فلا يمكن تحقق هذا التنزيل لأنه ينتفي بانتفاء ركنه ولا يكفي التنزيل الثاني أي تنزيل الشيء منزلة الجزء الثاني ان يكون في طول التنزيل الاول فلا يمكن اثبات هذا الموضوع بكلا جزئيه بتنزيلين طوليين، بل لا بد من اثباته اما بتنزيل واحد او بتنزيلين في عرض واحد، اذ التنزيلين اذا كان في عرض واحد فهما بمثابة تنزيل واحد .
هكذا ذكره (قده) على تفصيل[1].
وللمناقشة فيه مجال، فأن هذا مبني على مسلكه (قده) من ان حقيقة التنزيل اسراء الحكم من المنزل عليه الى المنزل، يعني جعل الحكم للمنزل المماثل للحكم المنزل عليه فمن اجل ذلك يكون التنزيل متقوما باركان ثلاثة .
لكن الامر ليس كذلك، لأن التنزيل كاشف عن سعة الحكم في الواقع ومقام الثبوت بسعة موضوعه بلحاظ الارادة الجدية، فإن حاله من هذه الناحية كحال سائر القرائن المنفصلة كالمخصص والمقيد والاظهر والنص، كما ان دليل المخصص كاشف عن تقييد موضوع العام في المرتبة السابقة أي في مرتبة الجعل وبلحاظ الارادة الجدية والكاشف متأخر واما المكشوف فمتقدم لأن مرتبة المكشوف هي مرتبة الجعل والارادة الجدية، ودليل المقيد يكشف عن تقييد موضوع المطلق في المرتبة السابقة وهي مرتبة الجعل والارادة الجدية فالكاشف متأخر واما المكشوف فهو في المرتبة السابقة يكشف ان المطلق مقيد بلحاظ الارادة الجدية من الاول لا انه مقيد من حين وصول الدليل المقيد، والخاص يكشف عن ان موضوع العام مقيد من الاول وبلحاظ الارادة الجدية وكذلك الاظهر والنص، غاية الامر ان لسان التنزيل لسان الحكومة واما لسان الخاص فهو لسان التخصيص ولسان المقيد لسان التقييد، فالفرق بين سائر القرائن وبين دليل التنزيل انما هو في صيغة التعبير اذ ان لسان التنزيل لسان الحكومة يكشف عن سعة الحكم بسعة موضوعه، واما الدليل الخاص فهو يكشف عن تقييد موضوع العام في الواقع ومقام الثبوت ودليل المقيد يكشف عن تقييد موضوع المطلق في مقام الثبوت بلحاظ الارادة الجدية كقولنا الطواف في البيت صلاة فان لسانه لسان التنزيل ولسان الحكومة وهو يكشف عن سعة حكم الصلاة بسعة موضوعها وان موضوعه اعم من الصلاة الحقيقية والصلاة التنزيلية كالطواف وان الحكم من الاول مجعول على نحو السعة لا انه مجعول من الآن، فدليل التنزيل كاشف عن سعة الحكم بسعة موضوعه من الاول أي من حين الجعل وبلحاظ الارادة الجدية فالكاشف متأخر والمكشوف متقدم
وعلى هذا فلا مانع من ان يكون احد التنزيلين متقدما على التنزيل الاخر رتبة، بل لا مانع من ان يكون احد التنزيلين متقدما على التنزيل الاخر زمنا فضلا عن الرتبة، لأن كلا من التنزيلين يكشف عن تقييد الموضوع او عن جزء الموضوع في مرتبة الجعل وكلا الجزئين في مرتبة واحدة فالكاشف عنه يختلف، فتارة يكون الكاشف عن احدهما متأخرا عن الكاشف عن الاخر، ويكفي في شمول دليل الحجية لدليل التنزيل كون جزء الموضوع له دخل في فعلية الحكم بفعلية موضوعه، فاذا كان للجزء او القيد دخل في فعلية الحكم بفعلية موضوعه فالدليل الدال عليه مشمول لدليل الحجية، فاذا قامت الامارة على وجوب شيء ودليل الحجية يشمل هذه الامارة وتدل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع ويكفي في شمول دليل الحجية لدليل الامارة كون مؤداه دخيلا في فعلية الوجوب بفعلية موضوعه في الخارج كما هو الحال في سائر الشروط والقيود، فاذا دل الدليل على ان الاستطاعة شرط لوجوب الحج فهو يدل على ان الاستطاعة قيد وشرط لوجوب الحج فهذا القيد لا يترتب عليه الاثر فعلا، ولكن له دخل في فعلية وجوب الحج بفعلية موضوعه في الخارج، ولهذا لا مانع من دلالة الامارة على ان الاستطاعة شرط لوجوب الحج وامارة اخرى تدل على ان البلوغ شرط لوجوب الحج وامارة ثالثة تدل على ان أمن الطريق شرط لوجوب الحج وامارة رابعة تدل على ان العقل شرط لوجوب الحج وهكذا، فإن كل هذه الامارات مشمولة لدليل الحجية وان لم يترتب على مؤدى هذه الامارات اثر شرعي فعلا، ولكن مؤداها بما ان له دخل في فعلية وجوب الحج بفعلية موضوعه بتمام قيوده فهو يكفي في شمول دليل الحجية لكل واحدة من هذه الامارات، وما نحن فيه من هذا القبيل فاذا قامت الامارة على وجوب شيء فدليل الحجية يشمل هذه الامارة ويدل على تنزيل مؤداها منزلة الواقع ويكفي في هذا الشمول كون المؤدى دخيلا في فعلية الوجوب أي الحكم بفعلية موضوعه في الخارج وان لم يترتب عليه اثر حين قيام الامارة في مرحلة الجعل، وعلى هذا فلا مانع من ان يكون احد التنزيلين في طول التنزيل الاخر رتبة وزمانا كما هو الحال في سائر القيود فان الدليل الدال على ان الاستطاعة شرط لوجوب الحج قد يكون في طول الدليل الدال على ان البلوغ شرط لوجوب الحج ولا مانع من هذه الطولية لا رتبة ولا زمانا فان كلا الدليلين يكشف عن مكشوف في مرتبة واحدة، فان الشارع جعل وجوب الحج مقيدا بهذه القيود في آن واحد وفي مرتبة واحدة غاية الامر ان الكاشف عنه مختلف زمانا او رتبة ولا مانع من ذلك، ومن هذا القبيل ما اذا ورد في الدليل الفقاع خمر فإنه يكشف عن سعة الحرمة بسعة موضوعها وان الشارع جعل الحرمة من الاول للأعم من الخمر الواقعي والخمر العنائي والكاشف عن ذلك متأخر، وقد يكون لسان التنزيل لسان الحكومة لتضييق الحكم بتضييق موضوعه كما اذا ورد في الدليل لا ربا بين الوالد والولد او لا ربا بين الزوج والزوجة، فإنه يضيق الموضوع ويضيق الحكم تبعا لذلك .
فإذن التنزيل لسانه لسان الحكومة قد يوسع الحكم بتوسعة موضوعه وقد يضيق الحكم بتضييق موضوعه .
فالنتيجة : ان ما ذكره المحقق الخراساني (قده) من انه لا يمكن ان يكون احد التنزيلين في طول التنزيل الاخر غير تام، وقد تبين انه لا مانع من ذلك .
نعم لو كان التنزيل ظاهريا كما اذا فرضنا ان الامارة تدل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع وذكرنا ان هذا التنزيل ظاهري، فإن الشارع جعل الحكم الظاهري للمنزل وهو المؤدى المماثل للحكم الواقعي الثابت للواقع، فهذا التنزيل اذا كان ظاهريا يكون مفاده اسراء الحكم من المنزل عليه الى المنزل ظاهرا أي جعل الحكم الظاهري للمنزل المماثل للحكم الواقعي والتنزيل اذا كان ظاهريا فهو متقوم باركان ثلاثة، واما اذا كان واقعيا فالتنزيل هو الكاشف عن سعة الحكم بسعة موضوعه في الواقع ومقام الثبوت ومرتبة الجعل او تضييق الحكم بتضييق موضوعه في الواقع ومقام الثبوت .
الى هنا قد تبين ان ما ذكره صاحب الكفاية (قده) انما يتم بالتنزيل الظاهري ولا يتم في التنزيل الواقعي .
هذا كله في المقدمة الاولى والثانية واما المقدمة الثالثة فهي نتيجة المقدمة الاولى والثانية فان تمت المقدمة الاولى والثانية تمت المقدمة الثالثة ايضا لأنها نتيجة هاتين المتقدمتين ايضا، وان لم تتم المقدمة الاولى والثانية لم تتم المقدمة الثالثة ايضا .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo