< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الامارات مقام القطع الموضوعي
كان كلامنا فيما ذكره المحقق العراقي (قده)، وهو ان ما ذكره صاحب الكفاية (قده) في تعليقته على الرسائل ان معنى التنزيل هو اسراء الحكم من المنزل عليه الى المنزل هو الصحيح، ولكن ما ذكره (قده) من انه لا يمكن تنزيل شيء منزلة جزء الموضوع الا اذا كان جزؤه الاخر محرزا بالوجدان او بالتعبد في عرض هذا التنزيل والا فلا يصح هذا التنزيل غير صحيح.
وقد افاد في وجه ذلك، ان الحكم المترتب على المنزل عليه المصحح للتنزيل لا فرق بين ان يكون حكما مطلقا او تعليقيا فكما ان ترتب الحكم المطلق مصحح للتنزيل ومن اركانه كذلك ترتب الحكم المعلق على المنزل عليه مصحح للتنزيل والحكم المترتب على الجزء اذا كان الموضوع مركبا من جزئين هو الحكم المعلق فكما ان الحكم المطلق -وهو الحكم المترتب على المركب من الجزئين- مصحح للتنزيل فكذلك الحكم المترتب على الجزء وهو الحكم المعلق فلا فرق بينهما من هذه الناحية، وعلى هذا فلا يتوقف احد التنزيلين على التنزيل الاخر فيصح تنزيل شيء منزلة جزء الموضوع سواء أ كان هناك تنزيل اخر لشيء اخر منزلة الجزء الاخر ام لم يكن، فإن هذا التنزيل صحيح باعتبار ان اركانه متوفرة من المنزل والمنزل عليه والاثر الشرعي المترتب على المنزل عليه وهو الحكم التعليقي فما ذكره صاحب الكفاية (قده) من عدم صحة تنزيل شيء منزلة جزء الموضوع الا اذا كان جزؤه الاخر محرزا بالوجدان او بالتعبد في عرض هذا التنزيل غير تام، وعلى هذا فتنزيل المؤدى منزلة الواقع صحيح سواء أ كان هناك تنزيل اخر وهو تنزيل الظن بالمؤدى منزلة القطع بالواقع الحقيقي او لم يكن وسواء أ كان هذا التنزيل في مرتبة التنزيل الاول ومقارنا له زمنا ام كان متأخرا ام لم يكن اصلا، فعلى جميع التقادير هذا التنزيل صحيح ولا يتوقف احد التنزيلين على التنزيل الاخر .
هكذا ذكره (قده)
وللمناقشة فيه مجال
اما اولا : فقد تقدم ان هذا المبنى غير صحيح فإن دليل التنزيل كسائر الادلة كاشف عن الواقع بلحاظ الارادة الجدية والكاشف قد يكون متأخرا عن كاشف اخر وقد يكون مقارنا وقد يكون متقدما، ولكن في المكشوف لا تأخر ولا تقدم، مثلا الادلة التي تدل على قيود وجوب الحج كالدليل على اعتبار الاستطاعة او اعتبار البلوغ والعقل وامن الطريق وما شاكل ذلك، فإن الكاشف متأخر والمكشوف في مرتبة واحدة وفي زمن واحدة وهو زمن جعل الحكم، فإن الشارع جعل وجوب الحج للمكلف العاقل البالغ القادر المستطيع اذا كان الطريق مؤمنا جعل في آن واحد مقيدا بهذه القيود، ولكن الكاشف عن تلك القيود في مقام الاثبات مختلف فقد يكون الكاشف عن قيد متقدم عن كاشف عن قيد اخر وقد يكون مقارنا له وقد يكون متأخرا وهذا لا يضر وعلى هذا فلا مانع من ان يكون احد التنزيلين متقدما على التنزيل الاخر وان الشارع جعل الوجوب للمنزلين أي للظن بالمؤدى والقطع بالواقع ولكن الكاشف عنه متأخر ولا مانع من ذلك، ولكن في مقام الثبوت بلحاظ الارادة الجدية فالمكشوف في مرتبة واحدة وفي زمن واحد ولا مانع من تقدم والتأخر بين الكواشف .
ثانيا : ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ان معنى التنزيل هو اسراء الحكم من المنزل عليه الى المنزل وجعل الحكم الى المنزل المماثل للحكم المنزل عليه، فان اراد من الحكم التعليقي المترتب على الجزء الحكم الانحلالي بمعنى ان الحكم اذا تعلق بموضوع مركب من جزئين ينحل الى حكمين بانحلاله الى جزئين فيثبت لكل جزء حكم معلق .
فيرد عليه : انه خلف الفرض فان المفروض ان الحكم المجعول حكم واحد ومتعلق بموضوع واحد غاية الامر ان الموضوع مركب من جزئين فلا يمكن الانحلال فيه، فان الحكم الشرعي امر اعتباري صادر من المولى مباشرة ولا يعقل فيه الانحلال أي لا يعقل ان ينحل اعتبار واحد الى اعتبارين، اذ الانحلال انما يتصور في الامور الخارجية واما في الامور الاعتبارية التي ليس بشيء الا في عالم الاعتبار فلا يتصور فيها الانحلال .
نعم الانحلال انما يكون فيما اذا كان الحكم المتعلق بالمركب بعنوان المعرفية والمشيرية أي ان المركب مأخوذ بما هو معرف الى ما هو موضوع للحكم وموضوع الحكم في الحقيقة هو الجزء واما عنوان المركب فمأخوذ كمعرف فقط فاذا كان المركب مأخوذا بعنوان المعرفية والمشيرية الى ما هو الموضوع في الواقع فعندئذ المجعول متعدد أي الحكم متعدد وعندئذ لا يكون حكم الجزء حكما تعليقيا بل لكل جزء حكم مطلق، فان كل جزء موضوع مستقل للحكم فيلزم خلف فرضه (قده) من ان الحكم المتعلق بالجزء حكم تعليقي بل على هذا الفرض يكون حكما واقعيا مطلقا .
وان اراد من الحكم التعليقي انحلال الحكم المتعلق بالمركب من جزئين او اكثر الى حصتين او اكثر مثلا الوجوب المتعلق بالصلاة ينحل الى حصص متعددة حصة من هذا الوجوب متعلقة بالتكبيرة وحصة متعلقة بفاتحة الكتاب وحصة متعلقة بالركوع وحصة متعلقة بالسجود وهكذا الى التسليم أي ان الحكم المتعلق بالمركب ينحل الى احكام ضمنية وحصص متعددة بتعدد اجزائه .
فيرد عليه : ان الحصة ليست بحكم شرعي مجعول من قبل الشارع بل هي بتحليل من العقل ومنتزعة من قبل العقل من جهة تعلق الحكم بالمركب فاذا تعلق الوجوب بالصلاة المركبة من اجزاء فهذا الوجوب منشأ لحكم العقل بانتزاع الحصص ومن الواضح ان هذه الحصة ليست بحكم شرعي وانما هي بتحليل من العقل ولا واقع موضوعي لها في عالم الخارج ولا في عالم الاعتبار وانما هي موجودة في عالم التحليل والانتزاع فقط، بل لا يعقل ان يكون الحكم الشرعي منحلا الى حصص متعددة فان الحكم الشرعي امر اعتباري صادر من المولى مباشرة وفعل بسيط ولا يعقل ان يكون مركبا .
فإذن الانحلال انما هو بحكم العقل بلحاظ الاجزاء الخارجية والمفروض ان الوجوب المتعلق بالصلاة لا يوجد في الخارج بل هو موجود في عالم الاعتبار حتى ينحل الى حصص متعددة واجزاء كثيرة، واذا لم تكن الحصة بحكم شرعي فعندئذ لا يمكن التنزيل بلحاظ هذه الحصة، فان التنزيل انما يمكن اذا كان المنزل عليه موضوعا للحكم الشرعي، والمفروض ان الجزء ليس موضوعا للحكم الشرعي والحصة ليست هي بحكم شرعي وانما هي بتحليل من العقل هذا مضافا الى ان الحكم المعلق ليس بحكم شرعي، لأن معنى التعليق هو القضية الشرطية فان الحكم اذا تعلق بالشيء المركب من جزئين فالعقل ينتزع من ذلك قضية شرطية وهي ان ثبوت هذا الحكم وتعلقه بكل جزء مشروط بتعلقه بالجزء الاخر ويعبر عن هذه الملازمة بالحكم التعليقي، فالحكم التعليقي ليس بحكم حتى يكون مصححا للتنزيل .
وان اراد(قده) من الحكم التعليقي ان الحكم المتعلق بالمركب من جزئين ان تعلقه بكل جزء مشروط ومنوط بتعلقه بالجزء الاخر .
فيرد عليه : ان مرد ذلك الى تعلق الحكم بالمجموع فان معنى تعلق الحكم بمجموع الجزئين ان تعلقه بكل منهما مشروط بتعلقه بالأخر مثلا ان تعلق الوجوب بالتكبيرة مشروط بتعلقه بالفاتحة ومرتبط به ارتباطا واقعيا ثبوتا وسقوطا وتعلق الوجوب بالفاتحة مشروطا بتعلقه بالركوع ومرتبط به ارتباطا واقعيا ثبوتا وسقوطا .
فإذن تعلق هذا الوجوب بكل من الجزئين مشروط بتعلقه بالجزء الاخر ومرتبط به ومرده الى تعلق الحكم بالمركب منهما، فلا يصح تنزيل شيء منزلة الجزء بلحاظ هذا الحكم، وسيأتي بيان هذا ان شاء الله تعالى .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo