< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/03/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الدليل العقلي
الى هنا قد تبين ان العلوم النظرية جميعها مشتركة في نقطة واحدة وهي نظرية موادها ومفرداتها ومبادئها، وهي منشأ لوقوع الخطأ والاشتباه فيها، اذ ليس هنا قاعدة تكون عاصمة عن الخطأ في موادها ومفرداتها، ولا فرق من هذه الناحية بين العلوم الشرعية كعلم الاصول والفقه وبين العلوم العقلية النظرية ووقوع الخطأ والاشتباه في مسائل لا يمنع من وقوعه في مسائل اخرى، لما ذكرنا من ان منشأ وقوع الخطأ احد امور تقدم الكلام عنها فيما سبق، واما اذا روعي هذه الامور فبطبيعة الحال لا يقع الخطأ اثناء القيام بعملية الاستنباط .
فإذن كثرة وقوع الخطأ والاشتباه في المسائل النظرية لا يمنع من حصول القطع في بعضها الاخر ولا ملازمة بينهما اذ منشأ وقوع الخطأ شيء ومنشأ عدم وقوع الخطأ شيء اخر، هذا من ناحية .
ومن ناحية اخرى، ان كل مجتهد وفقيه يعلم اجمالا بوقوع الخطأ والاشتباه في بعض المسائل وهذا العلم الاجمالي لا يمنع من القطع في مسائل الاخرى، فاذا قام المجتهد بتكوين القاعدة العامة في الاصول كحجية اخبار الثقة بما لها من الشروط في الحدود المسموح بها شرعا وقام خبر على وجوب السورة مثلا او حرمة شيء اخر فلا بد من التأكد من كونه ثقة او لا، ولو فرض انه ثقة فلا بد من الفحص عن وجود المعارض له او ليس له معارض، فاذا نقحت الصغرى واثبتنا ان هذا الخبر ثقة وليس له معارض انطبقت القاعدة العامة وهي حجية خبر الثقة على هذا الخبر وتحصل النتيجة وهي وجوب السورة في الصلاة، فاذا لم يقع الخطأ في تكوين القواعد العامة الاصولية وفي تنقيح صغرياتها في الفقه لا محالة تكون النتيجة صحيحة لأن انطباق الكبرى على الصغرى وحصول النتيجة من ذلك امر قهري .
فالنتيجة ان منشأ وقوع الخطأ في تكوين القواعد العامة او تنقيح الصغرى احد الامور التي ذكرناها، ومنشأ عدم وقوع الخطأ توفر تلك الامور في الباحث .
الى هنا قد ظهر ان عدم حجية القطع الحاصل من الادلة العقلية عند الاخباريين لا يمكن توجيهه بكثرة وقوع الخطأ في الادلة العقلية فلا بد من توجيه كلامهم بتوجيه اخر، اذ القطع اذا حصل من أي سبب كان فلا شبهة في انه حجة على القاطع ولا يمكن منع القاطع عن العمل بقطعه فان هذا غير معقول .
وقد تقدم ان توجيه كلامهم بان مرادهم من ذلك تخصيص الاحكام الشرعية بالعالم بها وان الجاهل لا حكم مجعول له في الشريعة المقدسة هذا ايضا لا يمكن اثباتا وان امكن ثبوتا .
وان ارادوا من عدم حجية القطع الحاصل من الادلة العقلية ان وصول الاحكام الشرعية الى المكلف اذا كان من طريق الكتاب والسنة فهو منجز ومورد لحق الطاعة ويعاقب على مخالفته ويثاب على موافقته، واما اذا كان وصوله من غير الكتاب والسنة ومن غير طريق الائمة الاطهار فلا يكون منجزا ولا يكون موردا لحق الطاعة ولا يعاقب على مخالفته ولا يثاب على موافقته .
فيرد عليه : انه لا يمكن تقييد الاحكام الشرعية في مرتبة الوصول والفعلية فان فعلية الاحكام الشرعية بفعلية موضوعاتها في الخارج وذكرنا ان المراد بذلك فعلية فاعليتها ومحركيتها وداعويتها والا فالأحكام الشرعية بنفسها غير معقول وجودها في الخارج والا كانت خارجية وهو خلف كونها من الامور الاعتبارية فاذا زالت الشمس صار وجوب الصلاة فعليا أي محركا للمكلف للإتيان بالصلاة ومع عدم تحق الزوال لا يكون هذا الوجوب محركا مع انه مجعول في الشريعة المقدسة، وذكرنا ان فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج ليست من مراتب الحكم بل هي امر قهري وليست بيد الشارع اذ ان ما بيد الشارع انما هو جعل الاحكام الشرعية في مرحلة الجعل فللشارع ان يجعل الحكم الشرعي مطلقا وله ان يجعله مشروطا او مقيدا، فأمر الحكم اطلاقا وتقيدا بيد الشارع في مرحلة الجعل، واما فعلية هذا الحكم بفعلية موضوعه في الخارج فهي امر قهري وليست بيد الشارع، ولهذا لا يمكن تقيد الحكم في هذه المرحلة أي تقيد وصول الحكم وفعليته بعدم كونه منجزا وعدم كونه موردا لحق الطاعة، لأن تقييد الحكم انما هو في مرحلة الجعل واما اذا لم يكن الحكم مقيدا في مرحلة الجعل فلا يمكن تقييده في مرحلة الفعلية اذ هي خارجة عن يد الشارع بل هي امر قهري .
ومن هنا فلا يمكن ان يكون هذا مرادا لهم ايضا .
ودعوى ان هنا روايات تدل على هذا التقييد .
منها: عن أبي جعفر ( عليه السلام )، أنه قال : من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه الله التيه يوم القيامة [1]، فإنها واضحة الدلالة على ان التقرب بغير الحكم الواصل من غير الائمة الاطهار لا قيمة له .
ولكن في دلالة مثل هذه الروايات اشكال، فان المراد من سماع الحكم سماعه في مرحلة الجعل لا في مرحلة الفعلية.
ومنها: عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال: ذروة الأمر، وسنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضى الرحمن، الطاعة للإمام بعد معرفته، أما لو أن رجلا قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حق في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان.[2]، فان هذه الروايات واضحة الدلالة .
والجواب :
اولا : ان هذه الروايات ساقطة من ناحية السند اذ جميعها مرسل ولا يمكن الاعتماد على شيء منها .
ثانيا : مع الاغماض عن ذلك وتسليم انها تامة سندا، الا انها في مقام الاستنكار على الجمهور من المسلمين فانهم يعملون في اثبات الاحكام الشرعية على القياس والاستحسان وغيرها من الادلة العقلية الظنية في مقابل الرجوع الى الائمة الاطهار واخذ الاحكام منهم، فلا دلالة لها على ان الحكم الشرعي الواصل من الادلة العقلية لا يكون منجزا وموردا لحق الطاعة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo