< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حجية الدليل العقلي
تحصّل مما ذكرنا، ان ما ذكره الاخباريون لا يمكن المساعدة عليه على ظاهره كما لا يمكن الاخذ بتأويلاته، ثم ان ما ذكره المحدث الاسترآبادي من ان وقوع الاشتباه والخطأ في المسائل العقلية يمنع عن حصول اليقين في سائر المسائل انما يتم في الامور التجريبية ولا يتم في الامور العقلية النظرية، اما في التجريبيات كالاستقراء والتواتر وما شاكلهما، فان الشخص اذا اخبر عن وقوع قضية فاحتمال الصدق والكذب كلاهما موجود في هذا الخبر فلو فرضنا ان احتمال الصدق 50% واحتمال الكذب50% ولكن لو ظهر انه صادق في هذا الخبر وقد اخبر ثانيا وظهر ايضا انه صادق فيه فحينئذ تكبر القيمة الاحتمالية للصدق وتصغر القيمة الاحتمالية للكذب بنفس النسبة، وهكذا لو اخبر بأخبار متعددة وبوقوع قضايا مختلفة في ازمنة كثيرة وكان صادقا في جميع هذه الاخبار، فتراكم القيم الاحتمالية لكل هذه الاخبار يصل في نهاية المطاف الى درجة ينتقل منها الى حصول اليقين بكل خبر صادر منه، كما ان تراكم القيمة الاحتمالية للكذب يصل الى درجة الصفر، ولو فرض ظهور كذبة واحدة منه في هذه الاخبار تكون مانعة من حصول اليقين بخبره لأن احتمال الكذب موجود وان كان ضعيفا، وكذلك الحال اذا وعد بشيء فاحتمال الوفاء واحتمال عدم الوفاء كلاهما موجود، ولكن اذا وفى بهذا الوعد ووفى بوعده الثاني وهكذا الى ان وفى بجميع عهوده المختلفة المتعددة وفي الازمنة الكثيرة تتراكم القيمة الاحتمالية للوفاء ويصل في نهاية المطاف الى حصول اليقين بالوفاء بكل وعد يصدر منه، واذ اخلف بوعد واحد من هذه الوعود يكون هذا مانعا من حصول اليقين بوفائه باي وعد يعده لأن احتمال عدم الوفاء موجود .
لكن هذا انما هو في العلوم التجريبية الحسية واما في العلوم النظرية العقلية فملاك الصدق والكذب في كل قضية لا يرتبط بقضية اخرى، وعلى هذا يكون كثرة وقوع الخطأ في المسائل النظرية العقلية وغير العقلية لا تمنع من حصول اليقين في المسائل الاخرى فضلا عن اشتباه واحد .
ثم ان هنا مجموعة من الاقوال الاخرى :
الاول : ما ذكره المحقق النائيني (قده) من ان اخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه بدليل واحد محال لاستلزامه الدور وتوقف الشيء على نفسه، ولكن لا مانع من اخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه بدليل اخر ويسمى ذلك الدليل بمتمم الجعل فان الجعل الاول مهمل من حيث الاطلاق والتقييد ولكن الدليل الثاني متمم لهذا الجعل ويقيده بالعلم به، وقد ذكر نظير ذلك(قده) في ان اخذ قصد القربة في متعلق الامر بأمر واحد مستحيل لاستلزامه الدور وتوقف الشيء على نفسه ولكن لا مانع من ذلك بأمر ثان متمم للجعل لأنه يقيد متعلق الامر الاول بقصد القربة، وما نحن فيه كذلك فلا مانع من اخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه بدليل اخر المسمى بمتمم الجعل [1].
الثاني : ما ذكره بعض اخر من ان المأخوذ في الموضوع ليس هو العلم بالحكم الواصل من الكتاب والسنة في موضوع نفسه بل المأخوذ في الموضوع عدم العلم بالحكم الشرعي الواصل من الدليل العقلي .
ولكن ما ذكره المحقق النائيني وان كان ممكن ثبوتا الا انه:
اولا : لا نحتاج الى متمم الجعل .
وثانيا : على تقدير الحاجة وهو امر ممكن ولا محذور فيه .
وكذلك لا مانع من اخذ عدم العلم بالحكم الواصل من الدليل العقلي ولا محذور فيه ولا فرق بين ان يكون المأخوذ في الموضوع العلم بالحكم الواصل من الكتاب والسنة او كان المأخوذ عدم العلم بالحكم الواصل من الدليل العقلي في موضوع نفسه لأن النتيجة واحدة .
واما المحقق العراقي (قده) فقد ذكر انه من المحتمل قويا ان يكون مراد الاخباريين ان العلم بالحكم مأخوذ في متعلق الامر لا في موضوعه، مثلا الامر بالصلاة مقيد بقصد الامر الواصل من الكتاب والسنة، فمتعلق الامر حصة خاصة من الصلاة وهي الصلاة المقيدة بقصد الامر الواصل من الكتاب والسنة لا ان العلم بالحكم الواصل من الكتاب والسنة مأخوذ في موضوع نفسه، فان العلم بالحكم على الاول شرط للوجوب وشرط للوجوب شرط للحكم في مرحلة الجعل وشرط لاتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادي كما هو الحال في سائر شروط الحكم كما هو الحال في الاستطاعة والبلوغ والعقل وغيرها، فان من لم يستطع فلا ملاك للحج في حقه كما لا وجوب .
وعلى الثاني يكون العلم بالحكم شرط للواجب وهو شرط لترتب الملاك على الواجب في الخارج كالطهارة المعتبرة في الصلاة فان الطهارة من الحدث والخبث قيد للصلاة وشرط لها لا انها شرط لوجوب الصلاة فان وجوب الصلاة فعلي ومتحقق وان لم يكن المكلف متطهرا من الحدث او الخبث وهكذا القيام او استقبال القبلة وغيرها من شروط الواجب فان لهذه الشروط دخل في ترتب الملاك على الواجب في الخارج .
وعلى هذا، فاذا فرضنا ان المكلف عالم بالحكم ولكنه متمكن من تحصيل العلم بالحكم من الكتاب والسنة ففي هذا الفرض اذا كان العلم بالحكم شرط للوجوب فلا يكون الوجوب فعليا لأنه انما يصير فعليا بفعلية موضوعه بتمام قيوده وموضوعه ليس فعليا من جهة ان قيده ليس فعليا وهو العلم الحاصل من لكتاب والسنة لأن هذا العلم غير موجود فلا يكون الوجوب موجودا، وهذا بخلاف شرط الواجب فان وجوب الصلاة فعلي وان كان المكلف غير متطهر او غير ذلك من شروط الواجب لأن فعلية وجوب الصلاة لا تتوقف على فعلية شرائط الصلاة، فاذا كان المكلف متمكنا من تحصيل الطهارة وغيرها من شرائط الصلاة فوجوب الصلاة فعلي وان لم تكن هذه الشروط فعلية، هذا هو الفرق بين شرط الوجوب وشرط الواجب، ومن المتحمل قويا كما ذكر المحقق العراقي ان مراد الاخباريين ان العلم بالحكم مأخوذ في المتعلق وهو شرط للواجب لا انه مأخوذ في الموضوع حتى يكون شرطا للوجوب [2].
ولكن ما ذكره (قده) غير تام .
اولا: لازم ذلك ان الحكم مختص بالعبادات التي يعتبر فيها قصد القربة مع ان الامر ليس كذلك، اذ ان محل البحث في مطلق الاحكام الشرعية سواء أ كان عباديا ام غيره بل المحرمات ايضا .
ثانيا: ان قصد القربة لا يتوقف على الامر بل يمكن اذا كان الفعل محبوبا لأن معنى قصد القربة اضافة الواجب الى لله تعالى ويكفي في هذه الاضافة قصد محبوبية الفعل ولا يلزم ان يقصد الامر بالفعل .
وثالثا : ان قصد القربة لا يتوقف على العلم بالأمر اذ ان احتمال وجود الامر يكفي .
فما ذكره المحقق العراقي (قده) من التوجيه لكلام الاخباريين غير تام .
وتحصل مما ذكرنا ان القطع الحاصل من الدليل العقلي بالحكم كالقطع الحاصل من الدليل الشرعي بالحكم فهو حجة ولا يمكن منع القاطع عن العمل به وردعه لأنه يستلزم التهافت والتناقض من المولى وهو مستحيل، نعم فرق بين الدليل العقلي والدليل الشرعي من جهة ان في الدليل العقلي الكبرى مسلمة وهي ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد الملزمتين ولكن ليس لها صغرى في المسائل الفقهية، فإنه ليس للعقل طريق الى احراز المصالح والمفاسد في الافعال ولو تمكن من ذلك الا انه لا يتمكن من احراز انه لا مزاحم لها او احراز انها وحدها تكون ملاكا للحكم الشرعي فليس للعقل احراز ذلك لأنه بحاجة الى علم الغيب .
هذا تمام كلامنا في المقام الاول وهو العقل النظري .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo