< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب الموافقة الالتزامية.
الكلام في وجوب الموافقة الالتزامية يقع من جهات :
الجهة الاولى : في المراد منها .
الثانية : في وجوبها .
الثالثة : على تقدير وجوبها فهل هذا الوجوب مانع عن جريان الاصول العملية في اطراف العلم الاجمالي او انه غير مانع ؟
الجهة الاولى في المراد من الموافقة الالتزامية
فليس المراد منها الالتزام برسالة الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ) والايمان بها، فان الالتزام برسالته (ص) امر واجب على كل مسلم لأنه من الواجب على كل مسلم ان يلتزم بكل حكم يقطع او يظن او يحتمل اشتمال الرسالة عليه، فهو حق على تقدير اشتمال الرسالة عليه وانكاره موجب للكفر سواء أ كان قطعيا ام اكن ظنيا ام كان احتماليا، لأنه مع احتمال بطلان الرسالة فهو لا يؤمن بها، فالإيمان بها جزما والالتزام بها قطعا واجب ومن لم يؤمن بها ويشك او يحتمل بطلان الرسالة فهو ليس بمسلم .
إذن فليس هذا محل الكلام كما يظهر من بعض الاصحاب، لأن هذه المسألة داخلة في اصول الدين ومحل الكلام انما هو في الفروع الفقهية وفي وجوب افعال النفس زائدا على الافعال الخارجية كالتوجه والانقياد والخضوع والخشوع فان هذه الافعال من افعال النفس في مقابل صفاتها كالعلم واليقين والاعتقاد
اما الكلام في الجهة الثانية
فهل الموافقة الالتزامية واجبة في الشريعة المقدسة زائدا على وجوب الموافقة العملية أي هل الموافقة الالتزامية قلبا واجبة في الشريعة المقدسة زائدا على وجوب الموافقة العملية في الخارج او انها غير واجبة ؟
الظاهر بل المقطوع به بانها غير واجبة ولا دليل على وجوبها زائدا على وجوب الموافقة العملية خارجا لا من الكتاب والسنة ولا من العقل .
اما الكتاب والسنة والجامع بينهما هو الادلة النقلية فإنَّها تدل على وجوب الموافقة العملية في الخارج، فان الامر بالصلاة يدل على وجوب الاتيان بالصلاة في الخارج، ولا يدل على وجوب الالتزام بوجوب الصلاة قلبا لوضوح انه ليس للدليل الدال على وجوب الصلاة مدلولين احدهما وجوب الاتيان بالصلاة في الخارج والاخر التزام بوجوبها قلبا، بحيث يكون وجوب الصلاة موضوعا لوجوب الالتزام، فيكون هنا وجوبان احدهما متعلق بالصلاة التي هي من الافعال الخارجية والاخر متعلق بوجوب الصلاة وهو وجوب الالتزام أي وجوب الالتزام بوجوب الصلاة قلبا، ومن الواضح ان ادلة وجوب الصلاة لا تدل على وجوب الالتزام بها قلبا بل لا اشعار لها فضلا عن الدلالة، فاذا ورد الامر بالصلاة المتفاهم العرفي منه وجوب الاتيان بالصلاة خارجا ولا يخطر بباله وجوب الالتزام به قلبا، فالكتاب والسنة تدل على التكاليف المتعلقة بالأفعال الخارجية أي تدل على الموافقة العملية فقط ولا اشعار فيها على وجوب الموافقة الالتزامية قلبا، فلا دليل من الكتاب والسنة على وجوب الموافقة الالتزامية قلبا بل لا اشعار فيهما على ذلك .
واما العقل، فلأن حكم العقل بوجوب الالتزام بالأحكام الشرعية عقلا لا يمكن ان يكون جزافا وبلا مبرر فان العقل اذا حكم بشيء لا يمكن ان يكون حكمه جزافا وبلا مبرر وبدون نكتة ولا مبرر لهذا الحكم أي وجوب الالتزام، لأنه ان اريد من وجوب الالتزام الوجوب الشرعي فان العقل ليس جاعلا للحكم الشرعي والمشرع والجاعل هو الشارع دون العقل، وان اريد ان وجوب الموافقة القطعية الالتزامية قلبا من صغريات حكم العقل بحسن العدل.
فيرد عليه: ان وجوب الموافقة القطعية العملية من صغريات حكم العقل بحسن العدل واما وجوب الموافقة القطعية الالتزامية فلا يكون من صغريات حكم العقل بحسن العدل الا اذا كانت الموافقة القطعية الالتزامية عدلا، ومن الواضح ان كونها عدلا يتوقف على وجوبها شرعا وعندئذ يلزم الدور، فان كون الموافقة الالتزامية قلبا عدلا يتوقف على كونها واجبة ووجوبها يتوقف على كونها عدلا فيلزم توقف الشيء على نفسه وهو محال، فمن اجل ذلك لا يحكم العقل بوجوب الالتزام بالأحكام الشرعية قلبا، هذا مضافا الى ما تقدم من انه لا ملازمة بين حكم العقل بالحسن وحكم الشرع بالوجوب، وحكم العقل بالقبح وحكم الشرع بالحرمة .
وان اريد ان الوجوب المتعلق بالأفعال الخارجية كالوجوب المتعلق بالصلاة فهذا الوجوب يقتضي الالتزام به قلبا .
فيرد عليه : ان هذا الاقتضاء إن كان بنحو العلة التامة فهو غير معقول فان العلية والمعلولية غير متصورة في الامور الاعتبارية التي لا واقع موضوعي لها في الخارج غير وجودها في عالم الاعتبار والذهن فلا يعقل ان يكون حكم علة لوجود حكم اخر، فان الحكم فعل اختياري للمولى مباشرة فلا يتصور فيه التسبيب والعلية، فترشح الحكم من حكم اخر وتولده منه كترشح المعلول عن العلة غير متصور في الاحكام الشرعية التي هي اعتبارات لا واقع موضوعي لها في الخارج .
وان كان المراد من الاقتضاء الدعوة بنحو الاقتضاء أي ان وجوب الصلاة يدعو الى الالتزام به بنحو الاقتضاء لا بنحو العلية .
فيرد عليه : ان وجوب الصلاة يدعو الى الموافقة العملية فقط أي الى الاتيان بالصلاة ولا يدعو الى الالتزام به قلبا ووجوب الصوم يدعو الى الاتيان به في الخارج ولا يدعو الى الالتزام به قلبا .
فالنتيجة انه لا دليل على وجوب الموافقة الالتزامية لا من الكتاب والسنة ولا من العقل .
واما الجهة الثالثة وهي انه على تقدير التسليم بوجوب الموافقة الالتزامية فهل هو مانع عن جريان الاصول العملية في اطراف العلم الاجمالي او انه غير مانع ؟
فهنا وجهان :
قيل انه مانع عن جريان الاصول العملية في اطراف العلم الاجمالي ويمكن تقريب ذلك بوجوه :
الاول : ان جريان الاصول العملية في اطراف العلم الاجمالي يؤدي الى الالتزام بالمتنافيين والمتناقضين، فانه يجب على المكلف الالتزام بالمعلوم بالإجمال اذ هو حكم واقعي يجب الالتزام به، وايضا يجب الالتزام بالحكم الظاهري في جميع اطراف العلم الاجمالي وهذا جمع بين المتناقضين، كما اذا فرضنا ان المكلف يعلم اجمالا بطهارة احد إنائين ولكنه يعلم ان كليهما كان مسبوقا بالنجاسة فعندئذ يشك فب بقاء نجاسة كل منهما فاذا شك في بقاء نجاسة كل منهما فلا مانع من جريان الاستصحاب استصحاب بقاء نجاسة هذا الاناء واستصحاب بقاء نجاسة ذاك الاناء فعندئذ يلزم الالتزام بالأمرين المتنافيين لأنه عندئذ يجب عليه الالتزام بطهارة احدهما وايضا يجب علية الالتزام بنجاسة كليهما وهذا غير ممكن .
والجواب عن ذلك : انه لا مانع من جريان الاصول العملية في اطراف العلم الاجمالي ولا مانع من هذا التنافي فان الالتزام بالمعلوم بالإجمال التزام بالحكم الواقعي والالتزام بالطرفين التزام بالحكم الظاهري ولا مانع من الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري فلا مانع من ان يلتزم المكلف بطهارة احد الانائين ويلتزم بنجاسة كليهما ظاهرا وهو لا ينافي الالتزام بطهارة احدهما واقعا .
فهذا الوجه غير صحيح .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo