< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب الموافقة الالتزامية
تحصّل مما ذكرنا انه لا دليل على وجوب الموافقة الالتزامية لا من الكتاب والسنة ولا من العقل ولكن على تقدير تسليم وجوب الموافقة الالتزامية زائدا على وجوب الموافقة العملية فهل وجوبها مانع عن جريان الاصول العملية في اطراف العلم الاجمالي او انه لا يكون مانعا ؟
قيل بالمنع وذكرنا انه يمكن تقريب ذلك بوجوه، وقد تقدم الكلام في الوجه الاول والثاني وما يرد عليهما .
واما الوجه الثالث : فان جريان الاصول العملية في اطراف العلم الاجمالي وان كان منافيا للالتزام بالحكم المعلوم بالإجمال المتعلق بالجامع الا ان هذا التنافي لا اثر له، فاذا فرضنا ان المكلف يعلم اجمالا بطهارة احد الانائين وكانا مسبوقين بالنجاسة ويشك فعلا في بقاء نجاسة كل منهما فلا مانع من استصحاب بقاء نجاسة هذا الاناء وبقاء نجاسة ذاك الاناء فلازم ذلك هو الالتزام بنجاسة كل منهما ظاهرا وهذا لا ينافي الالتزام بطهارة احدهما واقعا على ما سيأتي بحثه في مسألة الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري، ولكن جريان استصحاب بقاء النجاسة لازمه وجوب ترك استعمال كلا الانائين معا وهذا ينافي طهارة احدهما فيلزم من ذلك المخالفة الالتزامية ‌وهي غير جائزة لأن الاجتناب عن كلا الانائين اجتناب عن الجامع ايضا فان الجامع في ضمن احد الفردين .
وقلنا ان السيد الاستاذ (قده) اجاب عن ذلك بان هذا انما يتم في الالتزام التفصيلي بكل من طرفي العلم الاجمالي لا في الالتزام الاجمالي فمن التزم بطهارة هذا الاناء الاسود والتزم بطهارة الاناء الابيض هذا الالتزام التزام تفصيلي وهو لا يجتمع مع وجوب الاجتناب عن كل منهما، فالتنافي انما هو بين الالتزام التفصيلي بكل من الانائين في المثال والاجتناب عن كل منهما ولا تنافي بين الالتزام الاجمالي بأحدهما واقعا والاجتناب عن كل منهما ظاهرا وهو مما لا محذور فيه .
وقلنا ان هذا الجواب غير تام، بل لا يرجع الى معنى محصل اذ مع الالتزام التفصيلي بطهارة كل من الانائين لا موضوع للاستصحاب فان المكلف اذا التزم بطاهرة الاناء الابيض والتزم بطهارة الاناء الاسود فمعنى ذلك انه لا موضوع للاستصحاب فان ادلة الاستصحاب تدل على عدم جواز نقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين اخر فالمقام داخل في ذيل هذه الروايات اعني ولكن تنقضه بيقين اخر، فاذا تيقن بطهارة الاناء الشرقي وتيقن بطاهرة الاناء الغربي فلا موضوع للاستصحاب فلأجل ذلك هذا الجواب لا يرجع الى معنى محصل ومن هنا عدل (قده) عن هذا الجواب في تقريره الاخر .
والصحيح في الجواب عن ذلك بأمرين :
الاول : ان استصحاب بقاء نجاسة كل من الانائين حاكم على دليل الالتزام بالحكم الواقعي المعلوم بالإجمال، لأن موضوع وجوب الالتزام الحكم الواقعي ومن الواضح ان دليل الالتزام لا يكون ناظرا الى ثبوت موضوعه كما هو الحال في كل دليل مثلا ما دل من الآية المباركة والروايات على وجوب الحج عند الاستطاعة فلا يكون ناظرا الى وجود الاستطاعة في الخارج بل مفادها وجوب الحج عند تحقق الاستطاعة أي على تقدير وجود الاستطاعة يجب الحج اما ان هذ التقدير يتحقق او لم يتحقق فالأدلة غير ناظرة الى ذلك فكل دليل غير ناظر الى ثبوت موضوعه او عدم ثبوته،بل هو ناظر الى ثبوت الحكم على تقدير ثبوت موضوعه اما ان هذا التقدير متحقق او لا فالدليل غير ناظر الى ذلك، واما الاستصحاب فهو ينفي موضوع دليل الالتزام ظاهرا فان جريان استصحاب بقاء نجاسة كلا الانائين فهو ينفي ظاهرا موضوع وجوب الالتزام وهو كطهارة احدهما باعتبار ان نفي كلا الفردين أي استصحاب بقاء نجاسة كلا الانائين لا محالة ينفي طهارة احدهما فان الجامع ينتفي بانتفاء فرده ولا يعقل بقاء الجامع مع انتفاء فرده، اذ لا وجود للجامع الا بوجود فرده فاذا انتفت طهارته عن الاناء الشرقي وانتفت طاهرته عن الاناء الغربي فالطهارة الجامعة بين الطهارتين ايضا تنتفي فكلا الاستصحابين يكون حاكما على دليل وجوب الالتزام ويتقدم عليه ويدل على انتفائه بانتفاء موضوعه فلا تعارض بينهما اذ لا تعارض بين دليل الحاكم ودليل المحكوم، فمن اجل ذلك لا بد من تقديم الاستصحاب على دليل وجوب الالتزام .
الثاني : ان موضوع وجوب الالتزام القلبي هو التكليف المعلوم بالإجمال المتعلق بالجامع في الذهن ومن هنا تختلف الموافقة الالتزامية عن الموافقة العملية، اذ انها تختلف عن الموافقةالعملية في نقطتين :
الاولى : ان دائرة الموافقة الالتزامية اوسع من دائرة الموافقة العملية، فان الموافقة الالتزامية تعم الاحكام الالزامية والترخيصيّة، فكما يجب الالتزام بالأحكام الالزامية كذلك يجب الالتزام بالأحكام الترخيصية كالإباحة والاستحباب والكراهة وما شاكل ذلك، واما الموافقة العملية فهي مختصة بالأحكام الالزامية ولا تعم الاحكام الترخيصية .
الثانية : ان التكليف في الموافقة الالتزامية متعلق بالجامع في وعاء الذهن واما التكليف في الموافقة العملية فهو متعلق بالجامع في وعاء الخارج .ولهذا يكون الجامع في وعاء الخارج عين وجود افراده في الخارج وليس للجامع في الخارج وجود اخر غير وجود افراده بينما وجود الجامع في عالم الذهن غير وجود افراده في الخارج ولا يمكن انطباق الجامع في الذهن على افراده في الخارج لأن الوجود الذهني مباين للوجود الخارجي فلا يمكن انطباق احدهما على الاخر .
فإذاً الجامع في الموافقة العملية بما ان وعائه الخارج فوجوده عين وجود افراده وينطبق على افراده في الخارج واما الجامع في الموافقة الالتزامية بما ان وعائه الذهن فلا ينطبق على افراده في الخارج ووجوده غير وجود افراده في الخارج والوجود الذهني مباين للوجود الخارجي فلا يمكن انطباق احدهما على الاخر وعلى هذا فجريان الاستصحاب في كلا فردي العلم الاجمالي مثل استصحاب بقاء نجاسة الاناء الابيض واستصحاب بقاء نجاسة الاناء الاسود بالنسبة الى الموافقة العملية يستلزم نفي الجامع أي الترخيص في ترك الجامع فان كلا الاستصحابين يدل على الترخيص في ترك كلا الفردين، والمفروض ان الجامع في ضمن احد الفردين ووجوده في ضمن احد الفردين فالاستصحابان مفادهما بالمطابقة الترخيص في ترك كلا الفردين وبالالتزام في ترك الجامع فتلزم المخالفة القطعية الالتزامية، واما اذا كان الجامع وعائه الذهن فجريان كلا الاستصحابين ليس ترخيصا في ترك الجامع وانما هو ترخيص في ترك كلا الفردين فقط باعتبار ان الجامع لا ينطبق على الفرد في الخارج وترك الفرد في الخارج ليس تركا للجامع فاستصحاب بقاء نجاسة الاناء الاسود واستصحاب بقاء نجاسة الاناء الابيض مفادهما الترخيص في ترك كلا الفردين أي الترخيص في وجوب الاجتناب عن كلا الفردين لا عن الجامع فان الجامع موجود في عالم الذهن وهو لا ينطبق على احد هذين الفردين فالترخيص في ترك كلا الفردين ليس ترخيصا في ترك الجامع فعندئذ لا تنافي بين الالتزام بوجوب الاجتناب عن كلا الفردين والالتزام بطهارة احدهما وهو الكلي باعتبار ان الكلي موجود في الذهن ولا وجود له في الخارج فلا يلزم المحذور من جريان هذا الاستصحاب والمحذور انما يلزم اذا كان الجامع موجودا في الخارج فان الترخيص في ترك فرده ترخيص في تركه .
فإذاً لا مانع من جريان كلا الاستصحابين، ومفادهما الترخيص في ترك كلا الفردين لا الترخيص في ترك الجامع، فلا تنافي بين الالتزام بوجوب الاجتناب عن كلا الفردين ظاهرا وبين الالتزام بطهارة احدهما واقعا .
هذا كله فيما اذا كان الدليل على وجوب الالتزام عقليا،فان الدليل على وجوب الالتزام اذا كان عقليا فهو متعلق بالجامع في وعاء الذهن .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo