< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تنجيز العلم الاجمالي .
إلى هنا قد ظهر انه لا مانع ثبوتا من جعل الاحكام الظاهرية الترخيصية في اطراف العلم الاجمالي تماما، فإن هذه الاحكام اذا جعلت من قبل الشارع فهي تكشف عن ان الشارع لا يريد حقه وهو حق الطاعة في الواقع، فعندئذ مخالفة الواقع ليست مخالفة للشارع بل هو مأذون من قبل الشارع في ترك الواقع ولا مانع من ذلك ثبوتا، ولكن هناك مانع اخر عن جعل الاحكام الظاهرية في اطراف العلم الاجمالي وهو لزوم الضدين، مثلا اذا علم اجمالا بنجاسة احد الاناءين والشارع جعل الطهارة الظاهرية لكل من الاناءين بمقتضى اصالة الطهارة، فعندئذ يلزم اجتماع الضدين احتمالا في كل من الاناءين، اذ احتمال نجاسة كل من الاناءين موجود وهذا الاحتمال لا يجتمع مع القطع بطهارة هذا الاناء ظاهرا فإذن تجتمع الطهارة الظاهرية مع النجاسة الواقعية احتمالا فان اجتماع الضدين محال وكذلك احتمال اجتماع الضدين ايضا مستحيل .
فإذاً يلزم في اطراف العلم الاجمالي احتمال اجتماع الضدين في كل طرف من اطرافه وهو مستحيل فمن هذه الناحية لا يمكن جعل الحكم الظاهري الترخيصي في تمام اطراف العلم الاجمالي .
والجواب عن ذلك : ان الاحكام الظاهرية المجعولة في الشريعة المقدسة على نوعين :
النوع الاول : الاحكام الظاهرية الطريقية .
النوع الثاني : الاحكام الظاهرية الترخيصية .
أما النوع الاول فلا شأن له غير تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير عند الخطأ فكأن الشارع جعل المنجز للواقع عند الاصابة والمعذر له عند الخطأ وذلك كوجوب الاحتياط، فإنه لا شأن له الا تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير عند الخطأ، واستصحاب الوجوب او الحرمة او النجاسة او ما شاكل ذلك، والامارات المتكفلة للأحكام الالزامية كأخبار الثقة وظواهر الالفاظ فإنها احكام ظاهرية طريقية وشأنها تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير عند الخطأ ولا شأن لها غير ذلك ولا تكون مخالفتها موجبة للعقاب وموافقتها موجبة للثواب لأنها ليست احكاما شرعية مولوية لأنها لا تنشأ عن ملاكات ومبادئ واقعية حتى تكون احكاما واقعية مولوية ويثاب على موافقتها ويعاقب على مخالفتها، بل جعلها انما هو للحفاظ على ملاكات الاحكام الواقعية فإن الاحكام الواقعية المجعولة في الشريعة المقدسة لها ملاكات ومبادئ واقعية والشارع اهتم بالحفاظ على تلك الملاكات والمبادئ حتى في موارد الاشتباه والالتباس أي في موارد الجهل والشك فلا يرضى في تفويتها حتى في هذه الموارد وجعل الاحكام الظاهرية الطريقية للحفاظ على تلك المبادي والملاكات في موارد الاشتباه وموارد الالتباس فإن الاحكام الظاهرية منشؤها اهتمام المولى بالحفاظ على الملاكات الواقعية فهذا تمام المنشأ لجعل الاحكام الظاهرية الطريقية التي لا شأن لها الا تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير عند الخطأ ولهذا لا تكون مخالفة للأحكام الواقعية لا في مرحلة المبادي ولا في مرحلة الامتثال ولا في مرحلة الجعل .
اما في مرحلة المبادي فلأنها لم تنشأ عن مبادٍ وملاكات واقعية في مقابل الملاكات والمبادي الواقعية للأحكام الواقعية الالزامية اذ ليس لها ملاكات ومبادي واقعية حتى تكون مزاحمة ومنافية للأحكام الواقعية الالزامية بملاكاتها ومباديها، فإذاً هذه الاحكام الطريقية الظاهرية لا تكون منافية للأحكام الواقعية في مرحلة المبادي ولا في مرحلة الامتثال اذ لا امتثال لها أي لا يجب على المكلف امتثالها اذ لا يترتب على امتثالها مثوبة ولا على مخالفتها عقوبة فان أمتثالها انما هو بامتثال الاحكام الواقعية ومخالفتها انما هي بمخالفة الاحكام الواقعية وبقطع النظر عن موافقة الاحكام الواقعي ومخالفتها فلا مخالفة لها ولا موافقه لها .
فمن اجل ذلك لا تكون منافية للأحكام الواقعي في مرحلة الامتثال .
وأما في مرحلة الجعل فلأنها ليست احكاما مجعولة في الشريعة المقدسة لنفس متعلقات الاحكام الواقعية لأنها في طول الاحكام الواقعية وموضوعها غير موضوع الاحكام الواقعية .
فإذاً هذا النوع من الاحكام الظاهرية وهي احكام طريقية وشـأنها تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير عند الخطأ، هذه الاحكام الظاهرية لا تنافي الاحكام الواقعية لا في مرحلة المبادي ولا في مرحلة الامتثال ولا في مرحلة الجعل ففي جميع المراحل لا تنافي بينها، وتفسير ذلك بأكثر من هذا سوف يأتي في مبحث حجية خبر الواحد .
وأما النوع الثاني وهو الاحكام الظاهرية الترخيصية كأصالة البراءة واستصحاب عدم الوجوب واستصحاب عدم الحرمة والنجاسة وما شاكل ذلك، والامارات المتكفلة للأحكام الترخيصية كأخبار الثقة ونحوها، فإنها احكام ظاهرية ترخيصية والشارع جعلها وحيث ان جعل الشارع لا يمكن ان يكون جزافا وبلا ملاك وبدون مبرر فالمبرر لجعل هذه الاحكام هو المصلحة النوعية المترتبة على هذه الاحكام الظاهرية وهي المصلحة التسهيلية فإن المصلحة التسهيلية بالنسبة الى نوع المكلفين تدعو المولى الى جعل هذه الاحكام الظاهرية الترخيصية ومن الواضح ان الملاكات الشخصية لا يمكن ان تزاحم الملاكات النوعية اذ المصالح النوعية تتقدم على المصالح الشخصية، فجعل هذه الاحكام الظاهرية الترخيصية وان كان موجبا لتفويت مصلحة شخصية او الوقوع في مفسدة شخصية الا انه لا محذور فيه لأن المصلحة النوعية تتقدم على المصلحة الشخصية لأن المصلحة الشخصية لا تصلح لمزاحمة المصلحة النوعية فلذلك لا مانع من جعل الاحكام الظاهرية الترخيصية .
والخلاصة ان الاحكام الظاهرية الترخيصية لا تنافي الاحكام الواقعية في مرحلتين لا في مرحلة المبادي ولا في مرحلة الامتثال .
اما في مرحلة المبادي، فإنها ناشئة عن المصالح النوعية المترتبة على نفس هذه الاحكام الترخيصية لا على متعلقاتها واما الاحكام الواقعية فإنها ناشئة عن المصالح والمفاسد المترتبة على متعلقاتها، فلا تنافي بين هذه الاحكام الظاهرية الترخيصية وبين الاحكام الواقعية في مرحلة المبادي لأن مبدأ كل منهما لا يجتمع مع مبدأ الاخر في شيء واحد، فالمصلحة النوعية مترتبة على نفس الاحكام الظاهرية واما المصلحة الشخصية فهي مترتبة على متعلق الحكم الشرعي الالزامي .
فإذاً لا تنافي بينهما لعدم امكان الجمع بينهما في شيء واحد .
ولكن قد يقال كما قيل : ان هذ الاحكام الترخيصية المجعولة في الشريعة المقدسة انما هي في مقام ترجيح التزاحم الحفظي فإنَّ الاحكام الواقعية الالزامية ناشئة عن الملاكات الواقعية ومبادئ واقعية والاحكام الترخيصية الواقعية ناشئة عن الملاكات والمبادي الواقعية، فالمبادي والملاكات الواقعية للأحكام الواقعية الالزامية تتطلب الحفاظ عليها حتى في موارد الاشتباه وموارد الالتباس أي موارد الجهل والشك بجعل الاحتياط او بجعل الامارات المتكفلة للأحكام الالزامية الظاهرية واما الملاكات والمبادي القائمة في متعلقات الاحكام الترخيصية الواقعية فإنها تقتضي الحفاظ عليها حتى في موارد الاشتباه والالتباس بجعل الاحكام الظاهرية الترخيصية كأصالة البراءة ونحوها فتقع المزاحمة الحفظية بين ملاكات الأحكام الواقعية الالزامية وبين ملاكات الاحكام الواقعية الترخيصية في موارد الاشتباه والالتباس .
فإذاً هذه الاحكام الترخيصية مرجحة لملاكات الاحكام الترخيصية الواقعية في موارد الاشتباه والالتباس على ملاكات الاحكام الواقعية الالزامية في مقام التزاحم الحفظي بين الملاكين في مورد الاشتباه والالتباس وهذا التزاحم مبني على ان تكون الاحكام الترخيّصيّة الواقعية ناشئة من الملاكات والمبادي الواقعية .
واما اذا قلنا بان الاحكام الترخيصية الواقعية ناشئة من عدم المقتضي للأحكام الالزامية فعندئذ لا تزاحم في البين، التزاحم الحفظي بين ملاكات الاحكام الواقعية الترخيصية وبين الاحكام الواقعية اللزومية انما يكون فيما اذا كانت الاحكام الترخيصية الواقعية ناشئة عن الملاكات والمبادي الواقعية فعندئذ يقع التزاحم الحفظي بينهما وهذا التزاحم غير التزاحم في مرحلة المبادي وغير التزاحم في مرحلة الامتثال فان التزاحم في مرحلة المبادي اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد فتقع المزاحمة بينهما واما التزاحم في مرحلة الامتثال فان المكلف لا يقدر على امتثال كلا الواجبين معا كالصلاة في اخر الوقت اذا كان مع وجوب ازالة النجاسة عن المسجد، فاذا صلى في المسجد اخر الوقت وكان المسجد نجسا فعندئذ تقع المزاحمة بين الاتيان بالصلاة وبين إزالة النجاسة، واما التزاحم الحفظي فهو غير التزاحم في مرحلة المبادي وغير التزاحم في مرحلة الامتثال

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo