< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تنجيز العلم الاجمالي
المعروف بين الأصوليين ان التزاحم على قسمين، التزاحم في مرحلة المبادي والتزاحم في مرحلة الامتثال، أما التزاحم في مرحلة المبادي فهو ما اذا كانت المصلحة والمفسدة في موضوع واحد أو المحبوبية والمبغوضية في موضوع واحد، فعندئذ تقع المزاحمة بينهما فإن كانتا متساويتين فتثبتان معا فلا يكون شيء منهما مؤثرا، وإن كانت احداهما أقوى من الاخرى فهي المؤثرة وهي الداعية لجعل الحكم .
وأما التزاحم في مرحلة الامتثال فهو انما يكون بين الواجبين او بين الواجب والحرام ومنشأ هذا التزاحم هو عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مرحلة الامتثال، فإن للمكلف قدرة واحدة وصرفها في احدهما يؤدي الى عجزه عن الاخر، فيقع التزاحم بينهما، فلا بد من الرجوع الى مرجحات باب المزاحمة .
وزاد بعض المحققين قسما ثالثا من التزاحم وهو التزاحم الحفظي، وموضوعه موارد الشك والجهل وموارد الاشتباه والالتباس، والدليلين المتزاحمين في مقام الحفظ لا تزاحم بينهما لا في مرحلة المبادي ولا في مرحلة الامتثال وانما التزاحم بينهما في مرحلة الحفظ مثلا الادلة التي تدل على جعل الحكم الظاهري الالزامي، فإنها كاشفة عن اهتمام المولى بالأغراض اللزومية المتمثلة في الملاكات والمبادي للأحكام الواقعية اللزومية حتى في مرحلة الجهل والشك ومرحلة الاشتباه والالتباس، فعدم رضائه بتفويتها حاصل حتى في هذه المرحلة.
وأما ادلة الاحكام الظاهرية الترخيصية فهي تكشف عن اهتمام المولى بالأغراض الترخيصية المتمثلة بالملاكات والمبادي للأحكام الواقعية الترخيصية، فإن ادلة الاحكام الظاهرية الترخيصية في مقام الشك والجهل وفي مقام الاشتباه والالتباس تكشف عن اهتمام المولى بالاغراض الترخيصية، فاهتمام المولى بالأغراض الترخيصية يقتضي الحفاظ عليها في مرحلة الشك والجهل ويتطلب من المولى الحفاظ عليها في مرحلة الاشتباه والالتباس .
فإذاً تقع المزاحمة بين الاغراض اللزومية والاغراض الترخيصية.
فالأغراض اللزومية تقتضي الحفاظ عليها في موارد الشك والجهل وموارد الاشتباه والالتباس والاغراض الترخيصية ايضا تقتضي الحفاظ عليها في هذه الموارد فتقع المزاحمة بينهما في هذه الموارد، ولا يمكن الجمع بينهما معا، فعندئذ في مورد يكون دليل الحكم الظاهري اللزومي موجودا دون دليل الحكم الظاهري الترخيصي، فلا بد من ترجيح الاغراض اللزومية على الاغراض الترخيصية، وإن كان العكس أي ان ادلة الاحكام الظاهرية الرتخيصية موجودة دون ادلة الاحكام الظاهرية اللزومية فعندئذ لا بد من تقديم الاغراض الترخيصية الواقعية على الاغراض اللزومية الواقعية في مقام الحفظ أي في موارد الشك والجهل وموارد الاشتباه والالتباس بأن يقول بأصالة البراءة او باستصحاب عدم الوجوب او عدم الحرمة والاخذ بالأمارات التي تتكفل الاحكام الترخيصية فإن كانت هذه الادلة موجودة فهي مرجحة للأغراض الترخيصية الواقعية على الاغراض اللزومية الواقعية في مقام الحفظ وان كانت ادلة الاحكام الظاهرية اللزومية موجودة فهي مرجحة لتقديم الاغراض اللزومية الواقعية في مقام الحفظ على الاغراض الترخيصية الواقعية في هذا المقام .
هذا ملخص ما ذكره (قد)[1] وتفصيل ذلك بأكثر من هذا سيأتي في مسألة الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي .
وهذا التزاحم مبني :
أولاً: على ان إباحة الاشياء مجعولة في الشريعة المقدسة بمعنى ان إطلاق العنان للإنسان مجعول في الشريعة المقدسة أي يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء ويتكلم ما يشاء ويسكت عما يشاء.
ولكن العقلاء بجعل الاحكام الاجتماعية والفردية والدينية بينهم يكون هذا الجعل بمثابة القيود والحدود لإطلاق عنان الانسان، واما الشرائع التي جاءت فهي جاءت بالحدود والقيود لهذا الاطلاق، فإن الانسان حر في الحدود المسموح بها شرعا أي حر في كلامه وحر في تعبيره لكن في الحدود المسموح بها شرعا وليس بحُرٍ في الكذب وهتك المؤمن وما شاكل ولكنه حر في كلام لا يمس حرمة شخص ولا يكون كذبا ولا غيبة على المؤمن وما شاكل ذلك وكذلك الحال في افعاله فإنه حر في الحدود المسموح بها شرعا بأن لا تكون من الافعال المحرمة وما شاكل ذلك .
فالتزاحم الحفظي بين الاغراض اللزومية وبين الاغراض الترخيصية مبني على ان تكون إباحة الاشياء مجعولة في الشريعة المقدسة.
ولكن الامر ليس كذلك إذ لا شبهة في ان اباحة الاشياء ثابتة اصالة وذاتا فان الانسان مطلق العنان ذاتا واصالة والتقييد والتحديد بحاجة الى الجعل، فطالما لم يرد منع من قبل الشارع او وجوب فهو مطلق العنان أي مباح له أي له ان يفعل وله ان لا يفعل.
وثانيا: مع الاغماض عن ذلك وتسليم ان اباحة الاشياء مجعولة في الشريعة المقدسة الا ان منشأ جعل هذه الاباحة هل هو وجود ملاكات ومباد في الواقع كالأحكام الالزامية؟ فإن جعلها حينئذ ناشئ عن وجود المقتضي لجعلها او ان جعلها ناشئ عن عدم وجود المقتضي للوجوب او الحرمة او ما يلحق بهما؟ فاذا لم يكن المقتضي للأحكام الالزامية او ما يلحق بها موجودا فإن الشارع يجعل الاحكام الترخيصية أي يجعل الاباحة، فجعل الاباحة منشأه عدم المقتضي لا وجود المقتضي، فعندئذ ايضا لا معنى للتزاحم بين الاغراض الترخيصية أي ليس هنا اغراض ترخيصية حتى تزاحم الاغراض اللزومية في مقام الحفظ، هذا كله في مقام الثبوت
وأما في مقام الاثبات فلا طريق لنا الى ملاكات الاحكام الشرعية، أي في هذا الفعل مفسدة وفي ذاك الفعل مصلحة، اذ مثل هذا بحاجة الى علم الغيب وليس لنا علم الغيب، ولهذا لا طريق لنا الا من طريق ثبوت الاحكام الشرعية فجعل الشارع لوجوب الفعل يكشف عن وجود مصلحة ملزمة فيه غير مزاحمة، لأن جعل الشارع الوجوب له ليس جزافا وبلا مبرر ونكتة، فالنكتة المبررة لهذا الجعل هو وجود مصلحة ملزمة في هذا الفعل وعدم وجود المزاحم لها، وإذا جعل الحرمة لفعل اخر فهذه الحرمة تكشف عن وجود مفسدة ملزمة في هذا الفعل .
فالطريق الى وجود المصالح والمفاسد في الافعال انما هو نفس ثبوت الاحكام الشرعية وبقطع النظر عنها فلا طريق لنا الى احراز مصلحة في فعل او مفسدة في فعل اخر .
وعلى هذا، فإذا جعل الشارع الاباحة للأشياء وجعل الترخيص الواقعي فلا يكون هذا كاشفا عن وجود مصلحة في متعلقه إذ كما يحتمل ذلك يحتمل ان يكون منشأه عدم وجود المصلحة فيه او عدم وجود المفسدة فيه، فكما يحتمل ان جعل الترخيص والاباحة مستند الى وجود المقتضي كذلك يحتمل ان يكون مستندا الى عدم وجود المقتضي.
فجعل الاحكام الترخيصية للأشياء لا تصلح ان تكون كاشفة عن وجود ملاكات ومبادي ترخيصية واقعية، فلا يمكن الالتزام بهذا التزاحم فانه مبني على هذه المقدمات وهي لا يمكن الالتزام بها .
هذا كله من ناحية مبادئ الاحكام الترخيصية .
وذكرنا ان الاحكام الترخيصية الظاهرية منشؤها المصلحة النوعية لا انها تكشف عن وجود اغراض ترخيصية واقعية واهتمام المولى بتلك الاغراض حتى في موارد الشك والجهل وموارد الالتباس ليس مفادها ذلك، اذ مفاد ادلة الاحكام الظاهرية الترخيصية التعذير أي ان المكلف معذور، ومصلحته مصلحة نوعية فان الترخيص الظاهري ناشئ عن المصلحة النوعية وهي المصلحة التسهيلية بالنسبة الى نوع المكلفين وهي تتقدم على المصالح والمفاسد الشخصية وتفصيل ذلك يأتي في مبحث الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي .
وأما في مرحلة الامتثال فأيضا لا تنافي بين الاحكام الواقعية وبين الترخيص الظاهري

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo