< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/05/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: وجوب الموافقة القطعية
إلى هنا قد تبين أن ما ذكر من التفصيل بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية وأن العلم الاجمالي لا يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية في الشبهات الحكمية وإنما يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية في الشبهات الموضوعية، لا وجه له،إذ يرد عليه:
أولاً: أن التكليف في الشبهات الحكمية إذا كان متعلقا بالجامع بحده الجامعي بدون تقييده بقيد خاص فهذا تام، كما اذا تعلق الوجوب بالصلاة بدون تقييدها بقيد خاص فعندئذ نكتفي في مقام الامتثال بإيجاد فرد منها، لأنها تنطبق عليه.
وأما إذا كان الجامع مقيد بقيد الخاص كقيد أحدهما أو أحدها فالأمر ليس كذلك، كما إذا فرضنا أن المكلف يعلم إجمالا بأن الواجب عليه أحدى الصلاتين إما الصلاة قصرا أو الصلاة تماما، كما اذا سافر أربعة فراسخ في مكان ولم يرجع في يومه وبقي هنا إلى ما دون عشرة إيام، ففي هذه المسـألة خلاف بين الفقهاء أن وظيفيته القصر أو أن وظيفته التمام، فلو فرضنا أن شخصا لم يثق لا بوجوب القصر ولا بوجوب التمام وبنى على الاحتياط وأن الواجب عنده أحدى الصلاتين في هذه الحالة أما الصلاة قصرا أو الصلاة تماما وهو يعلم بأن ذمته مشغولة بإحدى الصلاتين بعنوانها الخاص واسمها المخصوص، ولكنها مرددة بين الصلاة قصرا والصلاة تماما، فعندئذ إذا أتى بالصلاة قصرا فلا يحصل له القطع ببراءة الذمة لاحتمال أن الواجب عليه هو الصلاة تماما ولهذا لا بد له من الاتيان بالصلاة تماما ايضا ليحصل القطع بفراغ الذمة، لأنه يعلم بأن ذمته مشغولة بإحدى الصلاتين أما الصلاة قصرا بعنوانها الخاص واسمها المخصوص، أو بالصلاة تماما كذلك، فالاكتفاء بأحدهما لا يوجب حصول اليقين بالفراغ، فمن أجل ذلك لا بد من الاتيان بكلتا الصلاتين لأن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.
وعلى هذا فلا فرق بين الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية، فالعلم الاجمالي كما يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية في الشبهات الموضوعية كذلك يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية في الشبهات الحكمية.
وكذلك الحال إذا علم إجمالا بوجوب أحدى الصلاتين في يوم الجمعة، فإن ذمته مشغولة بإحدى الصلاتين بخصوصيتها وبعنوانها الخاص واسمها المخصوص ولكنها مرددة بين صلاة الظهر وصلاة الجمعة وهذا التردد من ناحية جهله، وإلا في الواقع وعلم الله معلوم أنه مكلف بأيٍ الصلاتين، فعندئذ إذا أتى بإحداهما دون الأخرى فلا يحصل له اليقين بفراغ الذمة وذمته مشغولة بإحداهما يقينا فإذا أتى بإحداهما فلا يحصل اليقين بفراغ الذمة ولا بد من الاتيان بالأخرى ليحصل اليقين بفراغ الذمة لأن ذمته مشغولة والشغل اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.
فالنتيجة إنه لا فرق بين الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية ولا وجه لهذا التفصيل.
وثانياً: إن هذا التفصيل مبني على ان يكون متعلق التكليف في الشبهات الحكمية الجامع الذاتي بدون تقييده بأي خصوصية، ومن الواضح أن التكليف إذا كان متعلقا بالجامع الذاتي فلا يسري الى أفراده في الخارج فعندئذ يكتفي في مقام الامتثال بالإتيان بأحد أفراده في الخارج لانطباق الجامع الذاتي عليه.
ولكن الأمر ليس كذلك، فإن متعلق التكليف في موارد العلم الاجمالي هو الجامع العنواني والجامع الانتزاعي وهو عنوان أحدهما أو أحدها وهو متعلق للتكليف، فإذا كان متعلق التكليف العنوان الانتزاعي المقيد بقيد خاص فهو يعلم باشتغال ذمته بالجامع المقيد بقيد خاص، ولا يمكن حصول اليقين بالفراغ من هذا الجامع الا بالإتيان بكلا الفردين أو بجميع أفراده في الخارج ولا يمكن حصول اليقين بالاكتفاء بالإتيان بأحد الفردين دون الفرد الأخر.
فما ذكر من هذا التفصيل بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية لا يرجع الى معنى محصل.
فالصحيح أنه لا فرق بين الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية، فالعلم الاجمالي كما أنه منجز لوجوب الموافقة القطعية العملية في الشبهات الموضوعية كذلك منجز لوجوب الموافقة القطعية العملية في الشبهات الحكمية أيضا.
قد يقال كما قيل: أن تنجز الحكم من شؤون الحكم بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي ومن أثاره وذلك، لأن معنى التنجز عبارة عن حكم العقل باستحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الواصل الى المكلف بوجوده العلمي واستحقاق المثوبة على موافقته، ومن الواضح أن موضوع هذا الحكم العقلي هو التكليف الواصل الى المكلف بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي.
وعلى هذا فكما أن العلم بالصورة الذهنية لا يسري الى الصورة الخارجية إذا يستحيل تعلق العلم بصورة الاشياء خارجا مباشرة، والعلم انما يتعلق بصورتها في عالم الذهن فلا يعقل سراية العلم من الصورة الذهنية الى الصورة الخارجية فكما لا يعقل تنجز الحكم بوجوده الواقعي الى تنجزه بوجوده الخارجي لا يعقل هذا، وعلى هذا فالتكليف المنجز في موارد العلم الاجمالي متعلق بالجامع المقيد بخصوصية ذهنية وهو الجامع بين الخصوصيتين في الخارج، فإذا كان متعلق التكليف المنجز الجامع المقيد بخصوصية ذهنية وهذه الخصوصية في الخارج مرددة بين الخصوصيتين فالجامع في الخارج جامع بين الخصوصيتين فهو ينطبق على كل منهما قهرا، فيكتفي بانطباقه على كل واحد منهما فإن معنى الامتثال هو انطباق الطبيعي على فرده في الخارج، وإذا انطبق الطبيعي المأمور به على فرده في الخارج حصل الامتثال وسقط الامر وما نحن فيه كذلك.
والجواب عن ذلك واضح، فإن الجامع في المقام مقيد بعنوان أحدهما أو أحدها ومن الواضح أن الجامع عنوان انتزاعي واختراعي فالعقل أخترع هذا الجامع المفهومي بالحمل الاولي للإشارة به الى واقع هذا الجامع بالحمل الشائع الصناعي تصديقيا بإشارة مرددة بين فردين أو أفراد، فعنوان احدهما عنوان مشير إلى الواقع الخارجي بإشارة مرددة الى الفردين المرددين في الخارج، والتردد انما هو من جهة جهل المكلف بالحال، وأما في الواقع وعلم الله فهو معلوم.
فإذاً التكليف متعلق روحا وحقيقة بالفرد بحده الفردي، فإذا عُلم إجمالا بوجوب إحدى الصلاتين في يوم الجمعة أما صلاة الظهر بخصوصيتها أو صلاة الجمعة بخصوصيتها فالعقل يخترع هذا المفهوم وهو مفهوم أحداهما المتخصِص بهذه الخصوصية أي خصوصية احداهما، يخترع هذا المفهوم في عالم الذهن بالحمل الاولي للإشارة به الى واقع هذا المفهوم بالحمل الشائع الصناعي تصديقيا بإشارة مرددة الى فردين في الخارج وهما صلاة الظهر وصلاة الجمعة، ففي الحقيقة الوجوب روحا تعلق بصلاة الظهر بحدها الفردي وبحدها الخاص وباسمها المخصوص، وكذلك الوجوب روحا وحقيقة تعلق بصلاة الجمعة بحدها الفردي وباسمها الخاص، ولكن مرددا بين هذه الصلاة وتلك، فالتكليف متعلق روحا بالفرد المردد بين الفردين بحده الفردي، ومن هنا قلنا أن جميع الاقوال في تفسير حقيقة العلم الاجمالي ترجع الى هذا القول، وهو أن التكليف متعلق روحا وحقيقة بالفرد بحده الفردي المردد بين فردين أو أكثر لأن العقل ينتزع مفهوم أحدهما في عالم الذهن بالحمل الاولي، لكي يشار به الى واقع هذا المفهوم بالحمل الشائع الصناعي تصديقا بإشارة مرددة بين هذا الفرد وذاك الفرد بحده الفردي، فلا محالة يكون التكليف متعلق روحا وحقيقة بالفرد بحده الفردي غاية الامر أن المكلف جاهل به ولا يعلم وأما في الواقع وعلم الله فهو معلوم، ولا فرق في ذلك بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية.
فالنتيجة أن القول بالتفصيل لا يرجع الى معنى محصل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo