< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: وجوب الموافقة القطعية العملية.
تحصّل مما ذكرنا أن ما ذكره المحقق العراقي(قد) من أنه لا يجوز الترخيص في بعض أطراف العلم الاجمالي لأنه يستلزم المخالفة الاحتمالية وهو غير جائز هذا لاذي ذكره(قد) غير تام، إذا لا مانع ثبوتا من جعل الترخيص الظاهري في تمام أطراف العلم الاجمالي فضلا عن بعض أطرافه وقد تقدم الكلام في ذلك.
نعم الأصول العملية المؤمنة كأصالة البراءة لا تجري في المقام أي في موارد الشك في الامتثال بعد العلم بالتكليف وحدوثه وذلك من وجوه:
الأول: أن أصالة البراءة محكومة بالاستصحاب على المشهور فإذا شككنا بعد دخول وقت الصلاة بالإتيان بها وعدم الاتيان بها فلا مانع من استصحاب عدم الاتيان بها وهذا الاستصحاب حاكم على أصالة البراءة على المشهور، واما بناءً على ما ذكرناه فالاستصحاب مقدم على البراءة بملاك الجمع الدلالي والعرفي لا بملاك الحكومة.
الثاني: إن ادلة أصالة البراءة لا تشمل موارد بقاء الحكم من جهة الشك في امتثاله فأدلة أصالة البراءة مختصة بموارد الشك في حدوث التكليف وجعله في الشريعة المقدسة ولا تشمل موارد الشك في الامتثال بعد العلم بحدوثه ولا أقل من انصرافها عن هذه الموارد.
الثالث: انه لا يمكن تطبيق أصالة البراءة على موارد الشك في بقاء الحكم بعد اليقين بثبوته في الشريعة المقدسة لأنه ليس بمؤمن فإن تطبيق أصالة البراءة على موارد الشك في بقاء الحكم لا يكون مؤمنا لأن المؤمن هو اليقين بحصول البراءة للذمة عما اشتغلت به يقينا فإن المكلف يعلم يقينا أن ذمته مشغولة بالصلاة بعد دخول الوقت ولكنه شاك في أنه برئت ذمته عنها بالإتيان بها أو لم تفرغ فلا بد من تحصيل اليقين بالفراغ ولا يمكن تطبيق أصالة البراءة على المقام لأنها ليست مؤمنة والمؤمن هو اليقين بالبراءة ظاهرا كما في موارد قاعدة الفراغ والتجاوز فإن قاعدة الفراغ مؤمنة من العقاب ظاهرا وكذا قاعدة التجاوز.
وبعبارة أخرى أن للشك في بقاء الحكم حالتين:
الحالة الأولى: حالة حدوثه.
الحالة الثانية: حالة بقائه.
أما الحالة الأولى فهي متيقنة ومعلومة بالوجدان وأما الحالة الثانية فهي مشكوكة وتطبيق أصالة البراءة لا يمكن على الحالة الاولى إذا لا موضوع للأصالة في هذه الحالة لأن موضوعها الشك في حدوث الحكم وفي هذه الحالة حدوث الحكم معلوم وجدانا.
وأما تطبيق أصالة البراءة على الحالة الثانية بنفسها وبقطع النظر عن الحالة الاولى أيضا لا يمكن لأن الحالة الثانية بنفسها وبقطع النظر عن الحالة الأولى لا يترتب عليها أثر حتى يمكن تطبيق أصالة البراءة عليها وأما تطبيقها عليها بلحاظ الحالة الاولى فلا يمكن لأن تطبيقها عليها بلحاظ الحالة الاولى لا يكون مؤمنا والمؤمن انما هو اليقين بفراغ الذمة وأصالة البراءة ليست يقينا بفراغ الذمة.
فمن أجل ذلك أصالة البراءة لا تجري في موارد الشك في بقاء الحكم من جهة الشك في امتثاله بعد اليقين بحدوثه.
ثم ان تمامية الوجه الاول الذي ذكرنا الآن وهو عدم جريان أصالة البراءة في موارد الشك في بقاء الحكم تتوقف على مقدمتين:
المقدمة الاولى: حجية الاستصحاب حتى في المقام.
المقدمة الثانية: عدم جريان أصالة البراءة في المقام .
أما المقدمة الاولى فالظاهر أنه لا أشكال فيها فلا مانع من جريان استصحاب عدم الاتيان بالمأمور به عند الشك في الاتيان فلأنه إذا دخل وقت الصلاة وشك المكلف بعد ساعة او اكثر أنه اتى بالصلاة أولا فلا مانع من استصحاب عدم الاتيان بها ويترتب على هذا الاستصحاب وجوب الاتيان بالصلاة، واما ما ذكره شيخنا الانصاري(قد) في المقام من ان هذا الاستصحاب لا يجري وقد أفاد في وجه ذلك أن موضوع وجوب الاتيان بالصلاة محرز بالوجدان وهو الشك في الاتيان بها فإذا شك المكلف في الاتيان بالصلاة بعد العلم بثبوتها في ذمته يترتب على هذا الشك وجوب الاتيان بها ومن الواضح أن هذا الشك محرز بالوجدان فإن المكلف بالوجدان شاك في الاتيان بها، فموضوع الاتيان بالصلاة بعد العلم بثبوتها في الذمة محرز بالوجدان فعندئذ لا معنى للتمسك بالاستصحاب وإثبات هذا الوجوب به لأنه من تحصيل الحاصل بل هو من أردئ أنحاء تحصيل الحاصل فإن ما هو حاصل بالوجدان تحصيله بالتعبد من أردئ أنحاء تحصيل الحاصل فمن أجل ذلك لا يجري هذا الاستصحاب.
هكذا ذكره شيخنا الانصاري(قد).
وللمناقشة فيه مجال.
فإن موضوع وجوب الاتيان بالصلاة أمران، أحدهما الشك في الاتيان بها فإذا شك المكلف في الاتيان بالصلاة بعد العلم بثبوتها في الذمة وجب على المكلف الاتيان بها لأن الشغل اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني ووجوب هذا الاتيان مستند الى قاعدة الاشتغال والفرد الاخر لهذا الموضوع هو عدم الاتيان بها واقعا، فإذا لم يأت المكلف بالصلاة واقعا وجب عليه الاتيان بها، كما إذا شك في الاتيان بها بعد العلم بثبوتها في الذمة وجب الاتيان بها فكذلك إذا علم أنه لم يأت بها وجب الاتيان بها واقعا واستصحاب عدم الاتيان بها يحرز الواقع وانه لم يأت بها غاية الامر يحرز الواقع تعبدا لا وجدانا فمن اجل ذلك يكون الاستصحاب حاكما على قاعدة الاشتغال ورافعا لموضوعه فلا مانع من هذا الاستصحاب بل هذا الاستصحاب مانع عن التمسك بقاعدة الاشتغال لأنه حاكم عليها ورافع لها بارتفاع موضوعها على تفصيل ذكرناه سابقا.
هذا كله في الامر الاول الذي ذكره المحقق العراقي(قد) فإنه أستدل بأمرين، الامر الاول قد تقدم وما هو جوابه.
الامر الثاني: ذكر(قد) أن العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية العملية إذ لو لم يكن علة تامة لوجوب الموافقة القطعية العملية فلا يكون مانعا من جعل الترخيص في بعض أطراف العلم الاجمالي المستلزم للمخالفة الاحتمالية مع انه غير جائز فعدم جوازه يدل على ان العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية العملية فقد أفاد في ذلك أن ادلة الأصول العملية المؤمنة لا تجري في تمام اطراف العلم الاجمالي لاستلزامه المخالفة القطعية العملية فإذا علم المكلف بان أحد الاناءين خمر أما الاناء الشرقي أو الاناء الغربي فعندئذ لا يمكن شمول أدلة الاصول العملية المؤمنة لكلا طرفي العلم الاجمالي أي لكلا الاناءين معا لاستلزامه المخالفة القطعية العملية وهي قبيحة بحكم العقل وتفويت لحق طاعة المولى وهو ظلم بل هو من أظهر أفراد الظلم فلا يجوز ذلك.
واما جريانها في بعضها دون بعضها الاخر معينا فهو ايضا لا يمكن لأنه ترجيح من غير مرجح لأن نسبة أدلة الاصول العملية الى كلا الطرفين على حد سواء فشمولها لأحدهما المعين دون الاخر ترجيح من غير مرجح وهو لا يمكن، واما شمولها لأحدهما غير المعين فأيضا لا يمكن لأنه إن أريد من أحدهما لا بعينه أحدهما المفهومي فلا وجود له في الخارج وإنما هو موجود في وعاء الذهن فقط ومجرد مفهوم ولا واقع موضوعي له فليس فردا للعلم الاجمالي أي ليس فردا للمعلوم بالإجمال وإن أريد بأحدهما لا بيعنه أحدهما المصداقي وهو الفرد المردد فهو غير معقول لأن وجود الفرد المردد في الخارج غير معقول.
فإذاً لا يمكن شمول ادلة الاصول العملية بإطلاقها لكلا الطرفين معا لاستلزامه المخالفة القطعية العملية وهي قبيحة بحكم العقل ولا لأحدهما المعين دون الاخر للترجيح من غير مرجح ولا لأحدهما لا بعينه لأنه اما انه لا واقع موضوعي له أو انه لا يعقل وجوده في الخارج.
ولكن لا مانع من تقييد إطلاق أدلة الاصول العملية لكل من الطرفين مشروطا بترك الطرف الاخر بأن يشمل كل من الطرفين مشروطا بترك الطرف الاخر ونتيجة ذلك أن المكلف إذا ترك كليهما أي ترك شرب الاناء الشرقي وترك شرب الاناء الغربي صار كلا الترخيصين فعليا بفعلية شرطه، ولكن هذا الترخيص لا يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية العملية فإنه جمع بين الترخيصين والجمع بين الترخيصين لا يستلزم الترخيص في الجمع بين الطرفين بل لا يمكن الجمع بين الطرفين لأن المكلف إذا شرب أحدهما فقد انتفى الترخيص في الاخر بانتفاء شرطه فإن ثبوت الترخيص في كل منهما مشروط بترك الاخر فإذا أرتكب أحدهما انتفى الترخيص في الاخر بانتفاء شرطه فجعل الترخيص الظاهري لكل من الطرفين مشروطا بترك الاخر وان استلزم فعلية كلا الترخيصين إذا ترك المكلف كلا الطرفين معا إلا ان الجمع بين الترخيصين لا يستلزم الترخيص في الجمع بين الطرفين بل الجمع بين الطرفين غير ممكن لأنه إذا ارتكب احد الطرفين انتفى الترخيص في الطرف الاخر بانتفاء شرطه وهو ترك الطرف الاخر.
هكذا ذكره المحقق العراقي(قد) [1]فما ذكره(قد) نقطتان:
الاولى: أن ادلة الاصول العملية لا تشمل أطراف العلم الاجمالي لا كلا ولا بعضا معينا ولا بعضا غير معين ولكن لا مانع من شمولها لكل منهما مشروطا بترك الاخر.
الثانية: انه لا مانع من شمول إطلاق أدلة الاصول العملية لكل منهما مشروطا بترك الاخر.
والجواب عن النقطة الاولى قد تقدم من أن ادلة الاصول العملية لا إطلاق لها ولا تشمل أطراف العلم الاجمالي لا كلا ولا بعضا ولا أقل من أنها منصرفة عنه.
وأما النقطة الثانية فعلى تقدير التسليم أن لها إطلاق ويمكن تقييد إطلاق كل منهما بترك الطرف الاخر فتشمل بإطلاقها كل من الطرفين مشروطا بترك الطرف الاخر فقد ذكر جماعة أن هذا غير ممكن وقد أستدل على ذلك بوجوه منها ما ذكره السيد الاستاذ(قد).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo