< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فروع
الوجه الثالث من الوجوه التي استدل بها على ان العقد الواقع بين المتخاصمين انفساخ واقعي: أن تحالف المدعيين في باب التداعي سبب لانفساخ العقد إذا كان المال قبل القبض فإن مقتضى نفوذ اليمين وحكم الحاكم عدم جواز المرافعة لصاحب الحق مرة ثانية عند حاكم اخر بعد حكم الحاكم الاول كما لا يجوز لصاحب الحق ان يأخذ مال غير المحق بديلا عن ماله تقاصا بل لا يجوز له ان يأخذ ماله عيلة، فإذاً جميع طرق وصول المالك الى ماله منسدة فليس له أي لون من الوان التصرف في ماله سواء أ كان تصرفا خارجيا ام كان تصرفا اعتباريا ومثل هذا المال يعد بنظر العرف تالفا فإن المراد من التلف ليس تلف وجود المال فإن مال المسروق موجود عند السارق مع انه بنظر العرف تالف او المال الذي أخذه الظالم موجود مع انه بنظر العرف تالف فكل مال لا يتمكن المالك من أي لون من الوان التصرف فيه لا التصرف الخارجي ولا التصرف الاعتباري فهو بنظر العرف تالف.
وعلى هذا فإن البائع يدعي ان المثمن هو كتاب البحار والمشتري يدعي انه كتاب الجواهر والبائع منكر لذلك فإذ لم تكن للمشتري بينة على ذلك فيحلف البائع فاذا حلف مقتضى نفوذ حلفه وحكم الحاكم عدم مطالبة المشتري لكتاب الجواهر ولا يجوز له أخذ بدله تقاصا، فإذاً يعد كتاب الجواهر بمثابة التالف فاذا كان بمثابة التالف عرفا فهو مشمول للرواية[1] التي تدل على ان المبيع اذا تلف قبل قبضه فهو من مال البائع فهي تدل بالمطابقة على ان تلف المبيع قبل القبض من مال البائع وبالالتزام على انفساخ العقد واقعا بين البائع والمشتري إذ لو لم ينفسخ العقد لم يكن تلف المبيع من مال البائع لأن المفروض انه انتقل الى المشتري غاية الامر ان المشتري لم يقبضه، فإذاً هذه الروايات تدل بالالتزام على انفساخ العقد الواقع بينهما حقيقة وانتقال كل من الثمن والمثمن الى مالكه الاول فيقع تلف المبيع من مال البائع لا من مال المشتري.
والخلاصة ان المراد من التلف الذي هو موضوع هذه الرواية اعم من التلف الحقيقي والعرفي سواء أ كان التلف حقيقا ام كان حكميا فالموضوع محقق وفي المقام التلف العرفي الحكمي موجود فإذاً تكون الرواية شاملة للمقام فتدل بوضوح على انفساخ العقد واقعا بل مقتضى الارتكاز العرفي انه لا خصوصية للتلف بل العبرة إنما هي بامتناع البائع عن تسليم المبيع للمشتري فاذا امتنع البائع عن تسليم المبيع للمشتري فيكون هذا بنظر العرف تلفا لمال المشتري فإن روح المعاملة وحقيقتها متقوّمة بالتسليم والتسلم فاذا امتنع التسليم والتسلم فالمعاملة انفسخت واقعا فيرجع كل من العوضين الى ملك مالكه الاصلي.
فالنتيجة أن الحال في المدعيين في المقام سبب لتحقق موضوع هذه الرواية وهذه الرواية تدل بوضوح على انفساخ العقد الواقع بين المتداعيين واقعا.
هذا ما في هذا الوجه.
والجواب عن ذلك: أن مدرك هذا الوجه ضعيف لأنه متثمل في روايتين:
الاولى: النبوية المشهورة في ألسنة الاصحاب[2] قال النبي صلى الله عليه وآله: كل مبيع تلف قبل قبضه، فهو من مال بايعه.
وقد عملوا بها ولكنها لم تنقل من طريقنا وإنما نقلت من طرق العامة فمن اجل ذلك لا يمكن الاعتماد عليها لضعفها سندا.
ودعوى ان المشهور قد عملوا بها بل العمل بها مجمع عليه فضلا عن الشهرة.
مدفوعة بأن عمل المشهور في نفسه لا يكون حجة فكيف يكون جابرا لضعف الرواية ويجعل الرواية الضعيفة مشمولة لدليل الاعتبار، بل الاجماع لا يمكن ان يجعل الرواية الضعيفة رواية معتبرة فضلا عن عمل المشهور فإن عمل المشهور انما يوجب جبر ضعف الرواية اذا توفر فيه امران:
الاول: ان يكون العمل عمل مشهور المتقدمين.
الثاني: ان يكون هذا العمل واصلا إليهم من زمن الائمة(ع) يدا بيد وطبقة بعد طبقة فاذا توفر هذان الامران فعندئذ يكون هذا العمل حجة ويصلح ان يكون جابرا لضعف الرواية.
ولكن لا طريق لنا في المقام من أحراز أي من الامرين وعلى تقدير احراز الامر الاول فلا طريق لنا الى احراز الامر الثاني وهو وصوله من زمن الائمة(ع) الينا فمن اجل ذلك لا أثر لعمل المشهور بهذه الرواية.
الرواية الثانية: رواية خالد بن يعقوب عن ابي عبد الله(ع)[3] في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، قال : آتيك غدا إن شاء الله فسرق المتاع، من مال من يكون ؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فاذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله اليه.
فهذه الرواية واضحت الدلالة على ان المبيع اذا تلف قبل قبضه فهو من مال البائع فهذه الروية تدل بالالتزام على انفساخ العقد الواقع بينهما واقعا وحقيقة ورجوع كلا من الثمن والمثمن الى مالكه رجوع المبيع الى البائع ورجوع الثمن الى المشتري حتى يقع تلفه من مال البائع، فهذه الرواية واضحة الدلالة ولكنها ضعيفة من ناحية السند فإن في سندها محمد بن عبد الله بن الهلال وهو لم يثبت توثيقه فمن اجل ذلك لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية.
واما دعوى الاجماع في المسألة على هذه القاعدة فلا يمكن الاعتماد على هذه الدعوى:
أولاً: ان هذا الاجماع محتمل المدرك لاحتمال ان مدرك هذا الاجماع هو هاتان الروايتان.
وثانيا: ان الاجماع في نفسه لا يكون حجة الا اذا وصل من زمن الائمة(ع) الينا يدا بيد وطبقة بعد طبقة ولا طريق لنا الى احراز كون هذا الاجماع كذلك.
ومن هنا لا أثر لدعوى الاجماع في المقام، هذا أولاً.
وثانياً: أن هاتين الروايتين أخص من المدعى في المقام هو التداعي سواء أ كان هذا لتداعي قبل القبض او بعد القبض والروايات تدل على ان التلف اذا كان قبل القبض فهو يوجب انفساخ العقد اوقعا فإذاً هاتان الروايتان أخص من المدعى فلا يمكن الاستدلال بهما على المدعى لأن الدليل اخص من المدعى.
وثالثاً: أن هاتين الروايتين لا تشملان المقام لأن الظاهر من التلف هو تلف المال عند البائع فاذا تلف المال من عند البائع قبل قبض المشتري فهو من مال البائع سواء أ كان تلفه حقيقا او عرفيا كما اذا اخذه ظالم او ما شاكل ذلك واما اذا كان المال موجودا عند البائع غاية الامر انه امتنع عن التسليم فهذا لا يعد تالفا إذ المال موجود غاية الامر ان البائع امتنع عن تسليمه وبإمكان المشتري ان يأخذ هذا المال بطريقة او أخرى ومثل هذا لا يعد بنظر العرف تالفا حتى يكون مشمولا لهاتين الروايتين.
فإذاً لا يمكن الاستدلال بها في المقام على انفساخ العقد الواقع بينهما واقعا اذا تلف المبيع قبل القبض لعدم صدق التلف على ما اذا كان المبيع موجودا عند البائع غاية الامر ان البائع امتنع عن التسليم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo