< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/07/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
الى هنا قد تبين أن ما ذكره شيخنا الانصاري (قد) من المصلحة السلوكية القائمة بسلوك الامارة المخالفة للواقع وقد التزم بهذه المصلحة من جهة الدلالة الالتزامية فإن الامارة المخالفة للواقع حيث انها تستلزم إما تفويت المصلحة الملزمة او القاء العبد في المفسدة الملزمة وكلاهما قبيح بحكم العقل العملي وصونا لحفظ كلام المولى عن القبيح لا بد من الالتزام بالدلالة الالتزامية فإن دليل الحجية يدل على حجية الامارات المخالفة للواقع بالمطابقة ويدل بالالتزام على وجود مصلحة في سلوك الامارة والعمل بها فمن اجل ذلك التزم (قد) بالمصلحة السلوكية.
ولكن تقدم أنه لا يمكن الالتزام بها أما من جهة ان الالتزام بها يستلزم التصويب وانقلاب الواقع او انه يستلزم المحال أي يستلزم من فرض وجود الامارة عدمها وقد تقدم ذلك .
الطريق الثاني الذي ذكره شيخنا الانصاري(قد) للجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي وكذلك غيره: ان الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي ومتأخر عنه بمرتبتين فإنه متأخر عن الشك تأخر الحكم عن موضوعه والشك متأخر عن الحكم الواقعي تأخره عن متعلقه فالنتيجة أن الحكم الظاهري متأخر عن حكم الواقعي بمرتبتين فعندئذ لا يلزم محذور اجتماع الضدين ولا تنافي بين الحكم الظاهري الذي هو متأخر عن الحكم الواقعي بمرتبتين وبين الحكم الواقعي ولا يلزم اجتماعهما في شيء واحد وفي رتبة واحدة كي يلزم اجتماع الضدين هكذا ذكره(قد) وكذلك غيره.
ويرد على هذا الطريق وجوه:
الوجه الاول: ان الحكم الظاهري وإن كان متأخرا عن الحكم الواقعي بمرتبتين إذ الحكم الظاهري متأخر عن الشك تأخر الحكم عن موضوعه رتبة وكذلك الشك متأخر عن الحكم الواقعي تأخره عن متعلقه فالنتيجة أن الحكم الظاهري متأخر هذا صحيح إلا أنه لا يمنع من اجتماع الضدين في مرحلة المبادئ فإن اجتماع الضدين بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري في مرحلة الجعل لا مانع منه وهذا التأخر الرتبي لو كان مانعا عن اجتماع الضدين إنما هو مانع عن اجتماعهما في مرحلة الجعل فالحكم الظاهري بما هو اعتبار في مرحلة الجعل لا ينافي الحكم الواقعي كذلك لما ذكرناه غير مرة من انه لا تتصور المضادة بين الامور الاعتبارية والاحكام الشرعية حيث انها امور اعتبارية فلا تتصور المضادة بينها والمضادة بينهما إنما هي في مرحلة المبادئ فإن الامارة إذا قامت على وجوب شيء وكان في الواقع حراما فعندئذ يلزم اجتماع المصلحة الملزمة مع المفسدة الملزمة في شيء واحد في مرحلة المبادئ وهذا مستحيل فاجتماع الارادة مع الكراهة والحب مع البغض في شيء واحد وهذا مستحيل فإن الامارة التي تدل على وجوب شيء وكان في الواقع محرما فالأمارة تكشف عن وجود مصلحة ملزمة في هذا الشيء والمفروض انه مشتمل على مفسدة ملزمة فعندئذ يلزم اجتماع المصلحة مع المفسدة في شيء واحد وهو مستحيل وعلى هذا فتأخر الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي انما هو في مرحلة الجعل وفي هذه المرحلة لا تنافي بينهما والتنافي انما هو بينهما في مرحلة المبادئ فإن المصلحة لا تجتمع مع المفسدة في شيء واحد والمحبوبية لا تجتمع مع المبغوضية في شيء واحد وكذلك الارادة والكراهة.
فالنتيجة أن هذا الطريق غير صحيح .
الوجه الثاني: ان تأخر الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي انما هو في الرتبة فإن الحكم الظاهري متأخر عن الحكم الواقعي رتبة مع تقارنه معه زمنا ومن الواضح ان استحالة اجتماع الضدين انما هو في زمن واحد أي يستحيل اجتماع الضدين في زمن واحد وإن كان احدهما متقدما على الاخر رتبة فإن عالم الرتب انما هو عالم تحليلي من قبل العقل ولا واقع موضوعي له في الخارج والاحكام الشرعية غير مجعولة للرتب بين الاشياء فإن عالم الرتب عالم التحليلات من قبل العقل والاحكام الشرعية مجعولة للموجودات الزمانية فالتقدم والتأخر انما يلحظ بين متعلقات الاحكام وبين نفس الاحكام الشرعية والتقدم والتأخر ملحوظ بلحاظ الزمان لا بلحاظ الرتب العقلية وقد ذكرنا غير مرة ان تقدم شيء على شيء اخر رتبة بحاجة الى ملاك بعد تقارنهما زمنا فتقدم أحدهما على الاخر رتبة بحاجة الى ملاك ولا يمكن ان يكون جزافا فالعلة تتقدم على المعلول رتبة قضاءً لحق العليّة وأما عدم العلة الذي هو في مرتبة العلة لأن النقيضين في مرتبة واحدة فعدم العلة في مرتبة العلة مع انه لا يكون متقدما على المعلول رتبة لعدم الملاك لهذا التقدم فإذاً العلة متقدمة على المعلول رتبة قضاءً لحق العلية وأما عدم العلة الذي هو في مرتبة العلة فلا يكون متقدما على المعلول رتبة وكذلك الشرط متقدم على المشروط رتبة قضاءً لحق الشرطية وأما عدم الشرط الذي هو في مرتبة الشرط فهو لا يكون متقدما على المشروط رتبة فإن التقدم الرتبي بحاجة الى ملاك ومبرر ولا يكون لغوا بعد تقدمهما زمانا وما نحن فيه كذلك فإن الحكم الواقعي وإن كان متقدم رتبة عل الحكم الظاهري إلا انهما متقارنان زمانا فإذا كانا متقارنين زمنا فلا يجوز اجتماعهما في شيء واحد إذا قلنا ان اجتماع الوجوب مع الحرمة في شيء واحد لا يمكن ومن اجتماع الضدين فلو قلنا ان اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد في زمن واحد من اجتماع الضدين فلا يمكن اجتماع الحكم الواقعي مع الحكم الظاهري في شيء واحد فإذا قامت الامارة على وجوب شيء وكان في الواقع حراما فالوجوب الظاهري لا يجتمع مع الحرمة الواقعية لأنهما متقارنان زمنا أي في زمن واحد وإن كانت الحرمة متقدمة على الوجوب رتبة الا ان الاحكام الشرعية مجعولة للموجودات الزمانية لا للموجودات الرتبية فلا أثر للتحليلات العقلية والاثر انما هو مترتب على الواقعيات والموجودات الزمانية.
فالنتيجة أن تأخر الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي لا يدفع محذور اجتماع الضدين.
الوجه الثالث: سلمنا ان تأخر الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي يدفع محذور اجتماع الضدين فلا يلزم من اجتماعهما اجتماع الضدين في شيء واحد في رتبة واحدة إلا ان هذا الطريق لا يدفع جميع المحاذير التي تلزم من اجتماع الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي إذ هو إنما يدفع محذور اجتماع الضدين فقط ولا يدفع محذور القاء العبد في المفسدة الملزمة ولا محذور تفويت المصلحة الملزمة فلا يمكن الاخذ بهذا الدليل لأنه لا يدفع جميع المحاذير التي تلزم من اجتماع الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى قد اُستشكل على اصل هذا الطريق وهو تأخر الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي وحاصل هذا الاشكال أن الحكم الظاهري وإن كان متأخرا عن الحكم الواقعي الا ان الحكم الواقعي ثابت في مرتبة الحكم الظاهري ايضا لأن الاحكام الواقعية مشتركة بين العالم والجاهل ولا تختص بالعالم فكما انه ثابت للعالم فكذلك ثابت للجاهل والشاك ايضا فإذاً الحكم الظاهري وان لم يكن ثابتا في جميع مراتب الحكم الواقعي فإن الحكم ظاهري غير ثابت في موارد العلم بالحكم الواقعي وأما الحكم الواقعي فهو ثابت في موارد ثبوت الحكم الظاهري فإن الحكم الظاهري ثابت للشاك والحكم الواقعي ايضا ثابت للشاك فعندئذ يلزم محذور اجتماع الضدين في مرتبة واحدة.
ولكن هذا الاشكال لا أساس له فإن في هذا الاشكال خلط بين ثبوت الحكم الواقعي في موارد الشك وموارد الجهل وبين ثبوت الحكم الظاهري فإن الشك مأخوذ في موضوع الحكم الظاهري والحكم الظاهري ثابت للشاك بوصفه العناني فإن الشاك بوصفه العنواني موضوع للحكم الظاهري واما الحكم الواقعي فهو ثابت للجامع ولم يأخذ في الجامع لا الشك ولا العلم فالحكم الواقعي ثابت للجامع وهو موضوع للحكم الواقعي والجامع قد ينطبق على العالم بالحكم وقد ينطبق على الجاهل بالحكم وعلى الشك فالعالم بالحكم مصداق للموضوع لا انه نفس الموضوع والجاهل بالحكم والشاك فيه مصداق للموضوع لا انه موضوع للحكم فالموضوع هو الجامع ولم يأخذ شيء من الخصوصية في الموضوع لا خصوصية العلم ولا خصوصية الجهل ولهذا ينطبق على العالم والجاهل معا فإذاً هذا الاشكال مبني على الخلط وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo