< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
الوجه الرابع : ما ذكره المحقق العراقي(قد) بعد تسليم ان الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي يستلزم اجتماع الضدين تارة واجتماع المثلين تارة اخرى وهو مستحيل وقد أجاب(قد) عن ذلك بتقريب أنه يكفي في دفع محذور اجتماع الضدين او اجتماع المثلين تعدد الجهات والحيثيات وإن كان المعروض واحد وجودا وماهية وإن كان العنوان متعددا.
فالمعروض وإن كان واحد وجودا وماهية إذا كانت الحيثيات متعددة والجهات مختلفة فهذا يكفي في دفع محذور استحالة اجتماع الضدين او المثلين مثلا القيام موجود واحد ولكن اذا كان بعنوان احترام المؤمن فهو حسن وفيه مصلحة وإن كان بعنوان الاستهزاء وهتك المؤمن فهو قبيح وفيه مفسدة مع ان المعنون واحد وجودا وماهية والاختلاف انما هو في العنوان وكذلك الحال في ضرب اليتيم فإن ضربه إن كان بعنوان التأديب فهو حسن وفيه مصلحة وإن كان بعنوان الايذاء فهو قبيح وفيه مفسدة فيختلف شيء واحد وجودا وماهية باختلاف الحيثيات والجهات والعناوين.
فإذاً يكفي في دفع عائلة اجتماع الضدين او المثلين تعدد العنوان وإن كان المعنون واحدا وجودا وماهية وتعدد الجهات والحيثيات.
بل ذكر(قد) أنه يكفي موجودا واحدا بعنوان واحد فإن الموجود الواحد بعنوان واحد يختلف باختلاف المقدمات فيكون مطلوبا من ناحية مقدمة ولا يكون مطلوبا من ناحية مقدمة أخرى مع ان المقدمة ليست من حيثيات ذيها ولا من جهاته ولا عنوان لذيها.
فالشيء الواحد المعنون بعنوان واحد يختلف حكمه باختلاف مقدماته فهو مطلوب من ناحية مقدمة ولا يكون مطلوبا من ناحية مقدمة أخرى فتحقق الواقع المطلوب من المولى وانبعاث المكلف نحو الاتيان به وتحريكه بحاجة الى مقدمات وهذه المقدمات بيد الشارع.
منها ارادة المولى بأن يكون المولى اراد الواقع واراد الاتيان به ومنها الخطاب الواقعي المتعلق به ومنها الخطاب الظاهري المتعلق به في فرض الجهل بالواقع.
فقد يكون الواقع مطلوبا من ناحية الخطاب الواقعي وقد يكون مطلوبا من ناحية الخطاب الظاهري في فرض الجهل بالواقع فحال المقدمات حال الحيثيات والجهات المتعددة فكما ان الحيثيات المتعددة كافية في دفع محذور استحالة اجتماع الضدين والمثلين فكذلك تعدد المقدمات.
هكذا ذكره (قد) [1]
وللمناقشة فيه مجال واسع:
أما أولاً: فلأن الحيثيات إن كانت من الحيثيات التقيدية فما ذكره صحيح ولكن عندئذ لا يلزم اجتماع الضدين في شيء واحد فإن الحيثيات إذا كانت من الحيثيات التقيدية فتعددها يوجب تعدد الموضوع والعنوان إن كان من العناوين التقيدية أي قيدا للواجب فتعدده يوجب تعدد الموضوع وعندئذ لا يجتمع الوجوب مع الحرمة في شيء واحد ولا المصلحة والمفسدة ولا الكراهة والارادة ولا الحب والبغض.
فإذاً هذه الحيثيات والجهات إن كانت من الحيثيات والجهات التقيدية فعندئذ لا يلزم اجتماع الضدين او المثلين فإنها سالبة بانتفاء الموضوع وإن كانت من الحيثيات التعليلية فلا شبهة في انها لا تدفع محذور استحالة اجتماع الضدين فإن المعروض للوجوب والحرمة شيء واحد فيستحيل اجتماعهما فيه لأن اجتماعهما فيه يكشف عن اجتماع المصلحة والمفسدة فيه وهذا مستحيل ويكشف عن اجتماع الارادة والكراهة واجتماع الحب والبغض فيه وهو مستحيل.
فإذاً إن كانت الحيثيات من الحيثيات التعليلية يعني أنها شرط للوجوب فإن الحيثيات التعليلية شرط للوجوب ولاتصاف الفعل بالملاك وليس قيدا للموضوع وأما الحيثيات التقيدية فهي قيد للموضوع وجزء الموضوع وأما الحيثيات التعليلية كالاستطاعة والبلوغ والعقل وما شاكل ذلك فإنها حيثيات تعليلية علة للوجوب ولاتصاف الفعل بالملاك فليس جزء الموضوع وقيد له فعندئذ اذا كانت الحيثيات حيثيات تعليلية فهي لا تدفع محذور استحالة اجتماع الضدين او اجتماع المثلين لأن المعروض للضدين واحد فيستحيل اجتماعهما فيه والمعنون واحد وجودا وماهية فيستحيل اجتماع الضدين فيه او المثلين والمفروض ان المقدمات حيثيات تعليلية وليست حيثيات تقيدية وتعددها لا يجدي في دفع محذور استحالة اجتماع الضدين او اجتماع المثلين.
هذا مضافا إلى أن المقدمات في المقام ليست من الحيثيات التعليلية ولا من الحيثيات التقيدية فإن المقدمات في المقام عبارة عن ارادة المولى وهي ليست حيثية تقيدية للمأمور به ولا حيثية تعليلية للمأمور به ومن المقدمات خطاب المولى المتعلق بالواقع ومن الواضح ان خطاب المولى ليس جهة تقيدية إذ هو متعلق بالمأمور به المركب من الأجزاء والمقيد بقيود فكيف يعقل ان يكون الخطاب جهة تقيدية أي قيد للمأمور به فهو غير معقول فخطاب الشارع متعلق بالواقع كالصلاة والصوم وما شاكل ذلك ولا يكون جهة وحيثية تقيدية ولا تعليلية ولا عنوان للمأمور به فإن الخطاب المتعلق بالمأمور به ليس عنوانا للمأمور به فإن هذا الخطاب المتعلق بالمأمور به يكشف عن ان المأمور به مراد للمولى جدا ومشتمل على مصلحة ملزمة ومحبوب للمولى فشأن الخطاب المتعلق بالمأمور به هو الكشف وليس عنوانا للمأمور به مثلا الامر المتعلق بالصلاة يدل على ان الصلاة مرادة للمولى ومشتملة على مصلحة ملزمة ومحبوبة للمولى وليس الأمر المتعلق بالصلاة عنوان للصلاة بل الامر تعلق بالصلاة بعنوانها الخاص لا انه عنوان له.
فإذاً المقدمات في المقام كإرادة المولى والخطاب الواقعي او الخطاب الظاهري في فرض الجهل بالواقع ليس حيثية تقيدية للمأمور به ولا حيثية تعليلية له ولا عنوان له فكيف يجدي في دفع عائلة استحالة اجتماع الضدين او اجتماع المثلين فمن اجل ذلك ما ذكره المحقق العراقي لا يرجع بالتحليل الى معنى معقول.
وإن أراد(قد) ان الخطاب الواقعي تعلق بالواقع بعنوانه الاولي والخطاب الظاهري تعلق بالواقع بعنوانه الثانوي وهذا المقدار يكفي في رفع التضاد بينهما.
ولكن يرد عليه أنه لا يكفي في رفع التضاد بينهما في مرحلة المبادئ أي مرحلة الارادة والكراهة والحب والبغض والمصلحة والمفسدة فلا يمكن شيء واحد مشتملا على مصلحة ومفسدة معا وإن كان بعنوانين مختلفين ومحبوبا ومبغوضا معا ومرادا ومكروها معا وإن كان لا تنافي بينهما في مرحلة الجعل أي بين الحكم الواقعي بما هو اعتبار والحكم الظاهري بما هو اعتبار ولكن في مرحلة المبادئ التنافي بينهما موجود ومجرد ان الحكم الواقعي والخطاب الواقعي متعلق بالواقع بعنوانه الاولي والخطاب الظاهري متعلق به بعنوان ثانوي لا يدفع محذور استحالة اجتماع الضدين في مرحلة المبادئ.
إلى هنا قد تبين أن جميع الاجوبة والمعالجات للجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي غير تامة ولا تعالج مشكلة الجمع بينهما من اجتماع الضدين او اجتماع المثلين او القاء العبد في المفسدة او تفويت المصلحة .
وثانيا: أن ما ذكره المحقق العراقي(قد) وإن قلنا أنه يدفع إشكال اجتماع الضدين واجتماع المثلين الا انه لا يدفع اشكال القاء العبد في المفسدة كما اذا كانت الامارة مخالفة للواقع كما اذا قامت على وجوب شيء وكان في الواقع حراما فهذه الامارة تؤدي الى القاء العبد في المفسدة او تفويت المصلحة وكلاهما قبيح فهذا الجواب لا يدفع المحذور.
بقي هنا طريقان آخران لعلاج هذه المشكلة :
الطريق الاول: وهو المختار عندنا.
الطريق الثاني: ما ذكره بعض المحققين(قد).
أما الطريق الاول وهو المختار فالأحكام الظاهرية على طائفتين:
الطائفة الاولى : أحكام ظاهرية لزومية.
الطائفة الثانية: أحكام ظاهرية ترخيصية .
أما الطائفة الاولى فإن الغرض من وراء جعل هذه الاحكام الظاهرية اللزومية أمران:
الامر الاول: دفع الكلفة عن المكلف ودفع المشقة عنه فإنه لو لم يجعل هذه الاحكام الظاهرية التي تتكفل بها الامارات والاصول العملية بجعل الحجية للأمارات والاصول العملية فلازمه انسداد باب العلم إذ باب العلم الوجداني بالأحكام الشرعية منسد فلازم ذلك انسداد باب العلمي ايضا ومع انسداد باب العلم الوجداني وباب العلم التعبدي فلازم ذلك هو الاحتياط فإن الاحتياط واجب على كل مكلف لأنه يرى انه مكلف بالأحكام الشرعية وهو لا يعلم بها لا وجدانا ولا تعبدا فعندئذ لا بد من الاحتياط وهذا الاحتياط فيه مشقة عظيمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo