< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
ذكرنا أن الاحكام الظاهرية الموجودة في الشريعة المقدسة على طائفتين :
الطائفة الاولى: الاحكام الظاهرية اللزومية وهي متمثلة في الامارات المتكفلة للأحكام الالزامية كأخبار الثقة وظواهر الالفاظ كظواهر الكتاب والسنة والاصول العملية كالاستصحاب أعني استصحاب الوجوب او الحرمة ونحوهما وأصالة الاحتياط .
الطائفة الثانية : الاحكام الظاهرية الترخيصية وهي متمثلة في الامارات المتكفلة للأحكام الترخيصية كأخبار الثقة وظواهر الالفاظ من الكتاب والسنة والاصول العملية كأصالة البراءة وأصالة الطهارة وما شاكلهما.
أما الطائفة الاولى فغرض الشارع من جعل هذه الاحكام متمثل بأمرين:
الأمر الاول: دفع الكلفة والشدة عن العباد نوعا فإنه لو لم يجعل هذه الاحكام الظاهرية اللزومية لكان باب العلمي منسدا كباب العلم الوجداني بالأحكام الشرعية الواقعية فإنه منسد فيها فلو كان باب العلمي أيضا منسدا والتكليف لا يسقط عن المكلف بذلك إذ التكليف لا يسقط عن الجاهل فالجاهل بحكم ضرورة تبعيته للدين لا بد من الاحتياط في كل شبهة محتملة الوجوب او محتمل الحرمة ومن الواضح ان فيه مشقة عظيمة وكلفة شديدة على العباد والمولى ارفاقا على العباد وامتنانا بهم جَعَلَ هذه الاحكام الظاهرية اللزومية فإن العلم الاجمالي ينحلّ بهذه الاحكام الظاهرية اللزومية ولا مانع من الرجوع الى الاصول المؤمنة في غير موارد هذه الاحكام اللزومية فإذاً غرض الشارع من جعل هذه الاحكام الظاهرية اللزومية هو دفع الكلفة عن المكلف من العباد امتنانا عليهم وارفاقا بهم .
ودعوى ان جعل هذه الاحكام الظاهرية اللزومية قد يؤدي الى القاء العبد في المفسدة وتفويت المصلحة الملزمة إذ الامارة إذا قامت على جوب شيء وكان حراما في الواقع فإنه بمقتضى حجية هذه الامارة فالمكلف ملزما بالعمل بها فإذاً يقع في مفسدة ملزمة وهذا الوقوع مستند الى المولى ولا شبهة في انه قبيح بحكم العقل العملي أو إذا قامت على حرمة شيء وكان في الواقع واجبا فإنه بحكم أن المكلف ملزم بالعمل بهذه الامارة فتفوت منه المصلحة الملزمة وهذا الفوت مستند الى جعل الحجية من قبل الشارع لهذه الامارة وفي نهاية المطاف التفويت مستند الى الشارع وهو قبيح بحكم العقل العملي فمن اجل ذلك جعل هذه الا حكام لا يمكن.
والجواب عن ذلك بوجهين:
الوجه الاول: سوف نشير الى ان جعل هذه الاحكام الظاهرية اللزومية مضافا الى دفع الكلفة والمشقة عن المكلف إنما هو للحفاظ على الاحكام الواقعية المجعولة في الشريعة المقدسة بما لها من الملاكات والمبادئ ومن الواضح ان حفظ هذه الاحكام المترتب على جعل هذه الاحكام الظاهرية اللزومية أكثر بكثير من القاء العبد في المفسدة أو تفويت المصلحة فإن نسبة ذلك للحفاظ على الاحكام الواقعية المجعولة في الشريعة المقدسة بما لها من الملاكات والمبادئ نسبة ضئيلة وقليلة فإلقاء العبد في المفسدة يتدارك بالحفاظ على الاحكام الواقعية بما لها من الملاكات والمبادئ وكذا تفويت المصلحة في مورد يتدارك بالحفاظ على الاحكام الواقعية المجعولة في الشريعة المقدسة بما لها من الملاكات والمبادئ هذا مضافا الى ان جعل هذه الاحكام الظاهرية اللزومية إنما هو لدفع الكلفة والمشقة عن العباد وهذه مصلحة عامة بالنسبة الى نوع العباد ومن الواضح ان المصلحة النوعية العامة تتقدم على المصالح الشخصية وتفويت المصلحة الشخصية بالنسبة الى بعض المكلفين او الإلقاء في المفسدة بالنسبة الى بعض المكلفين وأما جعل هذه الاحكام انما هو امتنان على جميع العباد ودفع الكلفة والمشقة عن نوع العباد وهي مصلحة نوعية عامة تتقدم على المصالح الشخصية.
هذا هو الأمر الاول.
الامر الثاني: أشرنا اليه سابقا وهو ان الاحكام الظاهرية اللزومية أحكام طريقية أي طريق الى اثبات الاحكام الواقعية تنجيزا إذا كانت مطابقة لها وتعذيرا إذا كانت مخالفة لها فإثبات الاحكام الواقعية المجعولة في الشريعة المقدسة تارة يكون بالعلم الوجداني واخرى يكون بالعلم التعبدي ويترتب على هذا الاثبات التنجيز وثالثة يكون اثباتها التنجيزي فقط كما في موارد الاصول العملية إذ الاصول العملية ليس علما لا وجدانا ولا تعبدا بل هي منجزة للواقع فقط أي تثبت الواقع تنجيزا فإذا قامت الامارة على وجوب شيء فإن كانت مطابقة للواقع فهي منجزة لهذا الوجوب أي وجوب ذلك الشيء بما له من الملاك والمبادئ وإن كانت مخالفة للواقع كما إذا كان ذلك الشيء محرما فعندئذ تكون هذه الامارة معذرة للمكلف عن العقاب على مخالفة الواقع فإذا عمل بهذه الامارة وكان مخالفا للواقع فهو معذر ولا يعاقب باعتبار ان للمكلف عذر وهو جهله بالواقع والجهل عذر باعتبار ان هذه الجهل مستند الى حجية الامارة.
وأما إذا قامت الامارة على وجوب شيء وكان في الواقع مباحا فعندئذ لا معنى لكون هذه الامارة منجزة فإن الحكم الواقعي ليس حكما الزاميا حتى يقبل التنجز وكذلك لا يكون معذرا لأن الشيء في الواقع مباح والاباحة غير قابلة للتنجيز والتعذير لأنه لا عقوبة على ترك الاباحة او على فعل المباح ولا على ترك المباح حتى يكون العمل بالأمارة معذرا فمثل هذه الامارة القائمة على وجوب شيء وكان في الواقع مباحا او مستحبا او مكروها لا تكون منجزة لأنها غير مطابقة للواقع او قامت على حرمة شيء وكان ذلك الشيء مباحا في الواقع فعندئذ هذه الامارة لا تكون منجزة للواقع لأن المباح غير قابل للتنجز ولا معذرة إذ لا عقوبة على ترك المباح ولا على فعله حتى يكون العمل بهذه الامارة معذرا عن العقوبة فإذاً ما هو أثر هذه الامارة؟ وأثرها استحقاق العقوبة على التجري فإن الامارة إذا قامت على وجوب شيء وكان في الواقع مباحا فالمكلف مع تركه العمل بهذه الامارة يستحق العقوبة على التجري لأنه تعدى على المولى وتفويت حق المولى لأنه يرى وجوب العمل بهذه الامارة وأن ترك العمل بها تفويت لحق المولى وهو حق الطاعة وتفويت حق المولى والتجري عليه من أظهر مصاديق الظلم فمن اجل ذلك يستحق العقوبة وذكرنا في مستهل بحث القطع أن المتجري كالعاصي مستحق للعقاب فلا فرق بين العاصي والمتجري في استحقاق العقوبة بل ذكرنا ان استحقاق العاصي للعقوبة انما هو للتجري على المولى والتعدي عليه وتفويت حقه وهو حق الطاعة وهو من أظهر مصاديق الظلم لا للمعصية الواقعية وما نحن فيه كذلك فأثر حجية هذه الامارة التي لا تكون منجزة للواقع ولا معذرة هو أن مخالفة هذه الامارة تجرٍ بنظر المكلف وتعدٍ على حق المولى فيستحق العقوبة على ذلك فعندئذ لا يكون جعل الحجية لهذه الامارة لغواً.
فإذاً هذه الاحكام الظاهرية اللزومية أحكام طريقية وليست أحكاما مولوية فإن الحكم المولوي هو الحكم الناشئ من مصلحة في متعلقه لأن حقيقة الحكم وروحه هو الملاك وأما الحكم بما هو اعتبار فلا قيمة له وهذه الاحكام الظاهرية اللزومية أحكام طريقية ناشئة من اهتمام المولى بالملاكات الواقعية والحفاظ عليها إذ الاحكام الواقعية تقتضي الحفاظ عليها في فرض العلم بها ولا تقتضي الحفاظ عليها في فرض الجهل والالتباس والاشتباه وحيث ان الشارع اهتم بهذه الاحكام الواقعية بما لها من الملاكات والمبادئ ولا يرضى بتفويتها وتركها حتى في موارد الشك والجهل فمن اجل ذلك للحفاظ على هذه الاحكام الواقعية بما لها من الملاكات والمبادئ جعل الاحكام الظاهرية اللزومية في فرض الجهل والالتباس والشك والاشتباه ولهذا لا مخالفة لها الا بمخالفة الاحكام الواقعية ولا موافقة لها الا بموافقة الاحكام الواقعية فإن مخالفة هذه الاحكام الظاهرية إن أدت الى مخالفة الاحكام الواقعية استحق العقوبة وإن لم تؤد الى مخالفة الاحكام الواقعية لم يستحق العقوبة على مخالفتها الا من جهة التجري وكذا موافقتها إنما هي بموافقة الاحكام الواقعية فإن كانت موافقة للأحكام الواقعية استحق المثوبة وإن لم تكن موافقة للأحكام الواقعية فلا يستحق المثوبة على موافقتها وإنما يستحق المثوبة على الانقياد لا على موافقة هذه الاحكام الظاهرية مثلا وجوب الاحتياط في الشبهات التحريمية على ما قاله الاخباريون وكذا بعض الاصوليين يرى وجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية فإن هذا الوجوب وجوب طريقي ولا شأن له الا تنجيز الواقع فإن في كل شبهة احتمال حرمة الشيء واحتمال اباحته موجود ووجوب الاحتياط يوجب تنجز الحرمة إن كان هذا الشيء في الواقع حراما ووجوب الاحتياط يوجب تنجزه فعندئذ يستحق العقوبة على ارتكاب هذا الشيء فاذا خالف الاحتياط فقد خالف الحكم الواقعي وهو حرمة ذلك الشيء أي ارتكب الحرام المنجز فيستحق العقوبة فمخالفة وجوب الاحتياط إن أدت الى مخالفة الواقع استحق العقوبة على مخالفة الواقع وإن لم يؤد الى مخالفة الواقع فلا عقوبة على مخالفة الاحتياط والعقوبة انما هي على التجري.
وأمّا وجوب الاجتناب عن المباح فإنه لابد من الاجتناب عن كل شبهة وقد يكون الشيء في هذه الشبهة مباحا وليس حراما فعندئذ يجب الاجتناب عن المباح وهذا لا محذور فيه لا محذور من إيجاب الاجتناب عن المباح مقدمة للحفاظ على الاحكام الواقعية اللزومية بما لها من الملاكات والمبادئ فإن وجوب الاحتياط في الشبهات التحريمية يستلزم وجوب الاجتناب عن المباحات ايضا ولكن لا مانع من ذلك فإن وجوب الاحتياط والاجتناب عن المباحات مقدمة للحفاظ على الاحكام الالزامية بما لها من الملاكات والمبادئ.
فالنتيجة أن غرض الشارع من جعل هذه الاحكام الظاهرية اللزومية الطريقية هو تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير عند الخطأ او استحقاق العقوبة على التجري ووجوب الاجتناب عن المباح مقدمة للحفاظ على الاحكام الالزامية بما لها من الملاكات والمبادئ ولا مانع من ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo