< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/07/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حجية الظن
لحد الآن قد وصلنا إلى هذه النتيجة وهي أن جميع الطرق التي ذُكرت للجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي غير تامة ومن هنا فالصحيح هو ما ذكرناه من الجمع بينهما.
وهنا طريق آخر للجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي وقد ذكره بعض المحققين(قده)[1]وهذا الطريق مبني على مقدمتين:
المقدمة الأولى: أن الغرض سواء كان تكوينيا أو كان تشريعيا إذا كان معرضاً للاشتباه والالتباس والشك والجهل وكان بالغ الاهمية عند صاحبه فإن كان تكوينيا فهو بالغ الاهمية عند صاحبه وإن كان تشريعيا فهو بالغ الاهمية عند المولى وهو الشارع وهذا معناه ليس توسعة في دائرة الغرض فإن الغرض واحد ولا يعقل توسعة في دائرة نفس الغرض وإنما هو توسعة في دائرة المحركيّة للغرض مثلا إذا فرضنا أن الغرض الشخصي تعلق بإكرام زيد وكان هذا الغرض بالغ الاهمية عنده وفرضنا أن زيد قد اشتبه بين جماعة كعشرة أشخاص او اكثر أو أقل ففي مثل ذلك لا شبهة في أنه يقوم بإكرام الجميع حفاظا على غرضه وهو إكرام زيد مع انه لا غرض له في إكرام غير زيد بل غرضه وأرادته وحبه تعلق بإكرام زيد واما إكرام غيره فلا أرادة له إلا مقدمة فلا محبوبية له إلا مقدمة ومن الواضح ان هذا معناه توسعة في محركيّة الغرض وأما الغرض فهو واحد وقائم بإكرام زيد وهو متعلق بالإرادة والمحبوبيّة وأما إكرام الغيّر فإنما هو مقدمة لإكرام زيد فإن صاحب الغرض لا يرضى بفوات غرضه حتى في حال الجهل وفي حال الاشتباه والالتباس وحال الشك.
فإذاً هذا معناه توسعة في محركيّة الغرض لا توسعة في نفس الغرض فإن الغرض واحد قائم بإكرام زيد فقط ومعنى هذه التوسعة أن هذا الغرض محرك بوجوده الواقعي وهكذا محرك بوجوده الظني ومحرك بوجوده الاحتمالي أيضا فإذا احتمل انطباق إكرام زيد على إكرام هذا الشخص فهذا الاحتمال محرك ومنجز له كما هو الحال في أطراف العلم الاجمالي فإن احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل طرف من أطرافه فهو محرك للإتيان به فالمحرك هو الاحتمال واما الغرض فقائم بالمعلوم بالإجمال ولكن احتمال انطباقه على هذا الطرف محرك وعلى ذاك الطرف محرك وهكذا، فإذاً هذا معناه توسعة في دائرة المحركيّة لا توّسعة في نفس الغرض فالغرض واحد ولا فرق في ذلك بين أن يكون الغرض تكوينياً أو يكون تشريعياً.
المقدمة الثانية: أن التزاحم على أنواع ثلاثة:
النوع الأوّل: التزاحم في مرحلة المبادئ وهو اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد فالمصلحة تؤثر في إرادة هذا الشيء والمفسدة تؤثر في كراهة هذا الشيء والمصلحة تؤثر في محبوبيّته والمفسدة تؤثر في مبغوضيّته ومن خصائص التزاحم في محلة المبادئ أن يكون في موضوع واحد وقد اجتمعت المصلحة والمفسدة فيه فيلزم من اجتماعهما اجتماع الضدين فعندئذ لا بدّ من تقديم الأهم على المهم أو تقديم ما يحتمل اهميته على ما لا يحتمل اهميته واما في فرض التساوي فالمكلف مخير بين اختيار المصلحة او اختيار المفسدة، واما إذا كانا في موضوعين فلا تزاحم بينهما بان تكون المصلحة في موضوع والمفسدة في موضوع آخر فلا تزاحم بينهما أو أن المصلحة في موضوع مقيد بقيد والمفسدة قائمة بموضوع مقيد بقيد آخر فأيضا لا تزاحم بينهما إذا كان القيد جهة تقييدية لا جهة تعليلية.
النوع الثاني: التزاحم في مرحلة الامتثال بأن يكون المصلحة قائمة بفعل والمفسدة قائمة بفعل آخر ولكن المكلف لا يتمكن من امتثال كليهما معا أي لا يتمكن من امتثال المصلحة والمفسدة معا لأن للمكلف قدرة واحدة فإن صرفها في أحدهما عجز عن امتثال الآخر وبالعكس فمنشأ التزاحم في مرحلة الامتثال إنما هو عدم قدرة المكلف على الجمع بين الفعلين أي بين الواجبين او بين الواجب والحرام أي لا يتمكن من الجمع بينهما في مرحلة الامتثال فمن أجل ذلك يقع التزاحم بينهما ولا بد من الرجوع الى مرجحات باب المزاحمة، فإن كان أحدهما أهم من الآخر أو محتمل الأهمية فلا بدّ من تقديمه عليه وإلا فهو مخيّر بينهما فلا ترجيح لأحدهما على الآخر.
النوع الثالث: التزاحم الحفظي وهذا التزاحم غير التزاحم في مرحلة المبادئ فإن التزاحم في مرحلة المبادئ في موضوع واحدة فإن المصلحة والمفسدة قد اجتمعتا في موضوع واحد وتقع المزاحمة بينهما في مرحلة المبادئ واما في التزاحم الحفظي فالمصلحة في موضوع والمفسدة في موضوع آخر أحدهما مشتمل على المصلحة والآخر مشتمل على المفسدة ولا يكون التزاحم الحفظي من التزاحم في مرحلة الامتثال فإن في مرحلة الامتثال وإن كان الموضوع متعددا إلا ان المكلف لا يتمكن من الجمع بينهما في مرحلة الامتثال واقعا وحقيقية وأما في المقام فالمكلف متمكن من الجمع بينهما واقعا ولكن في مقام الاثبات لا يتمكن من الاحراز واما في مقام الثبوت فهو متمكن من الاتيان بكليهما أي كلا الموضوعين المتزاحمين في الحفظ مثلا في الشبهات الحكمية التحريمية يقع التزاحم بين الأغراض اللزومية وبن الأغراض الترخيصية مثلا شرب التتن أما أنه حلال وفيه مصلحة ترخيصية او حرام وفيه مفسدة إلزامية فأحدهما موجود في شرب التتن إما الغرض اللزومي وهو المفسدة او الغرض الترخيصي وهو المصلحة وفي شبهة أخرى أيضا كذلك فإن الشبهات التحريمية في تمام موارد الفقه كثيرة جدا فإذاً لا يتمكن المكلف من الحفاظ على الأغراض اللزومية والأغراض الترخيصية معاً ولهذا تقع المزاحمة بينهما في الحفظ لأن الأغراض اللزومية تقتضي الحفاظ عليها والأغراض الترخيصية تقتضي الحفاظ عليها والمكلف لا يتمكن من الحفاظ على كلتيهما معاً فلهذا تقع المزاحمة بينهما.
هذه هي الانواع الثلاثة للتزاحم وفي النوع الأخير فلا بد حينئذ من الرجوع الى المرجحات فأما ترجيح الاغراض اللزومية على الاغراض الترخيصية او بالعكس ولكن الترجيح تارة يكون بقوة الاحتمال أي بأقربية الاحتمال للواقع كما في موارد الامارات فإن احتمال المطابقة للواقع أقوى من احتمال مطابقة الاستصحاب للواقع او أصالة البراءة أو أصالة الطهارة فإذاً الترجيح تارة يكون بقوة الاحتمال أي بالأقربية الى الواقع وأخرى بقوة المحتمل وكأن المحتمل أهم من محتمل آخر فإذا كان المحتمل في الاغراض الترخيصية أهم من المحتمل في الاغراض اللزومية فلا بد من التقديم هذا بحسب مقام الثبوت وأما في مقام الاثبات فلا بد من الرجوع الى الأدلة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo