< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/08/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
كان كلامنا في تأسيس الاصل الاولي عند الشك في حجية الامارة، وقد ذكرنا ان لا شبهة في ان مقتضى الاصل الاولي عند الشك في حجية الامارة هو عدم الحجية، وقد استدل على ذلك بوجوه:
الوجه الاول: ان الشك في حجية الامارة مساوق للقطع بعدمها، وقد أفاد السيد الاستاذ في وجه[1] ذلك ان الشك تارة يكون في حجية الامارة في مرحلة الجعل، كما اذا شك في ان الشارع جعل أخبار الثقة حجة في الشريعة المقدسة او انه لم يجعلها حجة، وكذا ظواهر الالفاظ كما اذا شككنا في الشارع جعل ظواهر الالفاظ حجة او لا، فهذا شك في حجية الامارة في مرحلة الجعل.
وأخرى يكون الشك في حجية الامارة في مرحلة المجعول وهو مرحلة الفعلية أي فعلية الحجية بفعلية موضوعها في الخارج كما اذا قام خبر الثقة على وجوب السورة في الصلاة وشككنا في انه حجة او انه ليس بحجة فالشك إنما هو في حجية االفعلية بعد فعلية موضوعها في الخارج وهو خبر الثقة، واما في المقام فمحل البحث انما هو في الشك في الحجية في مرحلة الجعل وأما آثار الحجية فهي مترتبة على الحجية الفعلية بفعلية موضوعها في الخارج وهذه الاثار لا تترتب على الحجية المجعولة في الشريعة المقدسة في مرحلة الجعل، وهذه الآثار متمثلة في أمرين:
أحدهما: الاستناد اليه في مقام العمل.
والآخر: استناد مؤداها الى الشارع.
فهذان الأثران يترتبان على الحجية الفعلية في مرحلة الفعلية أي بعد فعلية موضوعها في الخارج كخبر الثقة القائم على وجوب السورة في الصلاة او على وجوب جلسة الاستراحة فيها، فإذا شككنا في حجية هذا الخبر وعدم حجيته فإن الاثر المترتب على حجية هذه الخبر هو صحة الاستناد اليه في مقام العمل فيجوز للمكلف ان يأتي بالسورة استنادا الى هذا الخبر، كما يجوز للمكلف اسناد مؤداه الى الشارع استنادا الى الخبر فإذا كان الخبر حجة فيترتب عليه هذان الاثران وهما الاستناد اليه في مقام العمل واسناد مؤداه الى الشارع.
واما اذا شككنا في حجية هذا الخبر فالشك في حجيته مساوق للقطع بعدم حجته والمراد من القطع بعدم حجيته أي القطع بعدم ترتب هاذين الاثرين عليه أي لا يجوز الاستناد اليه في مقام العمل عند الشك في حجية هذا الخبر لأن الاستناد اليه في مقام العمل تشريع ومحرم وقبيح عقلا وكذلك لا يجوز اسناد مؤداه الى الشارع بأن يقول ان السورة في الصلاة واجبة شرعا لأنه تشريع قولي محرم بحكم العقل لأن التشريع عبارة عن أدخل ما لم يعلم انه من الدين في الدين وليس هو عبارة عن أدخل ما ليس من الدين في الدين كما ذهب اليه جماعة فإن المستفاد من الآيات والروايات انه عبارة عن أدخل ما لم يعلم انه من الدين في الدين ولهذا ورد في بعض الروايات (( القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة : رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة ))[2]، فالتشريع عبارة عن أدخل ما لم يعلم انه من الدين في الدين فإنه تشريع ومحرم قال تعالى ﴿ أ الله أذن لكم أم على الله تفترون[3].
فإذاً لا شبهة في ان الشك في الحجية الفعلية بفعلية موضوعها في الخارج مساوق للقطع بعدم ترتب آثارها عليها كصحة الاستناد اليها في مقام العمل او صحة اسناد مؤداها الى الشارع فإن كلا الامرين محرم وهو تشريع وقبيح عقلا.
هذا من جانب ومن جانب أخر هل تنجز الحكم الواقعي من آثار حجية الامارة او لا؟ فيه وجهان، بل قولان، فذهب السيد الاستاذ(قده) الى الوجه الثاني وان تنجيز الواقع مستند الى العلم الاجمالي[4] لا الى الامارة فتنجز الواقع ليس من آثار حجية الامارة وانما هو من اثار العلم الاجمالي فإن المكلف يعلم إجمالا بثبوت الاحكام الشرعية في الشريعة المقدسة في المرتبة السابقة وهذا العلم الاجمالي مؤثر كما اذا علم اجمالا ان في يوم الجمعة الواجب عليه أحدى الصلاتين أما صلاة الظهر او صلاة الجمعة وهذا العلم الاجمالي منجز للواقع وتنجيز الواقع مستند الى هذا العلم الاجمالي ولا أثر لقيام الامارة على وجوب أحدى الصلاتين، هكذا ذكره السيد الاستاذ(قد).
ولكن الصحيح ان تنجز الواقع مستند الى الامارة دون العلم الاجمالي والنكتة في ذلك ان الامارة المعتبرة اذا قامت على وجوب صلاة الجمعة في يوم الجمعة فهذه الامارة توجب انحلال العلم الاجمالي فالعلم الاجمالي ينحل الى علم تفصيلي بوجوب صلاة الجمعة والى شك بدوي وهو وجوب صلاة الظهر ومع انحلال العلم الاجمالي لا يكون له أثر بعد الانحلال لأنه ليس هنا علم اجمالي، فتنجز وجوب صلاة الجمعة مستند الى الامارة واما وجوب صلاة الظهر فحيث انه مشكوك فالمرجع فيه أصالة البراءة فلا مانع من الرجوع الى اصالة البراءة عن وجوب صلاة الظهر فبطبيعة الحال يكون تنجز الواقع مستند الى الامارة دون العلم الاجمالي لانحلال العلم الاجمالي وعدم بقائه.
ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ان الامارة لا توجب انحلال العلم الاجمالي وان العلم الاجمالي انما ينحل بالعلم الوجداني ولا ينحل بالعلم التعبدي واذا لم ينحل العلم الاجمالي في المقام فيكون تنجز الواقع مستند الى كليهما معا لا الى العلم الاجمالي فقط بل مستند الى العلم الاجمالي والامارة معا فإن تنجز وجوب صلاة الجمعة كما انه مستند الى العلم الاجمالي كذلك مستند الى الامارة ايضا فإن في آن قيام الامارة على وجوب صلاة الجمعة ففي هذا الآن قد اجتمع على وجوب صلاة الجمعة منجزان أحدهما العلم الاجمالي والآخر الامارة فتنجزه مستند الى كليهما معا لأن نسبة تنجزه الى كليهما على حد سواء فإسناده الى العلم الاجمالي فقط ترجيح من غير مرجح او اسناده الى الامارة فقط ترجيح بلا مرجح لأن نسبة الواقع الى كلا المرجحين على حد سواء في هذا الآن أي في هذا الآن قد اجتمع على المعلول علتان فبطبيعة الحال يكون المعلول مستندا الى كلتا العلتين معا ولا يمكن ان يكون مستندا الى أحدهما فقط المعينة دون الاخرى لأنه ترجيح من غير مرجح بعد كون نسبته الى كليهما على حد سواء وأما استناده الى أحدهما لا بعينه فهو لا يمكن لأن إن أريد من أحدهما لا بعينه أحدهما لا بعينه المفهومي فلا واقع موضوعي له في الخارج الا وجوده في عالم الذهن فإنه مجرد مفهوم في عالم الذهن فلا واقع له في الخارج وإن أريد بأحدهما لا بعينه أحدهما المصداقي فيرد عليه أنه عبارة عن الفرد المردد وهو غير معقول في الخارج، فبطبيعة الحال يكون تنجز الواقع مستند الى العلم الاجمالي والامارة معا أي قد اجتمع عليه منجزان فإسناد التنجز الى أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح والى أحدهما لا بعينه لا يمكن فبطبيعة الحال يكون مستند الى مجموعهما معا.
ولكن لازم ذلك ان الامارة إذا قامت على وجوب شيء او حرمته ولم تكن من أطراف العلم الاجمالي او ان العلم الاجمالي منحلا فلازم ذلك ان لا تكون الامارة منجزة لأن الامارة جزء المنجز وهذا مما لا يمكن المساعدة عليه.
ودعوى ان تنجز الواقع مستند الى أسبق علله وأسبق علله في المقام هو العلم الاجمالي دون الامارة، مدفوعة إذ هي مبنيه على نظرية ان سر حاجة الاشياء الى العلة إنما هو حدوثها وقد ذكرنا في مبحث الجبر والتفويض موسعا ان هذه النظرية نظرية باطلة ولا واقع موضوعي لها إذ انها قد أشرفت في تحديد مبدأ العلية ولم ينظر الى هذا المبدأ بنظر واقعي وحقيقي وأن مبدأ العلية مبدأ عام حاكم على جميع الاشياء في الكون فإذا إنهار مبدأ العلية في آن إنهار العالم ككل ونظرية الحدوث نظرية ساقطة إذ معناها انها إذا حدثت استغنت عن العلة وهو غير معقول فإن الممكن حدوثا وبقاءً بحاجة الى العلة فهذه النظرية باطلة فلا يمكن القول بأن تنجز الواقع مستند الى أسبق علله وهو العلم الاجمالي ولا يمكن الالتزام به.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo