< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/08/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الاصل عند الشك في حجية الظن
قد يقال كما قيل: انه لا يمكن ان تكون أدلة حجية الامارات مطلقة وبإطلاقها تشمل الجاهل بالحجية والشاك فيها فمن هذه الناحية تمتاز عن أدلة الاحكام الشرعية فإن الاحكام الشرعية لا مانع من التمسك بإطلاق أدلتها والقول بأنها مجعولة للعالم والجاهل معاً بلا فرق بينهما، وأما أدلة حجية الامارات فلا يمكن التمسك بإطلاقها لإثبات شمولها للجاهل، فإذاً كما يمكن تقييد إطلاق أدلة حجية الامارات وتخصيصها بالعالم في مقام الثبوت كذلك يمكن تقييدها وتخصيصها في مقام الاثبات.
والوجه في ذلك ان الغرض من وراء جعل حجية الامارات امران:
الاول: الاستناد اليها في مقام عملية الافتاء او الاستناد اليها في مقام العمل مباشرة.
الثاني: اسناد مؤداها الى الشارع.
فالغرض من وراء جعل حجية الامارات هذان الامران: الاستناد اليها في مقام العمل أعم من ان يكون مباشرة كعمل الانسان بها او يكون بالفتوى وعملية الاجتهاد، واسناد مؤداها الى الشارع وان هذا الوجوب وجوب شرعي او ان هذه الحرمة حرمة شرعية، ومن الواضح انه لا يمكن الاستناد اليها الا مع العلم بحجية الامارة، فإذا لم يعلم حجيتها فالاستناد اليها في مقام العمل تشريع عملي وهو محرم وقبيح بحكم العقل العملي، واسناد مؤداها الى الشارع تشريع قولي إذ التشريع عبارة عن أدخال ما لم يعلم أنه من الدين في الدين وطالما لم يعلم بحجية الامارة فالاستناد اليها في مقام الافتاء او في مقام العمل مباشرة تشريع عملي وهو محرم وإسناد مؤداها الى الشارع تشريع قولي، فمن أجل ذلك جعل حجية الامارة للجاهل بها والشك فيها لغو ولا يمكن صدوره من المولى الحكيم وهذا خلاف أدلة الاحكام الشرعية، إذ إنه لا مانع من التمسك بإطلاقها والحكم بأن الاحكام الشرعية مجعولة في الواقع للعالم والجاهل معاً، والنكتة في ذلك ان الغرض من جعل الاحكام الشرعية إنما هو إيجاد الداعي والمحرك في نفس المكلف ومن الواضح ان الاحكام الواقعية المجعولة في الشريعة المقدسة تصلح ان تكون داعية ومحركة للمكلف ولو كان جاهلا ولو بإيجاد الاحتياط، وقد ذكرنا سابقا ان الاحكام الظاهرية اللزومية أحكام طريقية كإيجاب الاحتياط واستصحاب بقاء التكليف والامارات المتكفلة للأحكام الالزامية والجامع بينها إيجاب الاحتياط فإن الشارع إذ اهتم بالحفاظ بالأحكام الواقعية بما لها من الملاكات والمبادئ ولا يرضى بفواتها حتى في موارد الشك والالتباس والجهل فيجعل إيجاب الاحتياط ونقصد بإيجاب الاحتياط أعم من الامارات المتكفلة للأحكام الالزامية واستصحاب بقاء التكليف وإيجاب الاحتياط كما في الشبهات التحريمية بناءً على وجوب الاحتياط فيها، وهذا الإيجاب للاحتياط يوسع دائرة المحركية للأحكام الواقعية ويوسع دائرة داعويتها فعندئذ يكون المكلف ملزما بالإتيان بها في هذه الحالة أي حالة الجهل والشك فمن أجل ذلك لا يكون جعل الاحكام الواقعية للجاهل بها لغواً لإمكان تحريكها وداعويتها حتى في مرحلة الجعل ولو بإيجاب الاحتياط أي بجعل الحكم الظاهري، وأما أن هذا المعنى غير معقول في جعل حجية الامارات للجاهل بها فإن المكلف إذا كان جاهلا بحجية الامارات فلا يمكن جعل حجية الامارة له لأنه لغو ولا يترتب عليه أي أثر فإن الاثر المترتب على حجية الامارة إنما يترتب على وصول حجيتها الى المكلف وجدانا والعلم بها وجدانا فإذا لم يعلم بالحجية ولم تصل اليه فلا يترتب على حجيتها أي اثر ولا يمكن للمكلف الاستناد اليها في مقام العمل لأنه تشريع عملي واسناد مؤداها الى الشارع لأنه تشريع قولي وإيجاب الاحتياط في المقام غير متصور، فإن معناه في المقام إنما هو العمل بمضمون هذه الرواية احتياطا والعمل بمضمونها احتياطا لا يوجب وصول حجيتها الى المكلف ولا يوجب علم المكلف بحجيتها.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قد تقدم سابقا ان حجية الامارات المتكفلة للأحكام الالزامية حجيتها طريقية صرفة وشأنها تنجيز الواقع عند الاصابة وتوسيع دائرة محركية الواقع وفي طول الواقع ولهذا لا أثر لها ولا يترتب عليها أي أثر والأثر إنما يترتب على الاحكام الواقعية ولا مخالفة لها الا بمخالفة الاحكام الواقعية ولا مثوبة لها الا بمثوبة الاحكام الواقعية ولا عقوبة على مخالفتها الا العقوبة على مخالفة الاحكام الواقعية فلا شأن لها الا الحفاظ على الاحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات.
هذا محصل هذا الاشكال.
والجواب عن ذلك نقضاً وحلاً، أما النقض فإنه لا شبهة في ان أدلة الاحكام الشرعية التي تدل على جعلها مطلقة ولا مانع من الآخذ بإطلاقها فإنها بإطلاقها تشمل العالم والجاهل بها بالجهل البسيط والمركب والناسي والغافل مع انه لا شبهة في ان جعل الاحكام الشرعية للناسي والغافل والجاهل المركب لغو ولا يمكن جعل الاحكام الشرعية للناسي ولا للغافل ولا للجاهل بالجهل المركب لاستحالة إمكان داعوية هذه الاحكام فإنه يستحيل ان يكون الحكم المجعول للناسي داعياً له مع فرض نسيانه او الحكم المجعول للجاهل بالجهل المركب داعيا مع فرض جهله فإذاً ما هو الجواب عن ذلك؟ والجواب منّا عن جعل حجية الامارات للجاهل بها.
واما الجواب الحلّي فلأن المجعول هو جعل الحجية للجامع بين العالم والجاهل وتقييد هذا الجامع وتخصيصه بالجاهل غير معقول، فإن أدلة جعل حجية الامارات مطلقة وبإطلاقها تشمل العالم والجاهل بالحجية وتخصيص هذه الادلة وتقييد إطلاقها بالجاهل بالحجية لغو ولا يمكن، واما جعل الحجية للجامع فلا يكون لغوا فإن الشارع يجعل حجية الامارات للمكلف الجامع بين العالم بالحجية والجاهل بها وهذا لا يكون لغوا غاية الامر أن انطباق الجامع على أحد فرديه بلا أثر فإن انطباق الجامع على الجاهل يكون بلا أثر وهذا لا يوجب اللغوية فإن الشارع جعل حجية الامارات للجامع بين العالم والجاهل ويترتب الاثر على جعل الحجية للعالم غاية الامر انطباق الجامع على الفرد الاخر وهو الجاهل بلا أثر وهذا لا يوجب لغوية هذه الادلة.
فالنتيجة: ان هذا الاشكال مبني على تخصيص أدلة حجية الامارات بالجاهل بها والشاك فيها فعندئذ تكون لغوا واما إذا كان مفاد هذه الادلة جعل الحجية للجامع بين العالم بها والجاهل فلا يكون لغوا غاية الامر أن الأثر لا يترتب على احد فرديه وإنما يترتب على الفرد الآخر وهذا مما يتفق كثيرا في المطلقات لأن الأثر الشرعي لا يترتب على جميع أفراد المطلق وإنما يترتب على بعضها دون بعضها الآخر مع ان جعل الحكم للطبيعي المطلق لا يكون لغوا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo