< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/11/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصل عن الشك في حجية أمارة

ما ذكره السيد الاستاذ(قده) في المقام يرجع الى أمور:

الأمر الأول: أن مفاد الآيات والروايات الناهية إرشاد صرف الى حكم العقل وأخبار عنه بحيث لو لم تكن الآيات والروايات لكفى حكم العقل لتحصيل المؤمن في مرحلة الامتثال لأن هم المكلف في مقام الامتثال هو تحصيل الأمن من العقوبة لا مطابقة عمله للواقع فسواء كان عمله مطابق للواقع أم لم يكن مطابقا للواقع فإذا عمل بالأمارة التي تكون حجة حصل له الأمن من العقوبة وإن لم تكن الأمارة مطابقة للواقع، ومفاد الآيات والروايات الناهية إرشاد الى حكم العقل بذلك وأخبار عنه ولا تكون به أي شائبة من المولوية نظير أوامر الإطاعة والنهي عن المعصية فكما أن الأمر بالإطاعة إرشاد صرف الى حكم العقل بحسن الإطاعة وقبح المعصية فكذلك في المقام.

الأمر الثاني: مع الإغماض عن ذلك وتسليم أن مفاد الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن مفادها حرمة العمل بالظن حرمة تكليفية أي أن مفادها حكم تكليفي مولوي وهو حرمة العمل بالظن كحرمة سائر الأشياء، وعلى هذا فتقديم الأمارات المعتبرة عليها من باب الحكومة باعتبار ان معنى الحجية هو الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي فالأمارات المعتبرة حاكمة عليها ورافعة لموضوعها تعبدا لأن موضوع الآيات والروايات الناهية الظن.

وعلى هذا فإذا شككنا في حجية أمارة فهذا الشك شك في موضوع هذه العمومات من الآيات والروايات فالأمارة إن كانت حجة فهي علم تعبدا وإن لم تكن حجة فهي ظن، فالشك في أنها حجة أولا شك في موضوع العمومات ، فإذا كان الشك في الموضوع لا يمكن التمسك بعموم هذه العمومات لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية حيث أن العام لا يكون ناظرا الى إثبات موضوعه ولا نفيه لأن مفاد العام إثبات الحكم لموضوعه على تقدير وجوده في الخارج وأما انه موجود أو غير موجود فالعام ساكت عن ذلك فلا يدل على وجوده في الخارج.

الأمر الثالث: ذكر(قده) أن حكومة الأمارات المعتبرة على هذه العمومات الناهية من الآيات والروايات حكومتها إنما هي بملاك حجيتها بوجودها العلمي الواصل الى المكلف لا بوجودها الواقعي كما ذكره المحقق النائيني(قده).

فإذن الدليل الحاكم هو حجية الأمارات الواصلة الى المكلف أي التي يكون المكلف عالم بحجيتها فبطبيعة الحال يكون موضوع العام مقيد بعدم الوصول فموضوع هذه العمومات الناهية حينئذ مقيد بعدم وصول حجية الأمارة وعدم العلم بها.

هكذا ذكره السيد الاستاذ(قده)[1] .

وللمناقشة في هذه الأمور مجال.

أما الأمر الأول فقد أشرنا إلى أنه لا يمكن حمل هذه الآيات والروايات على الإرشاد المحض والأخبار عن حكم العقل من دون تكفلها للمولوية أصلا فإنه خلاف الظاهر لأن الظاهر من كل كلام صادر من المولى انه ظاهر في المولوية أما في المولوية المحضة او المولوية في الجملة، مثلا الأوامر الابتدائية أو النواهي الابتدائية ظاهرة في المولوية المحضة وأما الأوامر الواردة في أجزاء العبادات والمعاملات فهي ظاهرة في الإرشاد الى جعل الجزئية أو الشرطية والنواهي الواردة فيها ظاهرة في الإرشاد الى المانعية.

فإذن حمل الكلام الصادر من المولى على الإرشاد المحض والأخبار عن حكم العقل فهو خلاف الظاهر وبحاجة الى قرينة ولا قرينة في المقام، بل الظاهر من هذه الآيات والروايات الناهية أن مفادها إرشاد الى عدم حجية الأمارات المظنونة في عرض الأدلة التي تدل على حجيتها إذ هناك أدلة تدل على حجية الأمارات وهذه الآيات والروايات الناهية تدل على عدم حجيتها ومن الواضح ان الحجية وعدمها بيد المولى ومن الأمور المولوية.

فإذن هذه الآيات والروايات الناهية مفادها الإرشاد الى عدم حجية الأمارات المظنونة في عرض الأدلة التي تدل على حجيتها.

وبعبارة أن مفاد هذه الأمارات كما لا يمكن أن يكون حكما تكليفيا مولويا محض وهو حرمة العمل بالظن كذلك لا يمكن أن يكون مفادها حكما إرشاديا محضا وهو الأخبار عن حكم العقل بلزوم تحصيل المؤمن في مرحلة الامتثال، فكلا الأمرين لا يمكن:

أما الأمر الأول وهو أن مفاد هذه الآيات والروايات الناهية حرمة العمل بالظن ومعناه حرمة العمل بمؤداها فإذا فرضنا أن مؤدى الظن وجوب الشيء كما إذا قامت الأمارة على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وهذه الآيات والروايات الناهية تدل على حرمة العمل بمؤدى الأمارات المظنونة فإذن يلزم اجتماع الضدين الوجوب والحرمة في مرحلة الجعل في شيء واحد واجتماع المفسدة والمصلحة والإرادة والكراهة والمحبوبية والمبغوضية في مرحلة المبادئ، إذ وجوب المؤدى تابع لمصلحة ملزمة وحرمته تابع لمفسدة ملزمة فالوجوب يتبع المحبوبية والإرادة والحرمة تتبع الكراهة والمبغوضية، وكذلك يلزم اجتماع النقيضين في مرحلة الامتثال فإن وجوب المؤدى يقتضي الاتيان به وحرمته تقتضي تركه والاجتناب عنه ولا يمكن الجمع بينهما.

نعم اجتماع الضدين الجوب والحرمة في مرحلة الجعل لا محذور فيه لأنه لا مانع من اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد بما هما أمران اعتباريان لما ذكرناه غير مرة من أن الأمور الاعتبارية لا واقع موضوعي لها في الخارج ولا تتصور المضادة والمماثلة بينها فإن المضادة والمماثلة إنما هي في الأمور الخارجية التكوينية لا في الأمور الاعتبارية التي لا واقع لها في الخارج غير عالم الاعتبار والذهن.

فإذن لا يلزم اجتماع الضدين في مرحلة الجعل بما هما أمران اعتباريان والمحذور إنما هو في اجتماع الإرادة والكراهة والمصلحة والمفسدة والمحبوبية والمبغوضية في مرحلة المبادئ فإنها من الأمور التكوينية فلا يمكن اجتماع المحبوب مع المبغوض واجتماع المراد مع المكروه والمفسدة مع المصلحة وكذلك في مرحلة الامتثال لا يمكن الجمع بينهما.

هذا إذا كان مؤدى الأمارة المظنونة الوجوب إذا كان العمل بالظن حراما بحرمة تكليفية مولوية.

وأما إذا كان مؤدى الأمارة المظنونة أيضا الحرمة فعندئذ لا يلزم اجتماع الضدين في مرحلة المبادئ غاية الأمر يلزم اجتماع المفسدتين في شيء واحد ولكن المفسدتين إذا اجتمعتا في شيء واحد تندك أحداهما في الأخرى فتصبحان مفسدة واحدة أقوى وأكد من كل واحدة منهما، وكذلك والكراهة إذا اجتمعتا في شيء واحد فتندك كل منهما في شيء واحدة وتصبحان كراهة واحدة أقوى من الكراهتين فعندئذ لا يلزم اجتماع الضدين في مرحلة المبادئ ولا في مرحلة الامتثال.

ولكن هذا مجرد تصور ولا دليل عل ذلك في مقام الإثبات.

فالنتيجة أنه لا يمكن الالتزام بأن مفاد الآيات والروايات الناهية الحكم التكليفي المولوي وهو حرمة العمل بالظن.

وأما الحكم الإرشادي المحض فقد ذكرنا أنه خلاف الظاهر فلا يمكن حمل هذه الآيات والروايات الناهية على ذلك وأن مفادها الأخبار فقط عن حكم العقل بلزوم تحصيل المؤمن في مقام الامتثال بل الظاهر منها أن مفادها الإرشاد الى عدم حجية الأمارات المظنونة في عرض الأدلة التي تدل على حجية الأمارات المظنونة.

وأما الأمر الثاني الذي ذكره السيد الاستاذ(قده) من أن حكومة الأمارات المظنونة المعتبرة على الآيات والروايات الناهية إن كانت بملاك حجيتها بوجودها الواقعي وإن لم يصل الى المكلف فعندئذ يكون الشك في حجية أمارة من الشك في الموضوع وداخل في الشبهة الموضوعية فلا يمكن التمسك بعموم هذه الآيات والروايات الناهية ما ذكره(قده) لا يمكن المساعدة عليه.

وقد أشرنا آنفا أنه لا فرق بين الحكومة والتخصيص في مقام الثبوت فإنها في مقام الثبوت تخصيص لموضوع العام بغير المخصص وبغير دليل الحاكم فلا فرق بينهما في مقام الثبوت فإن دليل الحاكم كدليل المخصص مقيد لموضوع العام والمرفوع إنما هو الحكم دون الموضوع، والفرق بينهما إنما هو في مقام الإثبات فإن الدليل المخصص مفاده رفع حكم العام عن الخاص مباشرة واما دليل الحاكم فمفاده رفع الحكم العام عن الحاكم بلسان نفي الموضوع هذا هو الفارق بينهما فإن الدليل الحاكم يرفع حكم العام عن الموضوع بلسان رفع الموضوع اعتبارا والا فالموضوع باق وجدانا وحقيقة، ومن المعلوم أن الرفع الاعتباري لا يؤثر في الخارج اصلا ولا يوجب الانقلاب فيه ولا يجعل ما ليس بعلم علما فإن اعتبار الشارع الأمارات الظنية علما هذا إنما هو موجود في عالم الاعتبار والذهن لا في الخارج ولهذا لا تأثير له في الخارج فلا يمكن ان يكون الشك في حجية أمارة أو عدم حجيتها من الشك في الموضوع لأن الشك في الموضوع إنما هو من الشك في الموضوع الخارجي كما إذا شككنا في فرد خارجي كزيد أنه عالم أو ليس بعالم فإذا ورد من المولى ((أكرم العلماء )) وشككنا أن زيد في الخارج عالم أو ليس بعالم هذا يكون الشك في موضوع العام فإذا كان عالما ينطبق عليه موضوع العام وإن لم يكن عالما فلا ينطبق انطباقا حقيقيا هذا يكون من الشبهة الموضوعية فلا يمكن التمسك بعموم العام لإثبات وجوب إكرامه لأن مفاد العام إثبات وجوب الإكرام لموضوعه على تقدير وجوده في الخارج واما أنه موجود أو ليس بموجود فهو ساكت عنه فالعام لا يدل على ان زيد عالم بل هو ساكت عن ذلك ولا بد من أحراز علمه من الخارج فإذا احرزنا أنه عالم ينطبق عليه موضوع العام ويكون محكوما بحكمه وإذا لم نحرز انه عالم فلا ينطبق عليه موضوع العام.

وأما في باب الحكومة فالموضوع باق حقيقة ورفع الموضوع اعتبارا لا أثر له ولا يجعل ما ليس بموضوع موضوعا او ما ليس بعلم علما إذ يستحيل تكوين الشيء وإيجاده بالاعتبار.

فإذن سواء أ كانت حكومة الأمارات المعتبرة على عموم الآيات والروايات الناهية بملاك حجيتها بوجودها الواقعي أم كانت بملاك حجيتها بوجودها العلمي فلا يكون الشك في حجية الأمارة من الشك في الموضوع حتى لا يمكن التمسك بعمومها فعندئذ إذا شككنا في حجية أمارة فلا مانع من التمسك بعموم هذه الآيات والروايات لإثبات حكمه لهذه المشكوك وهو حرمة الظن لأن هذا المشكوك ظن وجدانا وحقيقة والشك إنما هو في حجيته فالموضوع محرز والشك انما هو في ثبوت حكمه ويرجع هذا الشك الى الشك في التخصيص الزائد والمرجع فيه عموم العام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo