< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/12/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: السيرة العقلائية.

الى هنا قد تبين ان السيرة العقلائية إذا كانت على الكبرى كحجية أخبار الثقة وظواهر الالفاظ فحجيتها منوطة بتوفر أمرين فيها، الأول أن تكون معاصرة لزمن التشريع والثاني إمضائها شرعا وأما إذا كانت السيرة على إثبات الصغرى فهي لا تحتاج الى امضاء الشارع فيكفي في حجيتها كونها معاصرة لزمن التشريع فهذه السيرة إذا وجدت وجدت الصغرى وحينئذ تنطبق عليها الكبرى قهرا وتحصل النتيجة فإن السيرة القائمة على الصغرى أمرها يدور بين الوجود والعدم فإذا وجدت وجدت الصغرى وإذا تحققت الصغرى تنطبق عليها الكبرى وتحصل النتيجة فلا تحتاج حجيتها الى الامضاء.

وأما السيرة العقلائية المستحدثة في العصور المتأخرة عن زمن التشريع كسيرة العقلاء على حق التأليف او حق النشر وما شاكل ذلك فهذه السيرة لا تكون حجة وحجيتها منوطة بإمضاء الشارع لها ولا طريق لنا الى انها ممضاة من قبل الشرع بل لا اطمئنان بأنها لو كانت موجودة في زمن التشريع لكانت ممضاة شرعا فلا اطمئنان بثبوت هذه القضية الشرطية لاحتمال انها لو كانت موجودة في زمن التشريع لم يمضها الشارع فلعل هناك موانع عن امضائها باعتبار انها مجهولة لنا ولا طريق لنا الى تلك الحالات ولعل ان هنا أمور ومفاسد تمنع من امضاء هذه السيرة.

فمن اجل ذلك هذه القضية الشرطية ايضا غير ثابتة والحكم بثبوتها بحاجة الى علم الغيب.

ولكن قد يقال كما قيل أن سيرة العقلاء إذا جرت على حق النشر والتأليف فهي تكشف عن ان هذا الحق أمر مرتكز لدى العرف والعقلاء وثابت في اعماق نفوسهم وجذوره ممتدة الى زمان التشريع فإذا علمنا بذلك فلو كان للعمل بها محذور شرعا ومخالفا للأغراض التشريعية ومنافيا لها ولمصالحها لصدر الردع من الشارع جزما فعدم صدور الردع عنه بنحو القضية الحقيقة كاشف عن ان الشارع امضى هذه السيرة.

والجواب عن ذلك:

أولاً: أن هذه السيرة القائمة على حق النشر للناشر وحق التأليف للمؤلف لا تكشف عن ان هذا الحق امر مرتكز لدى العرف والعقلاء وثابت في اعماق نفوسهم وجذوره ممتدة الى زمان التشريع يقينا وإنما تكشف عن مراعاة حال المؤلف وحال الناشر حتى لا تذهب اتعابه هدرا فإن للناشر حق الاستفادة من عملية النشر كما ان من حق المؤلف الاستفادة من مؤلفاته ولا تذهب اتعابه وجهوده هدرا، فهذا هو منشأ سيرة العقلاء عل ثبوت هذا الحق.

فإذن منشأ ثبوت هذه السيرة القائمة مراعاة حال الناشر والمؤلف، وعلى هذا فلا طريق لنا الى امضاء الشارع لهذه السيرة.

وثانيا: أن منشأ السيرة القائمة على العمل بشيء كثبوت الحق للمؤلف والناشر يتصور على نحوين:

النحو الأول: نفترض ان هذه السيرة قائمة على العمل بشيء مرتكز في اذهان العرف والعقلاء بحيث تكون جذوره ممتدة الى زمان التشريع وهذا أمر مسلم لدى العرف والعقلاء.

النحو الثاني: يكون منشأ هذه السيرة مراعاة حال المؤلف والناشر والاحداث الواقعة في الخارج فإن المجتمع إذا كان ناضجا فكريا وثقافيا واجتماعيا ومتطورا فبطبيعة الحال تطرأ موضوعات جديدة وحوادث واقعة كثيرة على هذا المجتمع وهذه الموضوعات والحوادث الواقعة تارة تكون منافرة لطبع المجتمع العقلائي وأخرى تكون ملائمة له، فإذا كانت ملائمة فهي منشأ لسيرة العقلاء عل العمل به وأما إذا كانت منافرة فيعرض العقلاء عنها.

أما الفرض الأول فهو مجرد افتراض لا واقع موضوعي له إذ لا يمكن ان تقوم السيرة المستحدثة في العصور المتأخرة عن عصر التشريع على شيء مرتكز في اذهان العرف والعقلاء وثابت في اعماق نفوسهم كالجبلة والفطرة الذاتية وجذوره ممتدة الى زمان التشريع فهو مجرد افتراض، فلو كان ذلك الشيء كذلك لكانت السيرة جارية عليه من الأول منذ القدم ووجود العقلاء على سطح هذه الكرة.

واما الفرض الثاني فله واقع موضوعي فإن سيرة العقلاء المستحدثة في العصور المتأخرة عن عصر التشريع فهذه السيرة بطبيعة الحال منشئها امور حادثة ملائمة لطبع المجتمع العقلائي فإذا كانت هناك موضوعات جديدة وحالات طارئة وملائمة لطبع المجتمع العقلائي فبطبيعة الحال يكون منشأ لجريان سيرة العقلاء.

فإذن منشأ جريان سيرة العقلاء على الامور المستحدثة في العصور المتأخرة عن عصر التشريع لا محالة يكون منشئها امرا حادثا وملائما لطبع المجتمع العقلائي وإثبات امضاء هذه السيرة مشكل جدا ولا طريق لنا الى امضاء هذه السيرة.

الى هنا قد تبين أن السيرة العقلائية المستحدثة في العصور المتأخرة عن عصر التشريع كسيرة العقلاء عل حق التأليف للمؤلف وحق الناشر ونحوهما لا يمكن إثبات امضاء الشارع لهذه السيرة ولا طريق لنا الى ذلك بل ولا اطمئنان بأن هذه السيرة لو كانت موجودة في زمن التشريع لكانت موجودة ولا يقين بهذه القضية الشرطية بل لا اطمئنان لاحتمال انها لو كانت موجودة لم يمضها الشارع لوجود مفاسد او حالات لا طريق لنا اليها.

هذا تمام كلامنا في السيرة العقلائية.

الجهة الثانية: يقع الكلام في السيرة المتشرعية.

وهي السيرة القائمة على حكم الشرعي البحت كالسيرة الجارية على الجهر بالبسملة او السيرة الجارية على الجهر بالقراءة في صلاة الظهر يوم الجمعة تسمى هذه السيرة بالسيرة المتشرعية ولا تسمى بالسيرة العقلائية لأنها جارية على الحكم الشرعي المحض لا على الحكم العقلائي، وهذه السيرة على قسمين:

القسم الأول: أن تكون معاصرة لزمن التشريع.

القسم الثاني: أن معاصرتها لزمن التشريع غير معلومة بل معلومة العدم أي انه لم تكن معاصرة لزمن التشريع.

أما القسم الأول فلا شبهة في حجيتها وأنها دليل قطعي على الحكم لأنه عمل المتشرعة بالحكم كعمل المتشرعة بالصلاة والحج والصيام وما شاكل ذلك في زمن التشريع فلا شبهة في أنها حجة ولا تتوقف حجيتها على الامضاء.

ولكن وصول هذه السيرة الينا يدا بيد وطبقة بعد الطبقة بشكل علمي وجزمي مجرد افتراض ولا طريق لنا الى هذه السيرة الموجودة في زمن التشريع ولهذا افتراض وجود هذ السيرة في الفقه من البداية الى النهاية مجرد فرض لا واقع موضوعي له فمثل هذه السيرة غير موجودة في الفقه ولا يمكن وصولها الينا يدا بيد وطبقة بعد طبقة لعدم الطريق إليها كذلك.

واما القسم الثاني فحجيتها تتوقف عل توفر امرين فيها:

الاول: ان تكون معاصرة لزمن التشريع.

الثاني: أمضاء الشارع لها.

ولكن كلا الامرين غير ثابت.

اما الامر الاول فلأن السيرة المتشرعية في العصور المتأخرة المستحدثة بعد عصر التشريع لا يمكن اثبات انها معاصرة لزمن التشريع فليس لنا طريق الى اثبات انها موجودة في زمن التشريع وقد وصلت الينا يدا بيد وطبقة بعد طبقة بشكل جزمي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo