< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الملازمة بين عدم الردع والامضاء

تحصل مما ذكرنا ان الملازمة بين عدم صدور الردع من الشارع عن السيرة العقلائية وسكوته عن الردع عنها وبين امضائها ثابتة في زمن الحضور فإن السيرة العقلائية الجارية على العمل بأخبار القة ونحوها إذا لم يرد ردع عنها من الشارع فهو يكشف كشفا قطعيا عن امضاء هذه السيرة وتقريرها فتكون السيرة حجة شرعا فلا شبهة في ثبوت هذه الملازمة في زمن الحضور.

وإنما الكلام هل هذه الملازمة ثابتة بين عدم صدور الردع من الشارع عن هذه السيرة في زمن الحضور وسكوته عن الردع عنها وبين وصول ذلك الينا في زمن الغيبة فهل هذه الملازمة بين عدم صدور الردع وبين العلم بالإمضاء في زمن الغيبة او انها غير ثابتة؟ فإن الملازمة بين عدم صدور الردع وبين الامضاء في زمن الحضور إنما هي بين عدم الصدور بوجوده الواقعي وبين الامضاء بوجوده الواقعي وإما الملازمة بين عدم صدور الردع بوجوده الواقعي وبين الإمضاء في زمن الغيبة إنما هو بوجوده العلمي، فهل هذه الملازمة ثابتة بين عدم صدور الردع من الشارع عن السيرة في زمن التشريع وبين العلم بالإمضاء في زمن الغيبة.

قد يقال كما قيل أن هذه الملازمة غير ثابتة فإن عدم صدور الردع من الشارع في زمن الحضور وسكوته عن الردع عنها لا يستلزم وصوله الينا فإن وصوله الينا بحاجة الى طريق حتى يصل من هذا الطريق الينا يدا بيد وطبقة بعد طبقة ومن الواضح انه لا طريق لنا الى ان الشارع لم يردع عن هذه السيرة في زمن الحضور.

والجواب عن ذلك:

ان هذا القيل تام في الامور المتعارفة وفي الاحكام الشرعية فإذا شككنا في ان الشارع هل اوجب الدعاء عند رؤية الهلال او لم يوجب فلا طريق لنا الى وجوبه ولا الى عدم وجوبه الا من جهة الروايات الواصلة الينا وبقطع النظر عنها فلا طريق لنا الى ذلك وأما في مثل سيرة العقلاء فالأمر ليس كذلك فإن سيرة العقلاء إما هي ناشئة من المرتكزات الذهنية الثابتة في اعماق النفوس التي تمتد جذورها الى زمان وجود العقلاء على سطح هذه الكرة.

مثلا السيرة العقلائية الجارية على العمل بأخبار الثقة منشئها وسببها الخصوصية المرتكزة في أخبار الثقة ومن الواضح ان هذه الخصوصية لا يمكن توقيتها بزمن دون زمن ولعاقل دون عاقل آخر ولطائفة دون طائفة أخرى ولقرن دون قرن آخر فبطبيعة الحال هذه الخصوصية ممتدة ومرتكزة في اذهان العقلاء طالما يكون العقلاء موجودين على سطح هذه الكرة.

وعلى هذا فالشارع اذا اراد المنع عن العمل بهذه السيرة ويرى ان هذه السيرة مخالفة للأغراض الشرعية ولا تنسجم مع المصالح الدينية ومن الواضح ان المنع العملي عن هذه السيرة لا يمكن بصدور نهي واحد او بصدور ردع واحد او منع واحد بل لا بد من المنع عن هذه السيرة بكل مناسبة في فترة زمنية طولية حتى يمكن قلع هذه السيرة عن أذهان الناس وأزالتها وتبديلها بسيرة صحيحة قيمة ومطابقة للمصالح الدينية وللأغراض التشريعية فهذ السيرة بما انها ناشئة من المصالح الدينية تصبح من التقاليد والعادات الذاتية ونقصد بالذاتي الذاتي في باب البرهان ومن الواضح ان قلع هذه التقاليد عن أذهان الناس بحاجة الى المنع عن العمل بها والردع بكل مناسبة وفي كل مجلس مع التأكيد والتشديد وبيان آثارها السلبية ومفاسدها حتى يمكن قلع هذه التقاليد عن أذهان الناس وتبديلها بتقاليد صحيحة. فبطبيعة الحال هذا الردع يصل الينا جزما باعتبار ان الردع عنها واصل الى حد التواتر وفي فترة طويلة وتبديلها بالتقاليد الصحيحة المطابقة للمصالح الدينية والأغراض التشريعية.

وأما اذا لم نجد في زمن الغيبة أي ردع ولو في رواية ضعيفة فنكشف كشفا قطعيا عن عدم صدور الردع لأنه لو صدر فلا محالة يصل الينا باعتبار ان الردع أصبح متواترا بل أكثر من ذلك فإذا لم نجد أي ردع في الروايات ولو في رواية مرسلة او ضعيفة نكشف من ذلك كشفا جزميا عن عدم صدور الردع من الشارع وامضائه لهذه السيرة.

فإذن لا يقاس عدم صدور الردع من الشارع عن السيرة بأحكام أخرى.

فإذن الملازمة كما أنها ثابتة في زمن الحضور بين عدم صدور الردع والامضاء بوجوده الواقعي كذلك ثابتة بين عدم صدور الردع والامضاء في زماننا بوجوده العلمي.

وأما اذا فرضنا ان الشارع اذا منع العمل بأخبار الثقة الذي هو امر مرتكز في الاذهان ومن الواضح انه لا يمكن الردع عن العمل بأخبار الثقة او ظواهر الالفاظ بردع واحد فلا بد من تكرار هذا المنع بكل مناسبة وفي فترة طويلة وتشديد المنع والتأكيد عليه وبيان آثاره السلبية ومخالفته للأغراض التشريعية حتى يمكن ازالة هذه السيرة وهذا الارتكاز عن اذهان الناس وتبديلها بسيرة صحيحة قيمة مطابقة للمصالح الدينية.

فالملازمة كما هي ثابتة في زمن الحضور كذلك ثابتة في زمن الغيبة ايضا.

هذا كله في السيرة العقلائية الجارية على العمل بشيء الناشئة من المرتكزات الذهنية الثابتة في اعماق النفوس والتي لها جذور ممتدة ولا يمكن تخصيصها بطائفة من العقلاء دون طائفة أخرى أو بقرن دون قرن آخر.

واما سيرة العقلاء المستحدثة في زمن الغيبة كالسيرة المدعاة على حق التأليف وحق النشر فيقع الكلام فيها أولا في اصل ثبوت هذه السيرة فإنها لم تنشأ عن المرتكزات الذهنية الثابتة في اعماق النفوس وإنما هي ثابتة مراعاة لحال المؤلف والناشر فحق المؤلف هو حق مالي وأما الحق المعنوي فهو ثابت ولا شبهة في ثبوته وإنما الكلام في الحق المالي، وقد بنى جماعة من العقلاء على ثبوت هذا الحق وامضاء حكومات الوقت لهذا الحق وبالتالي اصبح سيرة وأما ان جميع العقلاء اتفقوا على ذلك فهو غير ثابت وعلى تقدير تسليم ان سيرة العقلاء ثابتة على ذلك الا انه لا طريق لنا الى امضائها من قبل الشارع كما انه لا طريق لنا الى ان العمل بهذه السيرة مخالف للأغراض التشريعية وله آثار سلبية في الشريعة المقدسة، إذ لم تنشأ هذه السيرة عن المرتكزات الذهنية الثابتة في اعماق النفوس التي لها جذور ممتدة، ولهذا لا طريق لنا الى امضاء هذه السيرة اصلا.

ثم أن للمحقق الاصفهاني في المقام كلاما، وحاصله أن للشارع حيثيتين:

الحيثية الأولى: كونه رئيس العقلاء وفي طليعتهم ومن أفراده.

الحيثية الثانية[1] : كونه شارعا ورسولا من الله تعالى لتصحيح أخطاء العقلاء وسلوكياتهم المادية والمعنوية في الخارج الاجتماعية والفردية.

أما من الحيثية الأولى فيكون موقف الشارع موقف العقلاء ولا يمكن فرض ان موقفه غير موقف العقلاء والا لزم الخلف لأنه رئيس العقلاء وفي طليعتهم فكيف يمكن افتراض ان موقفه غير موقف العقلاء فلا بد ان يكون موقفه موقف العقلاء من هذه الحيثية ولا يمكن التخلف فنفرض ان موقفه غير موقف العقلاء.

وأما من حيث كونه شارعا فلا ندري ان موقفه غير موقف العقلاء أو ان موقفه موقف العقلاء وقد امضى هذ الموقف، وعلى هذا فلا ندري موقف الشارع هو موقف العقلاء فإن موقف العقلاء هو العمل بأخبار الثقة والعمل بظواهر الالفاظ ولا ندري ان موقف الشارع ايضا موافق لموقف العقلاء او مخالف.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo