< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر

إلى هنا قد تبين أن سيرة العقلاء قد جرت على العمل بظواهر الالفاظ من الكتاب والسنة على التشريعات المولوية والاحكام الاسلامية بشتى اشكالها ولكن هذه السيرة لا أثر لها ما لم تكن ممضاة من قبل الشارع، وإمضاء هذه السيرة إما بالنص او بالدليل او بسكوت الشارع عن الردع وعن المنع عن العمل بها فإن الناس يعملون بهذه السيرة أي بظواهر الالفاظ من حين بدأ التشريع الاسلامي في الاحكام الشرعية المولوية في مجالس النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار(ع) في طول هذه الفترة الزمنية وفي مرأى ومسمع منهم مع أنهم ساكتون عن الردع عن هذه السيرة والمنع عن العمل بها ومن الواضح ان هذه السيرة لو كانت خطرا على الشرع ومنافية للأحكام الاسلامية وفيها مفاسد لقام النبي الأكرم(ص) أو الأئمة الأطهار بالردع عنها والمنع عن العمل بها، فسكوتهم عن الردع والمنع عن العمل بها كاشف جزما عن الامضاء والموافقة لهذه السيرة وأنها لم تكن منافية للتشريعات الاسلامية ولم تكن فيها مفاسد.

فإذن سكوت الشارع عن الردع عن هذه السيرة المتداولة بين الناس يوميا في مرأى ومسمع من النبي والائمة الاطهار(ع) يعد كاشف جزما عن الامضاء لها والا لوجب عليهم الردع والمنع عن العمل بها طالما هي مخالفة للأغراض التشريعية، فإحراز حجية هذه السيرة منوط بإمضائها جزما وسكوت الشارع عن الردع عنها كاشف جزمي عن الامضاء.

ولكن قد يقال كما قيل: أن هناك مانعين عن امضاء هذه السيرة:

المانع الاول: الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن.

فهي تصلح ان تكون رادعة عن العمل بهذه السيرة وإن لم تكن دلالتها حجة، فمع ذلك احتمال مطابقتها للواقع موجود ومع احتمال مطابقة ظواهر هذه الآيات والروايات للواقع لم يحرز إمضاء هذه السيرة ومع عدم احرازها يشك في حجيتها وقد تقدم ان الشك في حجية شيء مساوق للقطع بعدم ترتيب آثار الحجية عليه.

فإذن هذه الآيات والروايات رادعيتها لا تتوقف على حجية ظواهرها بل احتمال مطابقة ظواهر هذه الآيات والروايات للواقع كاف في الردع عن هذه السيرة وإثبات عدم حجيتها لأنه مع احتمال أن ظواهر هذه الآيات والروايات مطابقة للواقع لم يحرز إمضاء هذه السيرة فيشك في حجيتها والشك في الحجية مساوق للقطع بعدم ترتيب آثار الحجية عليه، ومن هنا لو وردت رواية ضعيفة وتدل على الردع عن هذه السيرة، فهي وإن لم تكن حجة ولكن احتمال أنها مطابقة للواقع موجود ومعه لم يحرز امضاء هذه السيرة ومع عدم الاحراز لم يحرز حجيتها فيشك فيها والشك في الحجية مساوق للقطع بعدمها أي بعدم ترتيب آثار الحجية عليها.

 

المانع الثاني: أدلة الاصول العملية.

فإن الشك وإن كان مأخوذا في لسان هذه الأدلة الا ان المراد من الشك فيها الشك بالمعنى العرفي واللغوي وهو بهذا المعنى يشمل الظن أيضا، إذ هو بهذا المعنى عبارة عن عدم العلم فيشمل الظن ايضا فهذه الأدلة تدل على عدم حجية الظن أي على عدم حجية الظواهر، وعلى هذا فأدلة الأصول العملية تصلح ان تكون مانعة عن حجية هذه السيرة ورادعة عن العمل بها، بل لو فرضنا ان أدلة الاصول العملية بأجمعها ضعيفة من ناحية السند ولكن احتمال انها مطابقة للواقع موجود ومع هذا الاحتمال يشك في الامضاء أي لم يحرز امضاء هذه السيرة مع احتمال مطابقة هذه الادلة للواقع، ومع عدم احراز الامضاء يشك في حجية هذه السيرة والشك في الحجية مساوق للقطع بعدمها أي بعدم ترتيب آثار الحجية عليها.

فالنتيجة أن هناك مانعين عن العمل بهذه السيرة وعن امضائها شرعا.

والجواب عن ذلك: أنه لا شبهة في ان سيرة العقلاء قد جرت على العمل بظواهر الالفاظ في التشريعات المولوية وذكرنا ان سيرة العقلاء إما ناشئة عن المرتكزات الذهنية التي تمتد جذورها في اعماق نفوسهم او أنها ناشئة عن النكتة الارتكازية الثابتة في مواردها مباشرة، وعلى كلا التقديرين فهذه السيرة جارية في زمن النبي الأكرم(ص) فإن الناس والتابعون له يعملون بهذه السيرة بدون الالتفات الى أي شيء فإن السلوك على طبق هذه السيرة المرتكزة عفوي وليس تعقليا وتفكريا هو قهرا يعمل بهذه السيرة المرتكزة في الاذهان، والنبي الأكرم(ص) ساكت فلو كانت هذه السيرة خاطئة وخطرا على الشريعة وفيها مفاسد فعلى النبي الأكرم(ص) أن يقوم بالردع عنها والمنع لأنه مرسل من الله تعالى لبيان الأحكام الشرعية وتصحيح أخطاء العقلاء فلو كانت خاطئة لقام النبي الأكرم(ص) بتصحيحها والردع عن العمل بها، والردع عن مثل هذه السيرة لا يمكن الا من خلال التأكيد على الردع في كل مجلس وفي كل مناسبة، لأن الردع لا بد ان يكون بمقدار استحكام هذه السيرة وتجذرها بين الناس، فلا بد من التأكيد على المنع والتشديد عليه حتى تقلع الناس عن هذه السيرة لأنها أصبحت عادة وتقليد بين الناس وتبديل هذه العادة والتقاليد بعادة أخرى بحاجة الى عناية زائدة.

فإذن لا يمكن المنع عن هذه السيرة مرة واحدة والردع عنها برواية واحدة بل لا بد من التأكيد عليه والتشديد فيه بشكل مستمر، ولو كان الردع عن السيرة العقلائية بالعمل بظواهر الالفاظ بهذه المثابة لوصل الينا ما يناسبه من الروايات مما يدل على الردع، هذا مضافا الى ان الشارع لو قام بالردع عن هذه السيرة وهي العمل بظواهر الالفاظ في الكتاب والسنة في التشريعات الاسلامية وأحكامها فعلى النبي الأكرم اختراع طريقة أخرى للإطاعة والعمل والعبودية في التشريعات الاسلامية فإن العبودية بحاجة الى طريق غير الطريقة المألوفة بين العقلاء ومن الواضح ان النبي الأكرم لو اخترع طريقة أخرى لكان هذا حادثة فريدة من نوعها على خلاف ما هو مألوف ومشتهر ومرتكز بين الناس ولَسجلت في التأريخ وسجلت في الروايات واشتهرت بين الناس مع انه لا عين ولا أثر لها.

فإذن سكوت النبي الأكرم(ص) عن ردع الناس عن العمل بظواهر الالفاظ وعدم اختراع طريقة أخرى للعمل غير الطريقة المألوفة بين العقلاء والمرتكزة في أذهانهم شاهد قطعي وكاشف جزمي عن امضاء هذه السيرة شرعا ولا بد من العمل بها، وهو كاشف ايضا عن أن الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن لا تصلح ان تكون مانعة عن العمل بهذه السيرة فإن الناس يعملون بظواهر الالفاظ في زمن صدور هذه الآيات والروايات وبعدها وغير ملتفتين الى هذه الآيات والروايات فلو كان هذ العمل خاطئا لكان على النبي الأكرم(ص) أو الأئمة الأطهار تنبيه الناس على ذلك وأن هذه الآيات والروايات مانعة عن العمل بالظواهر وسكوت النبي (ص) الأمام كاشف جزمي عن انها لا تصلح ان تكون مانعة ورادعة عن هذه السيرة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo