< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر

الى هنا قد تبين ان سيرة العقلاء الجارية على العمل بظواهر الالفاظ كالكتاب والسنة صارت كالعادة والجبلة والفطرة ومن التقاليد بين الناس ويعملون بها في زمن التشريع مع سكوت الشارع عن الردع عن هذه السيرة ولهذا سلوك الناس على طبق هذه السيرة يكون عفويا بدون تعقل وتفكر كما هو في جميع الموارد كذلك فإن سلوك الانسان على طبق العادة والفطرة والجبلة والتقاليد يكون عفويا بدون ان يكون مفكرا ومتعقلا وما نحن فيه ايضا كذلك ومن الواضح ان الردع عن هذه السيرة اذا كانت مخالفة للتشريع الاسلامي وخطر على الشرع وفيها مفاسد بحاجة الى بيانات مختلفة ومتعددة ولا يمكن ردعها برواية واحدة او بآية واحدة بل لا بد من بيان ردعها بكل مناسبة وفي كل مجلس وبيان مفاسدها وآثارها السلبية للناس حتى يتمكن الشارع من قلع جذورها عن أذهان الناس والا فلا يمكن قلع جذورها عن أذهان الناس ببيان واحد أو برواية واحدة فلا بد من البيانات المختلفة في كل مناسبة واظهار مضار هذه السيرة ومفاسدها.

هذا اضافة الى ان الشارع اذا ردع هذه السيرة التي هي مألوفة بين العرف والعقلاء ومرتكزة في اذهانهم وتمتد جذورها في اعماق نفوسهم فلا بد أن يخترع طريق آخر للإفادة والاستفادة من الكتاب والسنة والعمل بالأحكام الشرعية إذ الناس يعملون بظواهر الكاتب والسنة فإذا لم يكن العمل بظواهر الكتاب والسنة جائزا فلا بد من اختراع طريق أخر للعمل بالكتاب والسنة، فلو كان الشارع قد اخترع طريقا آخر فبطبيعة الحال يصبح هذا الاختراع مألوفا ومشهورا ولسجل في الروايات مع أنه لا عين منه ولا أثر لا في التأريخ ولا في الروايات، وهذا يكشف كشفا جزميا عن عدم اختراع طريقا آخر غير الطريق المألوف في العرف والعقلاء وهو العمل بالظواهر من الكتاب والسنة وعدم اختراع طريقا آخر كاشف جزمي عن عدم الردع وهو كاشف عن الامضاء فهذه السيرة ممضاة شرعا.

فالنتيجة المتحصلة من ذلك أمران:

الامر الاول: ان هذه الآيات والروايات بإطلاقها لا تصلح ان تكون رادعة عن هذه السيرة فكيف يمكن المنع عن هذه السيرة المرتكزة في الاذهان بإطلاق الآيات والروايات الثابت بمقدمات الحكمة؟ ولا بد ان يكون ردعها ببيان صريح في كل مناسبة وفي كل مجلس وبيان آثارها السلبية والا فلا يمكن ردعها بالإطلاق الثابت بمقدمات الحكمة.

الامر الثاني: ان هذه السيرة المرتكزة في الاذهان بمثابة قرينة لبية متصلة بالنسبة الى إطلاقات الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن ومانعة عن انعقاد ظهورها في الاطلاق، فتخرج ظواهر الالفاظ كالكتاب والسنة عن إطلاق الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن، ومع الاغماض عن ذلك وتسليم انها ليست بمثابة قرينة متصلة حتى تكون مانعة عن انعقاد ظهورها في الاطلاق، ولكن لا شبهة في انها قرينة منفصلة ومانعة عن حجية إطلاقها، فإن القرينة المنفصلة مانعة عن حجية ظهورها في الاطلاق فظهورها في الاطلاق لا يكون حجة وهذه السيرة مانعة عن حجية ظهورها في الاطلاق وتقيد ظهورها في الاطلاق بغير ظواهر الالفاظ كالكتاب والسنة ونحوهما، نعم -بناءً - على ما ذكره السيد الاستاذ(قده)[1] [2] من ان جزء مقدمات الحكمة عدم القرينة أعم من عدم القرينة المتصلة والمنفصلة ولكن عدم القرينة المنفصلة جزء مقدمات الحكمة عند وصولها وعند مجيئها فالمطلق اذ صدر من المتكلم العرفي ولم تكن قرينة متصلة في البين انعقد ظهوره في الاطلاق وأما اذا جاءت قرينة منفصلة بعد ذلك فهي رافعة لهذا الظهور وهذا معنى ان جزء مقدمات الحكمة عدم القرينة أعم من المتصلة والمنفصلة عند وصولها.

واما شيخنا الانصاري فقد بنى على أن جزء مقدمات الحكمة عدم القرينة أعم من المتصلة والمنفصلة مطلقا لا عدم القرينة المنفصلة الى زمان مجيئها وورودها، ولكن ذكرنا في مبحث التعادل والترجيح انه لا يمكن المساعدة على كلا القولين، وأن جزء مقدمات الحكمة هو عدم القرينة المتصلة، فإن مقدمات الحكمة مركبة من كون المتكلم في مقام البيان وجعل الحكم على الطبيعي وعدم نصب قرينة متصلة فإذا تمت هذه المقدمات انعقد ظهور المطلق في الاطلاق فجزء مقدمات الحكمة عدم القرينة المتصلة فقط لا عدم القرينة المنفصلة لا مطلقا كما ذكره شيخنا الانصاري ولا مقيدا بزمان ورودها كما ذكره السيد الاستاذ(قده) وتفصيل الكلام هناك أي مبحث التعادل والترجيح وقد تقدم الكلام في ذلك في بحث المطلق والمقيد ايضا.

واما المحقق النائيني(قده) فقد ذكر ان سيرة العقلاء الجارية على العمل بالظواهر حاكمة[3] على الآيات والروايات الناهية ورافعة لموضوعها تعبدا لا انها مخصصة ومقيدة، بتقريب ان المجعول في باب الأمارات هو الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي ومعنى أن الشارع جعل خبر الثقة حجة أنه جعله علما تعبديا فخبر الثقة بعد حجيته علم غاية الامر انه علم تعبدي وكذلك ظواهر الالفاظ بعد حجيتها علم غاية الامر انها علم تعبدي، وحيث ان موضوع الآيات والروايات الناهية هو الظن وادلة الاصول العملية موضوعها الجامع بين الشك والظن والمفروض ان ظواهر الالفاظ بعد امضاء الشارع لسيرة العقلاء القائمة عليها تتصف بالحجية فإذا صارت حجة فهي علم تعبدي ومع كونها علم تكون حاكمة على الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن ورافعة لموضوعها تعبدا، فإن الدليل الحاكم يرفع دليل المحكوم تعبدا لا وجدانا، فسيرة العقلاء الجارية على العمل بالظواهر بعد امضاء الشارع تكون حاكمة على الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن وعلى أدلة الاصول العملية.

فإذن وجه تقديم سيرة العقلاء الجارية على العمل بالظواهر على الآيات والروايات الناهية هو الحكومة لا التخصيص والتقييد.

ولكن للمناقشة فيه مجال:

أما أولا: فقد ذكرنا ان هذه الآيات لا تصلح ان تكون رادعة لهذه السيرة ولا يمكن ردع هذه السيرة بهذه الآيات، ومع الاغماض عن ذلك فما ذكره(قده) من ان الحجية مجعولة في باب الأمارات وان معنى جعل الحجية في باب الأمارات جعل الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي كلا الامرين غير صحيح.

اما الامر الاول فلا جعل في باب الأمارات، إذ عمدة الدليل على حجية الأمارات هي السيرة العقلائية وهي عبارة عن عمل العقلاء بأخبار الثقة وظواهر الالفاظ، فلا يكون مفاد السيرة الجعل فلا اشعار في السيرة على الجعل فضلا عن الدلالة، واما الامضاء فليس معنى الامضاء هو جعل الحجية للأمارات بل معناه تصديق سيرة العقلاء وانها موافقة للشرع ومن هنا يكفي في الامضاء سكوت المولى ومع سكوته وعدم صدور منع منه وردع فهو كاشف عن الامضاء ومعناه موافقة المولى بما هو شارع على سيرة العقلاء ومن هنا قلنا ان معنى الحجية معنى انتزاعي فبعد امضاء الشارع لسيرة العقلاء ينتزع منها الحجية شرعا والحجية المنتزعة عبارة عن تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير عند الخطأ.

فإذن لا جعل في باب الأمارات ولا مجعول.

وأما الامر الثاني فعلى تقدير تسليم ان الحجية مجعولة في باب الأمارات الا انه لا يمكن ان يكون معنى الحجية الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي لأن جعل الطريقية لأخبار الثقة ولظواهر الالفاظ لغو فإن هذا الجعل لا يؤثر في اخبار الثقة لا تكوينا ولا تشريعا ومجرد لقلقة لسان فلا يمكن صدوره من المولى الحكيم، ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ان هذا الجعل ممكن في مقام الثبوت الا انه لا دليل عليه في مقام الاثبات فإن سيرة العقلاء لا تدل على هذا الجعل وعمدة الدليل على حجية الأمارات هي سيرة العقلاء بل لا تدل على الجعل مطلقا.

فإذن لا دليل على هذا الجعل اصلا.


[1] محاضرات في علم الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للشيخ الفياض، ج4، ص536.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo