< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/02/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر

ذكرنا ان لنا تعليقا على ما ذكره شيخنا الانصاري وتعليقا على ما ذكره سيدنا الاستاذ (قدهما) أما التعليق على ما ذكره الشيخ عليه الرحمة فلا شبهة في ان اصالة الظهور أصل برأسه مستقل ولا ترجع الى اصالة عدم القرينة كما ذكره شيخنا الانصاري(قده) وذلك لوجوه:

الوجه الاول: انه لا شبهة في ان سيرة العقلاء جارية على العمل بالظواهر فإن عمدة الدليل على حجية ظواهر الالفاظ بناء العقلاء وسيرتهم الجارية على العمل بها المرتكزة في الاذهان وهذا الظهور أمر وجداني فإن الكلام اذا صدر من المولى وكان في مقام البيان ولم ينصب قرينة على الخلاف انعقد ظهور لكلامه في انه أراد مدلوله بإرادة جدية او ظهور حال المولى في انه اراد معنى كلامه بإرادة جدية[1] وفي الحقيقة ظهور حال المتكلم في انه أراد مدلول كلامه بإرادة جدية اذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة متصلة على الخلاف، وهذا الظهور الذي هو أمر وجداني لا شبهة في ان سيرة العقلاء قد جرت على العمل به، وقد ذكرنا ان سيرة العقلاء على العمل بشيء لا يمكن ان تكون جزافا وبلا نكتة وبلا مبرر، والمبرر لذلك ان ظواهر الالفاظ كاشفة عن الواقع بدرجة أقوى من كشف ظواهر الافعال، فمن اجل ذلك بنى العقلاء على العمل بظواهر الالفاظ دون ظواهر الافعال، فلا شبهة في ان السيرة قد جرت على العمل بظواهر الالفاظ الذي هو امر وجداني ومتحقق في الخارج والشارع أمضى هذه السيرة فتكون هذه السيرة حجة شرعا وتدل على حجية الظواهر، فتكون الظواهر حجة عقلائيا وشرعا معا.

وأما ان أصالة الظهور ترجع الى اصالة عدم القرينة فلا يتصور له معنى صحيح كيف ينقلب الامر الوجودي الى الامر العدمي؟ وكيف تنقلب اصالة الوجود الى اصالة العدم؟ فهذا في نفسه غير متصور الا ان يكون مراده(قده) ان الفقهاء قد يعبرون عن اصالة الظهور بإصالة عدم القرينة ولكن هذا مجرد اختلاف في التعبير ولا واقع موضوعي له ولا مانع منه، وأما أن هذه الاصالة الوجودية ترجع الى الاصل العدمي فلا معنى له.

الوجه الثاني: أن أصالة عدم القرينة في نفسها وبقطع النظر عن رجوعها الى اصالة الظهور ليست من الأمارات الكاشفة عن الواقع حتى يكون بناء العقلاء عليها إذ لا يوجد فيها ما يكشف عن الواقع، فلا معنى لبناء العقلاء عليها، إذ لا يكون بناء العقلاء على العمل بها الا بنكتة ومبرر وهو غير موجود فيها.

فإذن اصالة عدم القرينة في نفسها لا دليل عليها فإن عمدة الدليل سيرة العقلاء ولا سيرة عليها واما الدليل الآخر غير السيرة العقلائية فهو غير موجود.

الوجه الثالث: في أن منشأ الشك في أن ظاهر اللفظ الصادر من المولى هل هو مراد للمولى بإرادة جدية ونهائية او انه ليس مراد له كذلك؟ منشأ هذا الشك الشك في وجود القرينة المنفصلة في الواقع وفي المرتبة السابقة، فإن الشك في ان المولى أراد من ظاهر كلامه معناه بإرادة جدية ونهائية ناشئ عن الشك في وجود القرينة المنفصلة في الواقع وفي المرتبة السابقة فلا بد من الرجوع الى اصالة عدم القرينة لنفي هذا الشك، فلا مناص من الرجوع الى اصالة عدم القرينة لنفي هذا الشك، وهذا مراد الشيخ عليه الرحمة من رجوع الاصول الوجودية الى الاصول العدمية .

ولكن احتمال وجود القرينة المنفصلة في الواقع وفي المرتبة السابقة لا يكون نافيا لهذا الشك ولا يكون نافيا للظهور ولا لحجية الظهور، فإن هذا الاحتمال غير رافع للظهور لأن الظهور تحقق وجدانا، وغير رافع لحجية هذا الظهور، إذ رفع الحجية لا يمكن الا بحجية أخرى أقوى منها، ومجرد الاحتمال لا يكون رافعا لها وكذلك لا يكون رافعا للشك، فإن الرافع لهذا الشك انما هو ظهور كلام المولى وظهور حاله الذي هو كاشف عن الواقع لا اصالة عدم القرينة المنفصلة في الواقع.

فالنتيجة ان ما ذكره شيخنا الانصاري من رجوع الاصول الوجودية الى الاصول العدمية لا يمكن المساعدة عليه.

هذا اذا كان الظهور متحققا لكلام المولى.

واما اذا لم يكن الظهور متحققا ومنعقدا أما لأجل احتمال احتفافه بما يحتمل ان يكون قرينة إذ احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية مانع عن انعقاد الظهور أو من جهة احتمال ان هذا الموجود قرينة مانعة عن انعقاد ظهوره او بسبب آخر، فالظهور لم ينعقد لكلام المولى ففي مثل ذلك لا يمكن التمسك بأصالة الظهور لعدم الموضوع لها إذ الموضوع لها هو الظهور وهو غير تحقق ، واما أصالة عدم القرينة فلا دليل عليها.

فإذن لا يرجع لا الى اصالة عدم الظهور لعدم تحقق موضوعها ولا الى اصالة عدم القرينة لعدم الدليل عليها.

وأما التعليق على ما ذكره السيد الاستاذ(قده) فإنه ذكر افتراضين:

الافتراض الاول: ان الظهور متحقق فلا شبهة في ان العمل به لأن اصالة الظهور أصل برأسه.

وهذا الافتراض صحيح فإن الاصول الوجودية أصول برأسها وسيرة العقلاء قد جرت عليها فإن هذه الاصول برأسها موضوع لسيرة العقلاء وموضوع للحجية ولا ترجع الى الاصول العدمية.

الافتراض الثاني: ان الظهور غير متحقق من جهة احتمال وجود القرينة المتصلة ففي مثله قد ذكر(قده) انه لا مانع من التمسك بأصالة عدم القرينة لإثبات الظهور أي اثبات موضوع الحجية وهو الظهور.

ولكن ظهر مما ذكرنا ان أصالة عدم القرينة لا دليل على حجيتها فإن الدليل عليها اما بناء العقلاء وسيرتهم أو دليل شرعي تعبدي.

أما سيرة العقلاء فقد ذكرنا انها اذا جرت على العمل بشيء لا يمكن ان تكون جزافا وتعبدا والمفروض ان اصالة عدم القرينة في نفسها ليست من الأمارات الكاشفة عن الواقع حتى تكون موردا لسيرة العقلاء وبنائهم فلا يمكن اثبات حجيتها بسيرة العقلاء وبنائهم.

واما الدليل الشرعي التعبدي فلا وجود له وعلى تقدير وجوده فهذه الاصالة لا أثر لها لأنها على ذلك لا تثبت الظهور وليس لها أثر آخر غير ذلك فإن هذه الأصالة إنما تثبت الظهور إذا كانت من الأمارات والدليل عليها بناء العقلاء وسيرتهم ومع كون الدليل عليها هو الدليل الشرعي فهي أصالة تعبدية فلا تثبت ظهور اللفظ الذي هو موضوع الحجية وليس لها أثر آخر غير ذلك.

والخلاصة أن اصالة عدم القرينة ليست من الأمارات كما هو محل البحث في المقام لأن محل البحث بين الشيخ وصاحب الكفاية(قدهما) الاصول اللفظية وهي من الأمارات وليس الأصول التعبدي كالأصول العملية.

ولكن ظهر مما ذكرنا ان اصالة عدم القرينة ليست من الاصول اللفظية لأنها ليست من الأمارات الكاشفة عن الواقع في نفسها فلا دليل على حجيتها من باب أنها أصل لفظي ، والدليل لو كان على حجيتها فهي أصل عملي والدليل عليها دليل الاستصحاب، وهو لا يشملها لعدم ترتب الاثر عليها لأن دليل الاستصحاب انما يشمل شيء لو كان موضوعا للإثر الشرعي أو اذا كان أثرا شرعيا في نفسه واما اذا لم يكن كذلك فلا يشمله دليل الاستصحاب، وما نحن فيه كذلك فإن اصالة عدم القرينة لا يترتب عليها اثر شرعي حتى تكون مشمولة لدليل الاستصحاب، لأنها لا تثبت ظهور اللفظ في معناه الا على القول بالأصل المثبت.

الى هنا قد تبين ان ما ذكره شيخنا الانصاري من ان الاصول الوجودية ترجع الى الاصول العدمية لا يمكن المساعدة عليه بل لا يرجع الى معنى صحيح.

واما ما ذكره السيد الاستاذ(قده) من ان اصالة عدم القرينة المتصلة تثبت ظهور اللفظ فلا يمكن المساعدة عليه ايضا.


[1] قد يعبر عن ذلك بظهور اللفظ وقد يعبر بظهور حال المتكلم ولا فرق بينهما لأن الاختلاف انما هو بالتعبير.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo