< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/02/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر

إلى هنا قد تبين أن ما ذكره شيخنا الانصاري من ان رجوع الأصول الوجودية الى الأصول العدمية وهي التي تكون أصولا مستقلة برأسها وموردا لبناء العقلاء، واما الأصول الوجودية فهي ترجع اليها ولا وجود لها ذكرنا ان ما ذكره (قده) لا يرجع الى معنى صحيح على تفصيل تقدم .

واما النقطة الثانية: فهل أصالة الظهور تتوقف على أصالة عدم القرينة في الواقع وفي المرتبة السابقة او انها لا تتوقف على ذلك؟

ذهب المحقق النائيني(قد)[1] وتبعه فيه السيد الاستاذ(قد) الى ان اصالة الظهور تتوقف على أصالة عدم القرينة في الواقع ومقام الثبوت وفي المرتبة السابقة، لأن اصالة الظهور بلحاظ الإرادة الاستعمالية متوقفة على عدم نصب قرينة متصلة فإذا شككنا في أن أصالة الظهور بلحاظ الإرادة الاستعمالية مرادة او لا فهذا الشك مسبَب عن الشك في وجود القرينة المتصلة فإذن لا بد من التمسك بأصالة عدم القرينة المتصلة واما أصالة الظهور بلحاظ الإرادة الجدية النهائية فهي متوقفة على أصالة عدم القرينة المنفصلة بوجودها الواقعي في الواقع والمرتبة السابقة، وعلى هذا فأصالة الظهور بلحاظ الإرادة الاستعمالية متقومة بأصالة عدم القرينة المتصلة وأصالة الظهور بلحاظ الإرادة الجدية النهائية متقومة بأصالة عدم القرينة المنفصلة في الواقع وفي المرتبة السابقة.

وعلى هذا فهنا أصلان طوليان أحدهما في طول الاخر فأصالة الظهور بلحاظ الإرادة الاستعمالية في طول أصالة عدم القرينة المتصلة، وأصالة الظهور بلحاظ الإرادة الجدية النهائية في طول أصالة عدم القرينة المنفصلة، وبناء العقلاء قد جرى على كلا الأصلين معا، فتنقيح موضوع الحجية وموضوع الآثار وهو أصالة الظهور بلحاظ الإرادة الجدية النهائية يتوقف على اصالة عدم القرينة المنفصلة في الواقع وفي المرتبة السابقة ومن هنا يظهر ان ما ذكره المحقق النائيني(قده) ليس شبيها بما ذكره شيخنا الانصاري(قد) فإن الشيخ يقول برجوع الاصول الوجودية الى الاصول العدمية فالأصول المستقلة هي الاصول العدمية واما المحقق النائيني فلا يقول برجوع الاصول العدمية الى الاصول الوجودية وكذلك لا يقول بعكس قول شيخنا الانصاري(قد) كما ذكره بعض المحققين.

ولكن الأمر ليس كذلك فإن المحقق النائيني يقول بكلا الاصلين معا وأن بناء العقلاء كما جرى على اصالة الظهور كذلك جرى على اصالة عدم القرينة غاية الامر أصالة الظهور في طول أصالة عدم القرينة وحجيتها ومراديتها جدّاً تتوقف على أصالة عدم وجود القرينة المنفصلة في الواقع وفي المرتبة السابقة.

فإذن فرق بين ما ذكره المحقق النائيني وبين ما ذكره شيخنا الانصاري(قدهما).

ومن هنا ذكر بعض المحققين(قده)[2] ــ على ما في تقرير بحثه ــ ان المحقق النائيني يقول بأن موضوع الحجية مركب من اصالة الظهور وأصالة عدم القرينة وليس خصوص أصالة الظهور فإن أصالة الظهور إذا كانت مع أصالة عدم القرينة فهي موضوع للحجية.

وما ذكره(قد) وإن كان ممكنا ثبوتا ولكن ظاهر عبارة المحقق النائيني لا تنسجم مع ذلك فإن ظاهر عبارته ان موضوع الحجية هو أصالة الظهور غاية الأمر أن حجية هذه الاصالة تتوقف على أصالة عدم القرينة المنفصلة فالظهور يتوقف على اصالة عدم القرينة المتصلة وحجية الظهور تتوقف على اصالة عدم القرينة المنفصلة بوجودها الواقعي.

هكذا ذكره المحقق النائيني(قده)

وللمناقشة فيما أفاده مجال

بيان ذلك: ان لنا دعويين:

الدعوى الاولى: أن ما أفادته مدرسة المحقق النائيني غير تام وغير صحيح.

الدعوى الثانية : ان الصحيح ان حجية أصالة الظهور متوقفة على وصول القرينة أي القرينة بوجودها العلمي لا بوجودها الواقعي، فإنّ المانع عن حجية أصالة الظهور القرينة المنفصلة بوجودها العلمي وبوصولها الى المكلف فهي المانعة عن حجية أصالة الظهور لا بوجودها الواقعي.

وأما الكلام في الدعوى الاولى فتارة يقع في القرينة المنفصلة وأخرى يقع في القرينة المتصلة.

أما الكلام في القرينة المنفصلة فلا شبهة في أن احتمال وجود القرينة في الواقع وفي المرتبة السابقة لا يكون مانعا عن ظهور اللفظ في معناه وظهور حال المتكلم في انه أراد معنى كلامه بإرادة جدية ونهائية، فإذا فرضنا أنه صدر كلام من المولى وكان في مقام البيان ولم ينصب قرينة متصلة الى ان فرغ من كلامه فلا شبهة في أن الظهور ينعقد للفظ في معناه بظهور جدي ونهائي وكذلك ظهور حال المتكلم ينعقد في ان المتكلم أراد معناه بإرادة جدية ونهائية وهذه الإرادة الجدية النهائية هي الموضوع للحجية واما احتمال وجود القرينة المنفصلة فهو لا يمنع عن هذا الظهور ولا عن ظهور اللفظ ولا عن حجيته لأن بناء العقلاء إنما جرى على العمل بالظاهر والمفروض أن هذا البناء حجة بإمضاء الشارع وإذا كان حجة فهو يدل على حجية هذا الظهور ومن الواضح ان مجرد احتمال وجود القرينة في الواقع لا يمنع عن حجية هذا الظهور لأن موضوع الحجية هو الظهور وليس الظهور المقيد بعدم احتمال وجود القرينة في الواقع لأن بناء العقلاء قد جرى على العمل بالظاهر من حال المتكلم وبظاهر حال اللفظ، والشارع امضى هذا البناء وبعد الامضاء يكون حجة شرعا ويدل على حجية الظاهر ومجرد احتمال وجود قرينة في الواقع لا يمنع عن حجيته، بل ذكرنا آنفاً أن أصالة عدم القرينة ليست من الأصول اللفظية لأنها ليست من الأمارات الكاشفة عن الواقع ولهذا لا دليل على حجيتها لا من بناء العقلاء لأن بنائهم على العمل بشيء لا يمكن ان يكون جزافا وتعبدا وحيث ان اصلة عدم وجود القرينة في الواقع ليست من الأمارات الكاشفة عن الواقع فلا بناء للعقلاء عليها ولا سيرة لهم على العمل بها، فلا دليل على حجيتها بعنوان انها من الاصول اللفظية ومن الأمارات، واما الدليل الشرعي التعبدي فهو أيضا غير موجود الا دليل الاستصحاب، ولكن ادلة الاستصحاب لا تشمل أصالة عدم وجود القرينة في الواقع لأنها إنما تشمل المستصحَب اذا ترتب عليه أثر شرعي والمفروض عدم ترتب أثر شرعي على اصالة عدم القرينة لأنها لا تثبت ظهور اللفظ في معناه الا على القول بالأصل المثبت فمن اجل ذلك لا أثر لأصالة عدم القرينة كي تكون مشمولة لروايات الاستصحاب فلا دليل على هذه الاصالة. بل بناء العقلاء إنما هو على أصالة الظهور فقط.

فإذن ما ذكره المحقق النائيني(قد) من ان هنا أصلين طوليين وهما أصالة عدم القرينة وأصالة الظهور في طولها لا يمكن المساعدة عليه.

وبكلمة: إنّ ظهور اللفظ في معناها اما أن يكون بالوضع كما إذا قال المولى ((أكرم كل عالم)) أو ((أكرم كل عادل)) فإن كلمة كل تدل على العموم بالوضع أو كدلالة الأمر على الوجوب أو دلالة النهي على الحرمة فإن النهي مادة وهيئة يدل على الحرمة بالوضع، وعلى هذا فإذا ورد من المولى ((أكرم كل عالم)) وكان في مقام البيان ولم ينصب قرينة متصلة بكلامه الى ان فرغ منه فلا شبهة في انعقاد ظهوره في العموم وظهور حال المولى في انه اراد العموم بإرادة جدية ونهائية وهو الموضوع للحجية ومجرد احتمال وجود قرينة منفصلة في الواقع وفي المرتبة السابقة لا أثر له لأن هذا الاحتمال لا يرفع الظهور لأن الظهور امر تكويني وجداني وثابت ولا يعقل ان يكون هذا الاحتمال رافعا له ولا رافعا لحجيته لأن الحجية من آثار هذا الظهور ولا يمكن التفكيك بينهما فلا يكون هذا الاحتمال ذا أثر.

واما إذا كان دلالة اللفظ على المعنى بالإطلاق ومقدمات الحكمة فإن مقدمات الحكمة مركبة من الأمور الثلاثة:

الأول: ان يكون المتكلم في مقام البيان.

الثاني: ان يكون الحكم مجعولا على الطبيعي.

الثالث: ان لا ينصب قرينة متصلة.

فإذا فرغ من كلامه وتمت هذه المقدمات الثلاث انعقد ظهور المطلق في الاطلاق وظهور حال المتكلم في انه أراد الاطلاق بإرادة جدية ونهائية وهذا الظهور موضوع للحجية وبناء العقلاء واحتمال وجود القرينة المنفصلة لا أثر له لأن عدم القرينة المنفصلة ليس جزء مقدمات الحكمة حتى يكون احتمال وجودها رافعا للظهور فلا أثر له ولا يكون رافعا للحجية لأن الحجية من آثار الظهور والظهور موضوع للحجية ولا يمكن التفكيك بينهما.

فإذن لا أثر لاحتمال وجود القرينة المنفصلة في الواقع وفي المرتبة السابقة مطلقا أي سواء كانت دلالة اللفظ على المعنى بالوضع أم كانت بالإطلاق ومقدمات الحكمة .

هذا مضافا الى ان هذا الاحتمال لو كان مانعا عن العمل بأصالة العموم أو اصالة الظهور أو أصالة الإطلاق فلا يمكن العمل بشيء من مطلقات الكتاب أو السنة إذ احتمال ان الدليل المقيد موجود في الواقع ولكنه لم يصل الينا هذا الاحتمال موجود في كل مطلق في الكتاب أو السنة مع انه لا شبهة في ان سيرة العقلاء وكذلك سيرة العلماء قد جرت على العمل بإطلاقات الكتاب والسنة ولا يعتنى بهذا الاحتمال.

هذا كله في القرينة المتصلة.

وقد تبين ان في المقام أصل واحد وهو أصالة الظهور وبناء العقلاء عليها وهو ممضى شرعا وحجة ولا يوجد هناك أصل آخر في مقابل هذا الاصل كأصالة عدم القرينة المنفصلة في الواقع فإنه لا دليل عليها.

فما ذكره المحقق النائيني(قده) من ان في المقام يوجد أصلان طوليان أحدهما اصالة الظهور والاخر أصالة عدم القرينة لا يرجع الى معنى صحيح.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo