< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: حجية الظواهر

ذكرنا أن سيرة العقلاء قد جرت على العمل بالظواهر في باب المولويّات شرعية كانت او عرفية وهذه السيرة ممضاة من قبل الشارع وهي حجة شرعا وعلى هذا فيعمل بالظواهر مطلقا بمقتضى هذه السيرة سواء أفادت الظن بالوفاق أم لم تفد وسواء قام ظن غير معتبر على خلافها ام لم يقم، فالظواهر حجة على جميع التقادير ولا بد من العمل بها.

واما في الاغراض التكوينية الخارجية والفوائد الدنيوية فلا سيرة للعقلاء على العمل بالظواهر بما هي ظواهر إذ الناس في الامور الخارجية لا يعملون الا بالعلم او الاطمئنان ولهذا التاجر لا يستورد شيء من البضائع من الخارج ما لم يحصل له الاطمئنان بأوضاع السوق وبقانون العرض والطلب، فالسيرة العقلائية الجارية في الامور الخارجية والفوائد الدنيوية على العمل بالاطمئنان والوثوق الشخصي ومن هنا إذا أخبر شخصٌ التاجرَ بأوضاع السوق فإنه يأخذ بهذا الخبر في حالة حصول الاطمئنان له أو الوثوق وهذا في الحقيقة عمل بالاطمئنان لا عمل بخبره وكذا لو كتب مكتوبا اليه عن أوضاع السوق.

وعليه فالظاهر لا يكون حجة مطلقا في الاغراض الدنيوية فالسيرة في الاغراض التكوينية جارية على العمل بالاطمئنان والوثوق الشخصي والنكتة في ذلك ان المطلوب في باب المولويات هو تحصيل الأمن من العقوبة وتحصيل الحجة سواء كان العمل مطابقا للواقع أم لم يكن مطابقا للواقع فتمام همّ العبد تحصيل الأمن من العقوبة واما ان عمله مطابقا للواقع او لا فهو لا يهتمّ بذلك، بينما في الأمور التكوينية الخارجية والفوائد الدنيوية المطلوب هو الوصول الى الواقع ولا أثر لها الا الوصول الى الواقع فلهذا لا يعمل بالظواهر او بأخبار الثقة فيها تعبدا بل إنما يعمل فيها بالاطمئنان والوثوق الشخصي إذا حصل بأي سبب كان.

وبعبارة أخرى أنّ جعل الشارع الأمارات حجةٌ كأخبار الثقة وظواهر الالفاظ كالكتاب والسنة وجعله الاصول العملية حجة في طول الأمارات الشرعية إنما هو لأمرين:

أحدهما: أنها تضمّنت إدراك الملاكات الواقعية والمصالح الشرعية.

والآخر: انها تضمّنت مصالح العباد العامة والتسهيلية.

فإن كانت مطابقة للواقع فهي تضمّنت إدراك الملاكات الواقعية والمصالح التشريعية وإن كانت مخالفة للواقع فهي تضمّنت مصالح العباد العامة والتسهيلية النوعية، وقد ذكرنا في محله من الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي ان هذه المصالح النوعية والتسهيلية للمكلف قد تؤدي الى تفويت المصلحة الشخصية وقد تؤدي الى إلقاء العبد في المفسدة الشخصية، ولا شبهة في ان المصلحة النوعية تتقدم على المصلحة الشخصية وكذلك على المفسدة الشخصية، فالشارع قد لاحظ في جعل الامارات حجة هذين الأمرين وكذلك في الاصول العملية والنكتة ان باب العلم الوجداني بالأحكام الشرعية منسد ولا طريق لنا الى الأحكام الشرعية لأن الأحكام القطعية الضرورية قليلة جدا ولا تتجاوز نسبتها الى الأحكام النظرية عن خمسة او ستة بالمائة بنسبة تقريبية والا فجميع الأحكام أحكام نظرية وبحاجة الى عملية الاجتهاد والاستنباط .

أما الانسداد بالنسبة الى العامّي فهو واضح لأنه لا بد ان يرجع الى المجتهد ويعمل بآرائه وأفكاره لأن فتاوى المجتهد أراء وأفكار له ولكنها ذات طابع إسلامي من جهة انها قد تكون مطابقة للواقع وقد تكون مخالفة للواقع، ولا طريق للمجتهد الى الواقع وليس بإمكانه تحصيل العلم الوجداني في الأحكام الواقعية ولهذا يقوم بعملية الاجتهاد فعملية الاجتهاد ضرورية وواجبة في كل عصر بوجوب كفائي، كما ان التقليد واجب على كل فرد لا يتمكن من الاجتهاد واستنباط الحكم الشرعي من الدليل لأنه معتقد بالدين الاسلامي والدين عبارة عن نفس هذه الاحكام الشرعية ولا بد له من العمل بها ولا يتمكن من العمل بها الا بالتقليد او بالاجتهاد.

فلهذا تكون عملية التقليد والاجتهاد عمليتان ضروريتان في الشريعة المقدسة، ولا يمكن التخلي عنهما.

واما الاحتياط فهو ليس بميسور لكل أحد مضافا الى ان العامّي لا يعرف كيفية الاحتياط في الشبهات الحكمية، فلا محيص من عملية الاجتهاد وتطبيق القواعد العامة الاصولية على عناصرها الخاصة في الفقه حتى تكون النتيجة مسألة فقهية وكذلك لا بد للعامّي من التقليد في العمل بالأحكام الشرعية إذا لم يتمكن من الاجتهاد، ومن هنا لابد من جعل الأمارات حجة للمكلف و في طولها الاصول العملية بعد ما كان باب العلم الوجداني بالأحكام الواقعية الشرعية منسدا.

هذا كله في أن ظواهر الالفاظ حجة مطلقاً أفادت الظن بالواقع ام لم تفد وسواء قام ظن غير معتبر على خلافها أم لم يقم.

وأما الكلام في المقام الثالث وهو التفصيل في حجية الظواهر بين مَن قُصد إفهامه وبين مَن لم يقصد إفهامه ، وقد استدل على هذا التفصيل بوجهين:

الوجه الاول: أن الدليل على حجية الظواهر السيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعا والسيرة العقلائية دليل لبّي فهو لا يكون حجة الا في المقدار المتيقن وهو حجية الظواهر للمقصودين بالإفهام لا مطلقا، فلا دليل على حجية الظواهر لغير المقصودين بالإفهام.

الوجه الثاني: أن مَن كان مقصودا بالإفهام وكان الخطاب موجها اليه فلا منشأ لاحتمال إرادة خلاف الظاهر الا غفلته عن القرينة أي أنه يحتمل ان المتكلم نصب قرينة على الخلاف ولكنه غفل عنها، وحينئذ يكون المرجع أصالة عدم الغفلة، وقد قلنا ان أصالة عدم الغفلة من الأصول العقلائية وحجة ببناء العقلاء بسيرتهم الممضاة شرعا وهي من الأمارات ولا شبهة في حجيتها.

فهذا الاحتمال مدفوع ومعه يكون الظاهر حجة وهذا بخلاف مَن لم يكن مقصودا بالإفهام فإن منشأ إرادة احتمال الخلاف ليس منحصرا باحتمال الغفلة عن القرينة حتى تجري أصالة عدم الغفلة إذ كما يحتمل ذلك يحتمل ان تكون بين المتكلم وبين مَن قُصد إفهامه قرينة لبيّة وهذا الاحتمال موجود وكذلك يحتمل ان تكون بين المتكلم وبين مَن قُصد إفهامه قرينة عهدية أو قرينة حالية، فهذه الاحتمالات موجودة بالنسبة الى مَن لم يُقصد إفهامه وليس في المقام أصل يدفع هذه الاحتمالات ويكون حجة فمن أجل ذلك لا يمكن إثبات حجية الظواهر لمَن لم يقصد إفهامه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo