< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظواهر
ذكرنا أن احتمال غفلة مَن كان مقصوداً بالإفهام عن إرادة المتكلم خلاف ظاهر كلامه بنصب قرينة متصلة مانعة عن انعقاد ظهور الكلام في العموم او الاطلاق هذا الاحتمال مدفوع بأصالة عدم الغفلة وأصالة عدم القرينة الناشئة من أصالة عدم الغفلة، وهي من الأصول العقلائية الممضاة شرعا ومن الأمارات وليست من الأصول العملية وأصالة عدم الغفلة تثبت موضوع أصالة الظهور فعندئذ لا مانع من التمسك بأصالة الظهور. ولكن هذا الاحتمال لا يتطرق بالنسبة الى مَن لم يكن مقصوداً بالإفهام.
نعم هنا احتمالات أخرى مانعة عن التمسك بأصالة الظهور، وهذه الاحتمالات متمثلة في أمور:
الأمر الأول: أن مَن لم يكن مقصوداً بالإفهام يحتمل ان لا يكون المتكلم في مقام البيان بل في مقام الاهمال والاجمال. وتقدم الكلام في ذلك وقلنا: أنه غير تام، فإن ظاهر كل متكلم في حال الاختيار والالتفات إذا صدر كلام منه ظاهر في انه في مقام البيان كما هو الحال في كل فاعل إذا كان مختاراً وملتفتاً وصدر منه فعل فهو ظاهر في أنه مراد له.
فإذن هذا الاحتمال غير محتمل ولا أثر له. هذا مضافا الى ان هذا الاحتمال لو تم فإنما يتم في الخطابات الشخصية لا في الخطابات العامة كخطابات القرآن الكريم والسنة النبوية على تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى.
الأمر الثاني: أن مَن لم يقصد بالإفهام احتمل ان تكون بين المتكلم والمخاطب الذي هو المقصود بالإفهام قرينة لبية او عهدية او حالية ومن الواضح ان القرينة اللبية او العهدية او الحالية قرينة متصلة وهي مانعة عن انعقاد الظهور للكلام في العموم او الاطلاق. وأصالة عدم القرينة لا تجري فإنه لا دليل على حجيتها وهي إنما تكون حجة إذا كان منشؤها أصالة عدم الغفلة واما إذا لم يكن منشؤها اصالة عدم الغفلة فأصالة عدم القرينة لا تكون حجة لا ببناء العقلاء ولا بدليل شرعي، لأن اصالة عدم القرينة لا من الأصول اللفظية ولا من الأصول العملية فلا تدخل لا في الاستصحاب ولا في أصالة البراءة ولا في أصالة الاشتغال كما ان بناء العقلاء لم يجر عليها فالمرجع هو أصالة الظهور. وأصالة الظهور تنفي هذا الاحتمال أي وجود القرينة اللبية أو العهدية او الحالية بين المتكلم والمخاطب هكذا ذكره جماعة من الاصوليين.
ولكن هذا الجواب غير تام. فإن اصالة عدم القرينة وإن لم تكن حجة لا من باب الأمارات ولا من باب الأصول العملية إلا انه مع الشك في هذه القرينة لا يحرز موضوع اصالة الظهور فإن عدم القرينة المتصلة جزء موضوع أصالة الظهور ومع الشك فيه أي في وجود القرينة المتصلة وعدم وجودها لم يحرز موضوع اصالة الظهور ومعه لا يمكن التمسك بهذه الأصالة. لأنه من التمسك بالعام أو المطلق في الشبهة المصداقية وهو غير جائز، لأن أصالة الاطلاق او العموم إنما تثبت الحكم على تقدير ثبوت موضوعه في الخارج واما ان موضوعه موجود او غير موجود فهي ساكتة عنه نفيا وإثباتا فلا بد من أثبات موضوعه من الخارج، وفي المقام حيث يشك في ثبوت موضوع أصالة الظهور فلا يمكن التمسك بها لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو غير جائز. هذا مضافا الى ان هذا الكلام تام في الخطابات الشخصية فإن المقصود بالإفهام وغير المقصود بالإفهام إنما يتصور في الخطابات الشخصية. واما في الخطابات العامة فلا يتصور هذا التقسيم، إذ لا شبهة في أن في الخطابات العامة كخطابات القرآن ان المقصود بالإفهام جميع أصناف المكلفين الى يوم القيامة من الموجودين والمعدومين فإن موضوع هذه الخطابات هو المكلف البالغ العاقل القادر وهو ينطبق على الموجود في الخارج فعلا فإن الأفراد الموجودة في الخارج ينطبق عليها هذا العنوان فعلا، فمرحلة الجعل بالنسبة لهم نفس مرحلة الفعلية، فجعل التكليف مساوق لفعليته بالنسبة الى الأفراد الموجودة في الخارج. واما بالنسبة الى الأفراد غير الموجودة في الخارج فمرتبة الجعل غير مرتبة الفعلية. فهذه الخطابات بالنسبة اليهم في مرحلة الإنشاء أي أن المولى انشأ تفهيم هؤلاء عند وجودهم في الخارج فإذا وجدوا في الخارج ينطبق عليهم هذا العنوان أي عنوان المكلف العاقل البالغ القادر ومع انطباق العنوان عليه صار التكليف في حقه فعليا، مثلا وجوب الحج مجعول للمستطيع البالغ العاقل القادر فبالنسبة الى المستطيع الموجود في الخارج فالخطاب فعلي واما بالنسبة الى المستطيع الذي يوجد في المستقبل فالخطاب في حقه إنشائي ومجرد جعل والشارع قصد إفهام ما ينطبق عليه هذا العنوان فعلا او في المستقبل ولهذا لا يتصور في الخطابات القرآنية التفصيل بين المقصود بالإفهام وغيره بل هذا يتصور في الخطابات الشخصية لا في الخطابات العامة التي هي محل الكلام في المقام.
الأمر الثالث: ان مَن لم يكن مقصودا بالإفهام احتمل سقوط القرينة فتارةً يحتمل سقوط القرينة المتصلة وأخرى يحتمل سقوط القرينة المنفصلة.
اما سقوط القرينة المتصلة فمنشؤه أحد امرين:
الأول: احتمال ان يكون الراوي قد اسقط القرينة في الرواية عمدا وملتفتا او غفلة وسهوا.
الثاني: احتمال سقوط القرينة المتصلة من جهة تقطيع الروايات وتفصيلها وتبوبيها وافراز الروايات بعضها عن البعض الآخر، إذ في زمان الأئمة عليهم السلام لم تكن الروايات مقطعة ومبوبة فالسائل يسأل الأمام عليه السلام مسألة في الصلاة وفي الحج وغيرها والأمام عليه السلام يجيب عن الجميع، والراوي يحفظ هذه الرواية المشتملة على مسائل متعددة. ولكن المحدثين كالشيخ الكليني والصدوق والشيخ الطوسي(قدهم) قطّعوها وبوّبوها وافرزوا رواية كل باب عن روايات الباب الآخر من العبادات والمعاملات، ومن هنا يحتمل سقوط القرينة المتصلة في مقام التقطيع.
ولكن كلا الاحتمالين غير محتمل.
اما الاحتمال الأول وهو احتمال ان الراوي اسقط القرينة المتصلة عامدا وملتفتا فهو خلف فرض أن الراوي ثقة وامين. واما احتمال انه أسقط الرواية غفلة فهو مدفوع بأصالة عدم الغفلة.
واما احتمال سقوط القرينة في مقام التقطيع فهو أيضا غير محتمل فإن التقطيع كان من المحدثين الماهرين العالمين بالأحاديث وخصوصياتها وخصوصيات أبوابها ولا يحتمل سقوط القرينة في مقام التقطيع.
ولكن مع فرض هذا الاحتمال لا يمكن التمسك بأصالة الظهور وذلك لعدم إحراز موضوعها لأن عدم القرينة المتصلة جزء موضوع أصالة الظهور ومع الشك فيه واحتماله فموضوع الأصالة غير محرز فمن اجل ذلك لا يمكن التمسك بأصالة الظهور.
هذا كله في القرينة المتصلة.
واما احتمال سقوط القرينة المنفصلة من جهة احد الأمرين السابقين، فقد تقدم ان كلا الاحتمالين غير محتمل، ومع الشك في سقوط القرينة المنفصلة فلا أثر لهذا الشك، لأنه لا يمنع من التمسك بأصالة الظهور فإن عدم القرينة المنفصلة ليس جزء موضوع أصالة الظهور حتى يكون الشك فيه شكاً في ثبوت موضوعها، نعم القرينة المنفصلة عند وصولها مانعة عن حجية اصالة الظهور لا أنها مانعة عن أصل انعقاد الظهور.
فالنتيجة أن هناك فرق بين احتمال سقوط القرينة المتصلة وبين احتمال سقوط القرينة المنفصلة.
الأمر الرابع: أن مَن لم يكن مقصوداً بالإفهام احتمل ان يكون المتكلم سلك طريقاً آخر في مقام التفهيم والتفهّم غير الطريق المألوف عند العرف والعقلاء في هذا المقام.
ولكن هذا الاحتمال غير محتمل.
اما اولاً: فلأن المتكلم عرفي اعتيادي ومن الواضح ان المتكلم العرفي الاعتيادي يسلك نفس الطريقة المألوف عند العرف والعقلاء في مقام التفهيم والتفهّم، وكل مَن لم يسلك هذا الطريق المألوف في مقام التفهيم فهو ليس بمتكلم عرفي واعتيادي والمفروض ان المتكلم متكلم عرفي اعتيادي فلا محالة يسلك في مقام التفهيم والتفهّم الطريقة المألوفة بين العرف والعقلاء.
وثانياً: أن ظاهر حال هذا المتكلم يقتضي أنه سلك طريقة مألوفة عند العرف والعقلاء في مقام التفهيم والتفهّم فلو سلك طريقا آخر فلا بدّ من نصب قرينة وحيث انه لم تكن قرينة في البين فظاهر حاله يقتضي أنه سلك طريقاً في مقام التفهيم والتفهّم مألوفاً بين العرف والعقلاء.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo