< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر

وأما احتمال أن المتكلم قد عدل عن الطريقة المألوفة بين العرف والعقلاء في مقام الإفادة والاستفادة والتفهيم والتفهم في محاوراتهم وفي الاسواق والمجالس فهذا الاحتمال مدفوع:

أولاً: أن المتكلم إذا كان عرفيا واعتياديا فلا محالة يسلك الطريقة المألوفة عند العرف والعقلاء في مقام التفهيم والتفهم والافادة والاستفادة في المجالس والمحاورات ولا يمكن ان يعدل عن هذا الطريق وإلا لم يكن المتكلم متكلما عرفيا اعتياديا.

وثانياً: ان ظاهر حال كل متكلم يقتضي انه يسلك هذا الطريق المألوف بين العرف والعقلاء في جميع المجالس والاسواق في مقام التفهيم والتفهم وفي مقام الافادة والاستفادة، فالعدول عن هذا الطريق بحاجة الى عناية زائدة وقرينة وطالما لم تكن قرينة في كلامه تدل على العدول فظاهر حاله يقتضي ذلك.

وثالثاً: أنه لا منشأ لهذا العدول عن هذا الطريق في الخطابات العامة فإن الشارع المقدس قد أختار الطريق المألوف بين العرف والعقلاء في مقام الافادة والاستفادة وفي مقام تفهيم مراده للناس إذ لو كان الطريق المختار للشارع غير الطريق المألوف والمرتكز في اذهان العرف والعقلاء لكان معروفاً ومشهوراً بين المتشرعة مع انه لا عين ولا أثر له، وهذا يدل على أن الشارع في خطاباته القرآنية والنبوية قد أختار الطريق المألوف المرتكز بين العرف العام والعقلاء في جميع المراحل وفي تمام محاوراتهم ومجالسهم.

إلى هنا قد وصلنا الى النتائج التالية:

النتيجة الأولى: أن مَن لم يكن مقصودا بالإفهام إذا شك في وجود القرينة المتصلة بين المتكلم والمخاطب كالقرينة العهدية او الحالية او اللبية التي هي بمثابة القرينة المتصلة ومانعة عن انعقاد الظهور للكلام في العموم او الاطلاق فهل يمكن جريان أصالة عدم هذه القرينة؟ والظاهر انه لا يمكن فإن أصالة عدم القرينة إنما تكون حجة ببناء العقلاء إذا كان منشؤها احتمال غفلة المتكلم او المخاطب واما اذا لم يكن منشؤها غفلة المخاطب او المتكلم فلا دليل على هذه الأصالة لا من باب الأصول اللفظية ولا من باب الأصول العملية. ومن هنا ذهب جامعة الى التمسك بأصالة الظهور في المقام لنفي احتمال وجود القرينة .

ولكن تقدم انه لا يمكن التمسك بأصالة الظهور إذ الشك في وجود القرينة المتصلة شك في تحقق موضوع هذه الأصالة لأن عدم القرينة المتصلة جزء موضوع هذه الأصالة ومع الشك في وجود القرينة المتصلة وعدمها لم يكن موضوع اصالة الظهور محرزا ومعه لا يمكن التمسك بها لأنه من التمسك بالعام او المطلق في الشبهات المصداقية، وهو غير جائز.

النتيجة الثانية: ان التفصيل بين مَن قصد إفهامه ومَن لم يقصد إنما يتم في الخطابات الشخصية فإن مَن تكلم مع زيد يكون زيد هو المقصود بالإفهام دون غيره، واما في الخطابات العامة كالخطابات القرآنية وخطابات السنة النبوية فهذا التفصيل لا معنى له ولا مورد له، إذ لا شبهة في ان الشارع قد قصد إفهام جميع المكلفين من الحاضرين والغائبين والمعدومين الى يوم القيامة كما سنشرح ذلك في النتيجة التالية.

النتيجة الثالثة: ان الخطابات القرآنية على قسمين: خطابات مشتملة على ادوات الخطاب كقوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم[1] فإن هذه الخطابات مزينة بأداة الخطاب ومأخوذة في ألسنتها، وخطابات غير مشتملة على ادوات الخطاب كقوله تعالى ﴿ الله على الناس حج البيت مَن استطاع اليه سبيلا [2] فإن هذه الآية المباركة لا تكون مشتملة على اداة الخطاب.

اما القسم الأول من الخطابات القرآنية فلا محالة يكون متوجها الى المخاطبين الموجودين في الخارج الحاضرين في المجلس، لأن الخطاب لا يتصور توجهه إلا الى المخاطب الموجود في الخارج لأن الخطاب نسبة بين المتكلم والمخاطب والنسبة لا يمكن تحققها الا بتحقق طرفيها لأنها متقومة ذاتا وحقيقة بطرفيها ولا وجود لها الا بوجود طرفيها، فإذن الخطاب لا يتصور بدون مخاطب موجود في الخارج يكون الخطاب موجها اليه فلا يمكن توجيه الخطاب الى الغائبين فضلا عن المعدومين.

ولكن هذا لا يرتبط بما هو المقصود بالإفهام فإن الخطاب لا يمكن توجيهه إلا الى الحاضرين في المجلس ولا يمكن توجيه الى الغائبين فضلا عن المعدومين هذا مسلم ولكن لا يقتضي ان لا يكون الغائب او المعدوم غير مقصود بالإفهام، لأن مضمون هذا الخطاب هو جعل الحكم الشرعي للمكلف البالغ والعاقل والقادر، وجعل الحكم الشرعي للبالغ مقصود من الشارع لكل الناس من الحاضرين في المجلس والغائبين والمعدومين الى يوم القيامة بمعنى ان الشارع قصد إفهام كل مَن وصل اليه خطابه ولو في المستقبل بالحكم الشرعي غاية الأمر ان هذا الخطاب فعلي بالنسبة الى الحاضرين وانشائي بالنسبة الى المعدومين وإنما يصير فعليا بعد وجودهم، فالخطاب الصادر من المولى فعلي بالنسبة الى الحاضرين في المجلس الذين يكون الخطاب متوجها اليهم وهو انشائي بالنسبة الى المعدومين الى يوم القيامة.

واما القسم الثاني من الخطابات فهي على نحو القضية الحقيقية والقضية الحقيقة غير موجهة الى الموجودين في الخارج إذ الحكم في القضية الحقيقية مجعول للموضوع المقدر وجوده في الخارج سواء أ كان موجودا في الخارج حين الجعل ام لم يكن موجودا، فالشارع جعل وجوب الحج على المستطيع المفروض وجوده سواء كان المستطيع موجودا حين الجعل ام لم يكن هذا هو حال القضية الحقيقية فإن وجد المستطيع صار وجوب الحج فعليا أي فعلية فاعليته لا فعلية الوجوب فإن فعلية الوجوب في الخارج غير معقولة أي ان محركيته أصبحت فعلية بفعلية الاستطاعة في الخارج.

فإذن كل مَن يكون مستطيعا في الخارج في المستقبل صار وجوب الحج فعليا في حقه، وعلى هذا يكون كل من وصل اليه هذا الكلام مقصودا بالإفهام.

فإذن لا مانع من ان يكون المقصود بالإفهام جميع الناس الى يوم القيامة.

ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ان حجية الظواهر مختصة بالمشافهين وبالحاضرين في المجلس وبالمقصودين بالإفهام ولكن مع ذلك تكون جميع طبقات المكلف الطولية الى زمان النبي الأكرم( صلى الله عليه وأله) أو الى زمان الأئمة عليهم السلام كل طبقة منها تكون مقصودة بالإفهام من الطبقة السابقة عليها إلى أن نصل الى الطبقة الأولى التي هي مقصودة بالإفهام من النبي الأكرم(صلى الله عليه وأله)، ومن هنا تكون كل الطبقات مقصودة بالإفهام باعتبار ان هذه الآيات وصلت الينا طبقة بعد الطبقة ويدا بيد بنحو التواتر الجزمي والتواتر اليقيني وظواهر هذه الالفاظ التي وصلت الينا حجة ببناء العقلاء الممضاة شرعا وهذه الطبقات ملحوظة بنحو المعنى الحرفي بمعنى ان كل طبقة مندكة في الطبقة الأخرى فكأن كل طبقة تحكي هذه الآيات من النبي الأكرم(صلى الله عليه وأله) إما مباشرة او بالواسطة كما هو الحال في الأخبار بالواسطة فجميع هذه الوسائط قد نقل الخبر عن المعصوم عليه السلام وكذا في المقام فإن جميع هذه الطبقات الطولية الملحوظة بنحو المعنى الحرفي أي كل طبقة ملحوظة بنحو المعنى الحرفي فهذه الطبقات جميعا بمثابة طبقة واحدة والكل ينقل عن النبي الكرم صلى الله عليه وأله.

فإذن لو قلنا: أن حجية الظواهر مختصة بالمقصودين بالإفهام فجميع طبقات المكلف الى زماننا هذا مقصودة بالإفهام من النبي الأكرم صلى الله عليه وأله وسلم غاية الأمر بالواسطة لا بالمباشرة.

هذا تمام كلامنا في هذا التفصيل وبعد ذلك يقع في التفصيل بين حجية ظواهر الآيات وحجية ظواهر الأخبار.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo