< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر ـــــ أدلة الإخباريين لعدم حجية ظواهر الكتاب

ذكرنا أن هنا روايات كثيرة تبلغ حدّ التواتر الاجمالي وهذه الروايات تصنف إلى أربعة طوائف بحسب اختلاف ألسنتها، وقد تقدم الكلام على الطائفة الأولى.

أما الطائفة الثانية[1] : فتدل على أنّ حجية الأخبار منوطة بموافقتها للكتاب والسنة. فكل خبر إذا كان موافقا للكتاب والسنة فهو حجة، وبعضها قد ورد بلسان أنّ كل خبر إنما يكون حجة إذا كان عليه شاهدٌ من الكتاب والسنة، فهذه الروايات تدل على حجية أخبار الآحاد مشروطة بشرط وهو موافقة الكتاب أو السنة أو عليه شاهد من الكتاب او السنة. فهذه الطائفة تدل على حجية الخبر بالمطابقة وبالالتزام على حجية ظواهر الكتاب ، إذ المراد من موافقة الكتاب والسنة موافقة ظاهره، ولا يمكن ان يراد من الموافقة موافقة نص الكتاب، فإنّه إما فرد معدوم في آيات الأحكام أو هو نادر جداً، فيلزم حمل هذه الروايات على الفرد النادر وهو قبيح عند العرف والعقلاء. ولا يمكن الالتزام بذلك، فإذن لا بدّ أن يراد من موافقة الكتاب موافقة ظاهره، فتكون دلالة هذه الروايات على حجية ظاهر الكتاب بالالتزام و على حجية أخبار الآحاد بالمطابقة بشرط موافقة الكتاب أو عليه شاهد من الكتاب والسنة.

وذكرنا ان المراد من الموافقة موافقة الكتاب بالمطابقة او بالتضمن كما ان المراد من المخالفة المخالفة بالتباين أو العموم من وجه.

والطائفة الثالثة[2] : تدل على حجية أخبار الآحاد مشروطة بعدم مخالفتها للكتاب أو السنة. فكل خبر لم يكن مخالفاً للكتاب أو السنة فهو حجة، وما كان مخالفاً للكتاب أو السنة لم يكن حجة، فيكون المناط في حجية أخبار الآحاد عدم مخالفتها للكتاب او السنة، فإذن هذه الطائفة تدل بالمطابقة على حجية أخبار الآحاد مشروطة بهذا الشرط وبالالتزام على حجية ظواهر الكتاب او السنة، إذ المراد من عدم مخالفة الكتاب عدم مخالفة ظاهره، ولا يمكن ان يراد عدم مخالفة نصه، لأنه إما فرد معدوم في آيات الأحكام أو نادر جداً، والحمل على الفرد النادر لا يمكن، فلا بدّ ان يراد من عدم مخالفة الكتاب عدم مخالفة ظاهره.

الطائفة الرابعة: تدل على نفي الشرط المخالف للكتاب والسنة. ونقصد بالشرط مطلق الالتزام المعاملي كالعهد واليمين والنذر والنكاح والطلاق والبيع، فكل التزام معاملي إذا كان مخالفا للكتاب او السنة لم يكن ممضىً من قبل الشارع والمراد من نفي الشرط هو نفي إمضائه، وإلا فالشرط قد تحقق وجوده في الخارج، ولكن المراد من نفيه نفي إمضائه شرعاً، فكل التزام معاملي إذا كان مخالف الكتاب او السنة فهو غير ممضاً شرعاً، فإذا كان النكاح مخالفا للكتاب او السنة فهو غير ممضىً، وكذلك العهد او النذر وغيره من الالتزامات المعاملية. والمراد من المخالفة المخالفة لظاهر الكتاب. ولا يمكن ان يراد منها مخالفة نصه، فإنه إما معدوم او هو نادر جداً ولا يمكن حمل هذ الروايات على الفرد النادر. فهذه الطائفة من الروايات تدل بالمطابقة على نفي إمضاء كل التزام معاملي إذا كان مخالفا لظاهر الكتاب وبالالتزام على حجية ظاهر الكتاب او السنة، وقد مرّ أن المراد من المخالفة المخالفة بنحو التباين او بنحو العموم من وجه دون العموم والخصوص المطلق لأنه ليس بمخالفة بنظر العرف والعقلاء، لإمكان الجمع الدلالي العرفي بين العام والخاص وبين المطلق والمقيد.

هذا هو الوجه الثاني للدلالة على حجية ظواهر الكتاب.

الوجه الثالث ـــ التي استدل بها الإخباريون على عدم حجية ظواهر الكتاب ــــ: قوله تعالى﴿ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [3] .

فإن هذه الآية المباركة قد قسمت الآيات إلى قسمين: آيات محكمات ومتقنات وهن ام الكتاب ومصدر الكتاب ومصدر الأحكام والمعارف وآيات متشابهات. وهذه الآية تدل على المنع من اتباع المتشابه وهذا المنع منع إرشادي الى عدم حجية المتشابه.

وتقريب الاستدلال بهذه الآية ان المتشابه يشمل الظاهر أيضاً ولا يختص بالمجمل بتقريب أن المراد من المتشابه ما يكون فيه احتمالان وهذان الاحتمالان قد يكونا متساويين وقد يكون احدهما أرجح من الاخر فإذا كان الاحتمالان متساويين فهو مجمل وإذا كان احدهما أرجح من الاخر فهو ظاهر، والمتشابه يشمل كليهما معاً فإذا شملهما معاً فلا يجوز العمل بالظاهر لأنه من المتشابهات والآية المباركة قد منعت عن العمل بالمتشابه واتباعه. فكما انه لا يجوز العمل بالمجمل كذلك لا يجوز العمل بالظاهر، لأنه أيضا داخل في المتشابه وهو جامع بين المجمل والظاهر.

هذا هو تقريب الاستدلال بالآية المباركة.

وقد اجاب عنه جماعة من الأصوليين.

أولاً: بأن المتشابه لا يشمل الظاهر، لأن معنى المتشابه ان احد الاحتماليين شبيه بالاحتمال الآخر فيكون كل احتمال شبه احتمال اخر فمن اجل ذلك يسمى بالمتشابه، واما إذا كان أحد الاحتماليين أرجح من الاخر فهو لا يدخل في المتشابه، لأن المتبادر منه هو الاحتمال الأرجح وهو المتبع طالما لم تكن هناك قرينة على إرادة الاحتمال الآخر، مثلاً لفظ الأسد ظاهر في الحيوان المفترس وهذا الاحتمال هو الاحتمال الراجح وهو المتبادر من لفظ الاسد عند الاطلاق طالما لم تكن هناك قرينة على إرادة الرجل الشجاع او معنى آخر كما أن المتبادر من صيغة الأمر هو الوجوب طالما لم ينصب قرينة على إرادة الندب، كما ان المتبادر من صيغة النهي هو الحرمة طالما لم ينصب قرينة على إرادة الكراهة.

فإذن صيغة الأمر ليست من المتشابه لأنه ليس شبيها بالاحتمال الآخر بل احدهما أرجح من الاحتمال الاخر وهو المتبادر عند الاطلاق وإرادة الاحتمال الآخر بحاجة إلى قرينة وطالما لم تكن قرينة في البين فالمتبادر هو الاحتمال الراجح.

وثانياً: لو قلنا أن المتشابه يشمل الظاهر أيضاً والآية المباركة تدل على عدم حجية الظواهر والمفروض أن هذه الآية المباركة من الظواهر ودلالتها على عدم حجية الظواهر بالظهور لا بالنص، ففي نهاية المطاف هذه الآية المباركة تدل على عدم حجية نفسها أيضاً، فإن دلالتها على عدم حجية الظواهر يستلزم عدم حجية نفسها ايضاً باعتبار انها من الظواهر فيلزم من فرض حجيتها عدم حجيتها وكل ما يلزم من فرض حجيته عدم حجيته فحجيته مستحيلة، لأن كل ما يلزم من فرض وجوده عدمه فوجوده في الخارج مستحيل وما نحن فيه كذلك.

وبكلمةٍ أن هذه الآية المباركة بإطلاقها لا تشمل نفسها لأن شمول الشيء لشيء يتوقّف على الاثنينية فالشمول نسبة بين الطرفين والنسبة متقومة بالطرفين ولا يعقل شمول الشيء لنفسه فإن الشيء عين نفسه ولا معنى لشمول الشيء لنفسه، فإنه كعليّة الشيء لنفسه، فكما ان عليّة الشيء لنفسه مستحيلة كذلك شمول الشيء لنفسه فإن الشمول نسبة وهي متقومة ذاتا وحقيقة بالطرفين ولا يعقل قيامها بطرف واحد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo