< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر ــــ مناقشة أدلة الإخباريين على عدم حجية ظاهر الكتاب.

ذكرنا أن جماعة من محققي الأصوليين قد استشكلوا في دلالة الآية على عدم حجية الظواهر بوجوه:

الوجه الأول: ان المتشابه لا يشمل الظاهر فإن المتشابه عبارة عن المجمل الذي لا يتبادر منه شيء لا هذا الاحتمال ولا الاحتمال الآخر ولهذا كل من الاحتمالين يشبه الاحتمال الآخر فمن اجل ذلك يسمى بالمتشابه بينما في الظاهر المتبادر هو الاحتمال الراجح عند الاطلاق واما إرادة احتمال آخر فهي بحاجة إلى قرينة وطالما لم تكن قرينة في البين فالمتبادر هو الاحتمال الراجح. هذا هو الفرق بين الظاهر والمتشابه، فالمتشابه الوارد في الآية المباركة لا يشمل الظاهر والظاهر من المتقن والمحكم وليس من المتشابه.

الوجه الثاني: مع الإغماض عن ذلك وتسليم ان المتشابه يشمل الظاهر ولكن الآية المباركة تدل على عدم حجية الظاهر، ومنها الآيات المباركة فإن الآية المباركة ليست نص في عدم حجية ظواهر الآيات بل هي تدل على عدم حجيتها بالظهور، فتكون هذه الآية من الظواهر، ولازم ذلك أنه يلزم من فرض حجيتها عدم حجيتها وكلما يلزم من فرضه حجيته عدم حجيته فحجيته مستحيلة، لأن كل ما يلزم من فرض شيء عدم وجوده فوجوده مستحيل، فمن اجل ذلك لا يمكن ان تكون هذه الآية المباركة حجة يمكن الاستدلال بها.

الوجه الثالث: مع الإغماض عن ذلك أيضا ولكن يمكن إثبات عدم حجية ظهور هذه الآية بتنقيح المناط فإنه لا فرق بنظر العرف والعقلاء بين ظواهر سائر الآيات وبين ظهور هذه الآية فإذا لم تكن ظواهر سائر الآيات حجة فبطبيعة الحال لم يكن ظهور هذه الآية أيضا حجة بنفس الملاك، فتنقيح المناط يقتضي عدم حجية ظهور هذه الآية المباركة أيضا.

أما الوجه الأول فهو تام ولا شبهة فيه، واما الوجه الثاني فهو لا ينطبق على المقام، فإن معنى الوجه الثاني أن كل ما يلزم من فرض وجود الشيء عدمه مباشرة فوجوده مستحيل وفي المقام لا يلزم من فرض وجود حجية هذه الآية عدم حجيتها، لأن عدم حجيتها بحاجة الى مقدمة أخرى كالدلالة الالتزامية او تنقيح المناط أو ما شاكل ذلك، فقاعدة ان كل ما يلزم من فرض وجود الشيء عدمه فوجوده مستحيل لا تنطبق على المقام، إذ لا يلزم من فرض وجود حجية هذه الآية المباركة عدم حجيتها فإنه ليس كالنذر المخالف للكتاب او السنة او الشرط المخالف للكتاب والسنة فإن الشرط المخالف للكتاب والسنة يلزم من فرض وجوده عدمه وهو مستحيل لأن الكتاب رافع لهذا الشرط.

وكيف ما كان فهذ القاعدة لا تنطبق على المقام.

واما تنقيح المناط فهو يتوقف على القطع بوجود المناط، لأن ملاك عدم الحجية في ظواهر سائر الآيات موجود في ظهور هذه الآية بالقطع والوجدان، فهذا بحاجة الى القطع والوجودان فإذا لم يكن قطعيا فلا يمكن الاستدلال بتنقيح المناط كما ذكره بعضهم.

ألا ان الأمر ليس كذلك فإن تنقيح المناط إذا كان عرفيا وعقلائيا بمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية كفى ذلك، وفي المقام كذلك فإن مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية تقتضي عدم الفرق بين ظواهر سائر الآيات وظاهر هذه الآية المباركة، فملاك عدم حجية ظواهر سائر الآيات بنظر العرف والعقلاء موجود في ظاهر هذه الآية المباركة ايضا وهذا يكفي في تنقيح المناط وتعدي الحكم.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ان هذه الآية المباركة لا يمكن ان تشمل نفسها بإطلاقها، لما ذكرناه من ان شمول شيء لنفسه مستحيل، لأن الشمول نسبة متقومة ذاتا بشخص طرفيها، إذ شخص طرفي النسبة ذاتي من ذاتيات النسبة ومثله كمثل الجنس والفصل للنوع إذ كما ان الجنس والفصل من المقومات الذاتية للنوع كذلك شخص طرفي النسبة من المقومات الذاتية للنسبة، فإذن الشمول نسبة بين طرفيها فلا يعقل الشمول في شيء واحد فشمول الشيء لنفسه مستحيل كعلية الشيء لنفسه، فلا تشمل الآية المباركة بإطلاقها نفسها.

والآية المباركة قضية حقيقية إنشائية فإن القضية الحقيقية قد تكون إنشائية وقد تكون إخبارية والآية المباركة قضية حقيقية إنشائية وموضوعها المتشابه، والمحمول عدم حجيته والحكم في القضية الحقيقية مجعول للموضوع المقدر وجوده في الخارج سواء كان موجودا فيه أم لم يكن موجودا، كقوله تعالى: ﴿ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [1] فإن هذه الآية الكريمة قضية حقيقية والحكم مجعول للموضوع المقدر وجوده في الخارج وإن لم يكن موجودا حين الجعل بل طالما وجد موضوعه تحقق الحكم أي تحققت فاعلية الحكم ولهذا تنحل القضية الحقيقة الى قضايا متعددة طولية متسلسلة الى ما لا نهاية له او الى يوم القيامة إذا كانت القضية شرعية، وفي المقام كذلك فإن الآية المباركة قضية حقيقية وهي تنحل الى قضايا متعددة طولية ومتسلسلة الى مالا نهاية له والى يوم القيامة، فالقضية الأولى مفادها ومضمونها القضية الثانية. فإن القضية الأولى تدل على عدم حجية ظاهر الآية الأخرى تعبدا لا حقيقة ووجدانا، فإن مضمونها ثابت بالتعبد لا بالوجدان والحقيقة باعتبار ان دلالتها بالظهور لا بالنص وإذا كانت دلالة القضية الأولى على عدم حجية ظاهر الآية بالظهور فلا محالة يكون بالتعبد، فهي إذن تثبت مضمونها تعبدا وحينئذ هل هنا ملازمة بين عدم حجية ظواهر سائر الآيات تعبدا وبين عدم حجية ظاهر هذه الآية حتى تشكل دلالة التزامية أو لا تكون ملازمة بينهما؟ فلا تكون هنا دلالة التزامية وإنما الدلالة منحصرة بالدلالة المطابقية، فإن هذه الآية المباركة تدل بالمطابقة على عدم حجية ظواهر سائر الآيات بالتعبد ولا تدل بالالتزام على عدم حجية نفسها باعتبار انه لا ملازمة وقعا وحقيقة وقطعا بين عدم حجية ظواهر سائر الآيات وبين عدم حجية ظاهر هذه الآية حتى تشكل دلالة التزامية لها كما ذكره بعض المحققين.

ولكن يمكن المناقشة في ذلك فإن هذه الملازمة وإن لم تكن قطعية واقعا إلا ان هذه الملازمة ثابتة عند العرف والعقلاء ارتكازا لأن العرف يفهم هذه الملازمة بمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية فإذا كانت هذه الملازمة ثابتة لدى العرف والعقلاء ارتكازا فهي كافية في تشكيل الدلالة الالتزامية، لأن الدلالة الالتزامية أيضا دلالة عرفية فهي كافية في تشكيل الدلالة الالتزامية.

وعلى هذا فالآية المباركة تدل على عدم حجية ظواهر سائر الآيات بالمطابقة وتدل بالالتزام على عدم حجية نفسها فعندئذ تكون النتيجة ان ظاهر هذه الآية المباركة لا يكون حجة حتى يمكن الاستدلال بها.

وأما إذا كانت هذه الملازمة قطعية وواقعية فعندئذ لا شبهة في أنها تشكل الدلالة الالتزامية.

فالنتيجة أن هذه الملازمة بين عدم حجية ظواهر سائر الآيات وبين عدم حجية ظاهر هذه الآية إن كانت قطعية وواقعية فلا شبهة في أنها تشكل الدلالة الالتزامية وإن كانت عرفية وعقلائية ومرتكزة في الاذهان فأيضا تشكل الدلالة الالتزامية.

فالنتيجة ان ظواهر الآيات لا تكون حجة ولا يمكن إثبات حجية ظواهر الآيات لا بهذه الآية ولا بسائر ظواهر الآيات.

هذا كله بحسب مقام الثبوت.

واما في مقام الإثبات فإن عمدة الدليل على حجية الظواهر السيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعا وهي جارية على العمل بظواهر الالفاظ ومنها ظواهر الكتاب والسنة، فهذه الظواهر حجة بالسيرة القطعية من العقلاء الممضاة من قبل الشرع، ومن الواضح ان السيرة العقلائية لا تشمل ظواهر سائر الآيات مع ظاهر هذه الآية المباركة لأن السيرة لا تشمل المتعارضين فإن هذه الآية بظاهرها تدل على عدم حجية ظواهر سائر الآيات فإذن السيرة أما تشمل ظواهر سائر الآيات دون ظواهر هذه الآية أو تشمل ظاهر هذه الآية دون ظواهر سائر الآيات وكل ذلك بحاجة الى قرينة على التخصيص، وطالما لم تكن قرينة في البين فلا تشمل السيرة شيئا منهما.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo