< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: حجية الظواهر

تحصّل مما ذكرنا أنه لا يمكن الاستدلال بهذه الآية المباركة على عدم حجية ظواهر الكتاب لا ثبوتا ولا إثباتا، هذا مضافا الى أن هذه الآية المباركة أجنبية عن عدم حجية ظاهر الكتاب فإنها بحسب صدرها وهو قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ[1] في مقام بيان تقسيم الآيات القرآنية إلى قسمين: أحدهما آيات محكمات والآخر آيات متشابهات ثم بعد ذلك ذكر عزّ من قائل ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وهم الكفار في صدر الإسلام فهم الذين في قلبوهم زيغ وفتنة وحقد للإسلام فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ فإن الكفار الذين في قلبوهم حقد للإسلام وزيغ وفتنة وحسد وبغض وعداوة للإسلام والمسلمين يتبعون ما تشابه من الآيات لغرض إلقاء الفتنة والتفرقة بين المسلمين وإلقاء وتشويه سمعتهم وسمعة الإسلام، ولهذا قد ورد في الروايات أنهم أدعو أن عيسى(ع) بن الله وروحه ويريدوا بذلك تشويه سمعة المسلمين وتشويه سمعة الرسالة للنبي الأكرم(ص).

فالآية إنما هي في مقام ذم هؤلاء الكفار بما أنهم يريدون إلقاء الفتنة بين المسلمين فيتبعون ما تشابه من الآيات وتأويلها بهذا الغرض، وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم، فإذن الآية المباركة إنما هي في مقام بيان هذه المسألة وهي أن الكفار غرضهم من اتباع الآيات المتشابهات إنما هو إلقاء الفتنة بين المسلمين والتفرقة بنهم وليس مفادها الإرشاد الى عدم حجية ظواهر الكتاب فلا صلة للآية المباركة بدلالتها على عدم حجية ظاهر الكتاب.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ان المراد من المتشابه في الآية الكريمة تارة يكون المتشابه المفهومي أي المتشابه في المعنى وفي المدلول الوضعي كالألفاظ المشتركة فإنها مجملة ومتشابه في المعنى الموضوع له فلفظ العين لا ندري أنها موضوعة للعين الباكية او الجارية وكذلك القرء فلا نعلم أنه موضوع للطهر او الحيض وهكذا.

فالألفاظ المشتركة ألفاظ مشتبه ومجملة من حيث مدلولها الوضعي ومن حيث معناها ومفهومها.

واخرى يكون التشابه في المصداق الخارجي وأما المفهوم فهو متعين ولكن مصداق الخارج مجمل ومردد بين موجودين في الخارج او اكثر من ذلك.

وهل المراد من المتشابه في الآية المباركة هو المتشابه بحسب المدلول الوضعي او المتشابه في المصداق الخارجي مع تعين المفهوم وضعا؟ فيه وجهان.

ذهب بعض المحققين(قده)[2] الى الوجه الثاني وان المراد من المتشابه في الآية هو المتشابه المصداقي لا المتشابه المفهومي وقد استدل على ذلك بوجوه:

الوجه الأول: أن المراد من المتشابه في الآية لو كان هو المتشابه المفهومي فهو لا يتناسب ولا ينسجم مع توصيف الله للقرآن أنه هدًى للناس ونور وبيان وتبيان ولسان عربي مبين، فإن هذه التعبيرات معناها أنه لا اجمال في القرآن ولا تشابه فيه وهذا قرينة على ان المراد من المتشابه هو المتشابه المصداقي الخارجي وأما بحسب المدلول الوضعي فهو متعين ومعلوم ولا تشابه فيه.

هكذا ذكره قده، وللمناقشة فيه مجال.

أما قوله تعالى: ﴿هدًى للمتقين[3] والمراد من الهدى الهدى المعنوي والروحي باعتبار ان القرآن يجهز الإنسان بعريضة الدين والثبات والاستقامة والاعتدال وهذا الوصف وصف للقرآن بما هو قرآن لا وصف لكل آية في القرآن او لكل مقطع في القرآن.

وأما قوله تعالى: ﴿نور[4] ... فالنور صفة للقرآن لا أنه صفة لكل آية من آيات القرآن او لكل مقطع من مقاطعه، وهو نور معنوي ونور روحي ويزود الإنسان بالإيمان الراسخ والثبات على الملكات الفاضلة والاستقامة في الدين لأن هذه الاستقامة تعدّل سلوك الإنسان في الخارج وتمنع من الانحرافات السلوكية فالإيمان الثابت والاستقامة على الدين والثبات عليه يعدّل سلوك الإنسان في الخارج فالمراد من النور في مقابل الجهل والظلمة لا أن المراد منه مدلول اللفظ ومعناه.

وأما التبيان والبيان فالظاهر من التبيان أن القرآن حجة في الآيات المتكفلة للأحكام المولوية كآيات الأحكام وعبرة وتجربة في سائر الآيات للناس وإرشاد الى مصالحهم في الحياة الدنيوية والأخروية هذا هو المراد من التبيان وليس المراد منه مدلول اللفظ أي مدلول الآيات وضعا فالمراد من التبيان هو الحجة والعبرة والتجربة في الحياة والإرشاد الى المصالح الدنيوية والأخروية. وأما ان القرآن لسان عربي مبين فهذا واضح فإن لغة القرآن من أفصح اللغات العربية وهذا أمر ظاهر.

ومع الإغماض عن ذلك وتسليم أن المراد من هذه الأوصاف أن دلالة الآيات على معانيها واضحة ولا اجمال فيها ولا تشابه، ولكن مع ذلك لا تدل على نفي المتشابه فإن هذه الآيات تدل على ان القرآن بما هو قرآن له معنى واضح وجلي وليس فيه اجمال ولا تدل على نفي الاجمال والتشابه في أي آية من القرآن الكريم.

فالنتيجة أن هذه الآيات المتكفلة لهذه الأوصاف الظاهر منها أن هذه الأوصاف أوصاف للقرآن بما هو قرآن، هذا مضافا إلى أن كل آية هدى أو نور أو تبيان أو بيان وإن كان مجملا لدينا ولكن ليس مجملا ومتشابها عند الراسخين في العلم.

هذا هو الوجه الأول وجوابه.

الوجه الثاني: أن التعبير بالاتباع في هذه الآية المباركة: ﴿فيتبعون ما تشابه﴾يدل على ان المراد من المتشابه المصداقي لان من الواضح ان الاتباع يتطلب ان يكون المعنى معلوما وان يكون المتبوع معينا فإن الاتباع نسبة بين التابع والمتبوع والنسبة متقومة ذاتا وحقيقة بشخص طرفيها ولهذا تكون نسبة طرفيها اليها كنسبة الجنس والفصل الى النوع، فإذن الاتباع يتطلب كون المتبوع معلوما، وهذا بنفسه يقتضي أن يكون المراد من التشابه التشابه المصداقي فإن التشابه المفهومي ليس معلوما ومعينا ولا معنى لاتباعه.

فإذن كلمة الاتباع تقتضي ذلك فيكون المراد من الاتباع اتباع المتشابه المصداقي، فإنه مثل لفظ الصراط في قوله تعالى أهدنا الصراط المستقيم، ولفظ المعراج ولفظ العرش وما شاكل ذلك إذ لا شبهة أن لهذه الالفاظ معان ولمعانيها مصداق واقعي وحقيقي ومعناها معلوم ومعين لأن لفظ الصراط ليس من الالفاظ المجملة وكذا لفظ العرش. ولكن في الخارج له مصداقان مصداق واقعي لا طريق لنا إليه ومصداق ظاهري والكفار يتبعون المصداق الظاهري لغرض إيجاد الفتنة وتشويه سمعة الإسلام والمسلمين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo