< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: حجية الظواهر

إلى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة وهي أن الأوصاف المذكورة في الآيات الكريمة كوصف القرآن بأنه هدًى للناس وأنه نور وتبيان وبيان ولسان عربي مبين وغير ذلك، هذه الأوصاف لا تمنع عن وجود آيات متشابهة مفهوما، أما أنه هدًى سواء كان ملحوظا بنحو العموم المجموعي بالنسبة الى الآيات أو بنحو العموم الاستغراقي فإن العنوان معرف للآيات كالتنزيل والفرقان والكتاب وما شاكل ذلك فإنه عنوان معرف ومشير الى الآيات الكريمة وهدًى صفة للآية بلحاظ مدلولها وهي صفة معنوية وروحية وليس هدًى لمدلول الآية المباركة ومعنى لها بل هو صفة للآية وصفة روحية ومعنوية باعتبار أن الآية تجهز الإنسان بعريضة الدين والثبات عليه والاستقامة والاعتدال وهذه الصفات النفسانية الحميدة تؤثر في سلوكيات الإنسان في الخارج وتمنعه عن الانحرافات، وأما النور فهو أيضا صفة للآية الكريمة بلحاظ مضمونه ومدلوله وهو أيضا صفة روحانية ومعنوية وليس النور معنًى للآية الكريمة ومدلولاً لها، بل بلحاظ أن الآية بما لها من المضمون روحانية ومعنوية فإن الآية تزود الإنسان بنور الإيمان وبالملكات الفاضلة والأخلاق السامية فبهذا اللحاظ تكون الآيات الكريمة نور ولا مانع من أن تكون جميع الآيات نوراً وهدًى حتى الآيات المتشابهة لأنها متشابهة عندنا وليست من المتشابه عند الراسخين في العلم فإذن هدًى صفة للقرآن بما هو مشير وعنوان ومعرف للآيات سواء كان بنحو العموم المجموعي أو كان بنحو العموم الاستغراقي وعلى كلا التقديرين فهو لا يمنع عن وجود آية متشابهة ومجملة مفهوما.

وأما التبيان والبيان فهما أيضا صفتان للآيات المباركة بلحاظ مدلوليهما سواء كانت حجة كما في آيات الأحكام الالزامية أو تكون عبرة وإرشادا ودرسا لنا وبهذا اللحاظ تكون بيان وتبيان، وأما كون القرآن لسانا عربيا فهو صفة للفظ بلحاظ معناه.

فالنتيجة أن شيء من هذه الأوصاف لا يمنع عن وجود آية متشابهة ومجملة مفهوما.

هذا هو الوجه الأول وجوابه.

الوجه الثاني: أن الوارد في هذه الآية المباركة (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) فإن الاتباع في الآية يتطلب كون مدلولها متعيّنا حتى يصدق عليه الاتباع لأنه نسبة متقومة ذاتا وحقيقة بشخص طرفيها وشخص طرفيها لا بد أن يكون متعيّنا أي التابع والمتبوع لأن نسبتهما إليها كنسبة الجنس والفصل الى النوع فالجنس والفصل لا يمكن ان يكونا مرددين بين شيئين فلا بد من تعيّنهما، فالاتباع في الآية يتطلب كون مدلولها متعيّنا وأما إذا لم يكن مدلولها متعينا ويكون مرددا بين معنيين فلا معنى لاتباع هذه الآية. فالاتباع في هذه الآية إذا كان بالنسبة الى مفهومها فهو غير متصور وغير متحقق فإذن لا محالة يكون الاتباع بلحاظ مصداقها ومن هنا يكون المراد من المتشابه في الآية الكريمة هو المتشابه المصداقي لا المفهومي فإن كلمة الاتباع قرينة على ذلك لأن المتشابه المفهومي غير قابل للاتباع ولا يتصور اتباعه لأن اتباع الآية يتطلب كون مدلولها متعينا حتى يُتّبع.

فإذن كلمة اتباع قرينة على ان المراد من المتشابه في الآية الكريمة هو المتشابه المصداقي لا المتشابه المفهومي.

والجواب عن ذلك: أن كلمة الاتباع وإن كانت تتطلب كون التابع والمتبوع متعيّنا ومعلوما ولكن لا تتطلب كون مدلول الآية متعيّنا، لأن اتباع الآية لا يتطلب كون مدلولها متعينا وإنما يتطلب كون ما يتبع به متعينا وعلى هذا يعقل اتباع المتشابه المفهومي فإنه إذا اتبع المتشابه المفهومي في أحد مفهوميه بدون قرينة فيكون هذا منه اتباع للمتشابه المفهومي فإن أحد معنييه مفهوم له لأنه موضوع لكلا المفهومين كلفظ القرء فهو موضوع لكلا المفهومين مفهوم الحيض ومفهوم الطهر وكذلك لفظ العين فاتباع المتشابه في أحد مفهوميه اتباع للمتشابه المفهومي وليس اتباع للمتشابه المصادقي فما ذكره(قده) من ان اتباع الآية يتطلب كون مدلولها متعينا ومعلوما لا يمكن المساعدة عليه.

الوجه الثالث: أن الوارد في هذه الآية قوله تعالى: (ابتغاء تأويله). فإن كلمة التأويل قرينة على أن المراد من المتشابه هو المصداقي لا الأعم منه ومن المفهومي لأن حمل اللفظ الظاهر في معنى على خلاف ظاهره بدون قرينة مما يصدق عليه التأويل واما حمل اللفظ المجمل المردد بين معنيين متساويين على أحدهما فلا يصدق عليه التأويل.

وأيضا أن ما ورد في الآيات من الالفاظ كلفظ الصراط ولفظ اليد ولفظ الكرسي ولفظ العرش وما شاكل ذلك فإن معاني هذه الالفاظ ظاهرة ولا اجمال في معانيها ولا اشتباه وإنما الاجمال والاشتباه في مصاديقها فإن لها مصاديق في عالم الخارج وهو عالم المادة وعالم الشهود ولها مصاديق معنوية في عالم الغيب ومصاديقها في عالم الشهود والمادة لا تنسجم مع مصاديقها في عالم الغيب ولا طريق لنا الى عالم الغيب لأنه لا يعلم به إلا الله ومَن ارتضى من رسول، وأما مصاديقها في عالم الخارج وهو عالم الشهود والمادة فهي معلومة، والكفار والمعاندون للدين الإسلامي يأخذون بهذه المصاديق لإلقاء الفتنة بين المسلمين وتزلزل إيمانهم برسالة الرسول الأكرم(ص).

فإذن هذه الالفاظ لا اجمال ولا اشتباه في مفاهيمها ومعانيها وإنما الاجمال والاشتباه في مصاديقها فإن مصاديقها في عالم الخارج وعالم الشهود والحضور لا تنسجم مع مصاديقها في عالم الغيب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo