< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظواهر.
ذكرنا ان موضوع حجية أصالة الظهور الظهور العرفي الموضوعي الذي يعبر عنه بالظهور النوعي وهو ناشئ من الأسباب الواقعية الموضوعية وأما الظهور الشخصي الذاتي الناشئ من العوامل الذاتية الشخصية فهو ليس موضوعا لحجية اصالة الظهور.
ولكن هل يمكن إثبات أن هذا الظهور ظهور موضوعي لدى العرف والعقلاء وموضوع لحجية اصالة الظهور او لا يمكن؟
والجواب: أنه يمكن إثبات ذلك بطريقين:
الطريق الاول: التبادر وهو على قسمين:
القسم الاول: التبادر الذي يكون علامة للوضع ومعلول للوضع، إذ كشف التبادر عن الوضع ككشف المعلول عن العلة وهذا التبادر معناه خطور المعنى في الذهن بخطور اللفظ فإذا سمع الانسان لفظا ينتقل الذهن الى تصور اللفظ وبعد تصور اللفظ ينتقل الى تصور معناه فهذا التصور أمر قهري ليس باختيار الانسان لأنه بسماعه للفظ ينتقل ذهنه الى معناه سواء كان سماعه من متكلم غافل او من نائم او من متكلم ملتفت وعاقل فلا فرق في ذلك فهذا الظهور التصوري ليس موضوعا للحجية وليس موضوعا للأثر وهذا الظهور التصوري معلول للوضع وكاشف عن الوضع فقط.
القسم الثاني: تبادر المعنى من اللفظ في الظهور التصديقي النهائي وهذا الظهور التصديقي النهائي هو الموضوع لحجية اصالة الظهور إذا كان ناشئا من الأسباب الموضوعية، وأما إذا كان ناشئا من الأسباب الشخصية فلا يكون موضوعا لحجية اصالة الظهور.
وتبادر الظهور التصديقي أي فهم المعنى التصديقي من اللفظ الظاهر فيه تارة يكون في المحاورات العرفية وفي مجالسهم وفي الأسواق وفي اجتماعاتهم ولم يستشكل في هذا التبادر أحد، فهذا دليل على ان هذا التبادر منشؤه الأسباب العرفية الموضوعية وهذا الظهور ظهور نوعي، وهذا التبادر كاشف عن هذا الظهور النوعي الموضوعي الذي هو موضوع لحجية أصالة الظهور.
وأخرى لا يكون كذلك فإن الشخص يفهم معنى من اللفظ الظاهر فيه ولكن يرى نفسه إنسانا عاديا وعرفيا وليس فيه إفراط وتفريط ولهذا يعتقد ان هذا الظهور ظهور عرفي كاشف عن الظهور النوعي الموضوعي الذي هو موضوع حجية اصالة الظهور.
وأخرى يشك في ذلك وحينئذ لا بد من مراجعة سائر فيرى أن سائر الناس يفهم من هذا اللفظ هذا المعنى اولا يفهم؟ فالمجتهد في مقام الاستنباط يفهم معنى من اللفظ يكون ظاهرا باعتقاده فتارة هو يطمئن ان هذا الظهور ظهور عرفي نوعي كاشف عن الظهور الموضوعي الذي هو موضوع لحجية اصالة الظهور وأخرى يشك في ذلك فحينئذ لا بد له من الرجوع الى سائر كتب العلماء فيرى ان العلماء يفهمون هذا المعنى من اللفظ او لا يفهمون؟ واذا راجع قد يحصل له الاطمئنان بأن هذا الظهور وهذا الفهم فهم عرفي ومستند الى عامل عرفي موضوعي فيكون موضوع لحجية اصالة الظهور. وأما إذا لم يرجع المجتهد الى كتب سائر العلماء في ذلك فهل له الاعتماد على هذا الظهور اولا يعتمد على ذلك؟
فقد ذكر بعض المحققين(قده) ان السيرة العقلائية جارية على ان الظهور الشخصي من شخص خاص أمارة على الظهور النوعي الموضوعي.
ولكن إثبات هذه السيرة مشكل جدا لأن سيرة العقلاء انما جرت على العمل بالظواهر العرفية وهذه السيرة هي الممضاة شرعا، ولا سيرة على ان التبادر الشخصي وفهم المعنى من اللفظ الظاهر فيه شخصيا أمارة على الظاهر بالظهور النوعي الموضوعي فليس بإمكاننا أحراز هذه السيرة.
ولكن مع ذلك يمكن للشخص او المجتهد الاعتماد على هذا الظهور وعدم الاعتناء بالشك في أن هذا الظهور ناشئ من العامل الذاتي او العامل الشخصي، فإن هذا الظهور ثابت عنده وتنطبق عليه أصالة الظهور من باب انطباق الكبرى على الصغرى وهذا المقدار يكفي في الاستنباط غاية الامر إذا كان مخالفا للواقع فهو معذور وليس عليه شيء.
فإذن بهذا الطريق يمكن العمل بأصالة الظهور.
الطريق الثاني: إذا فهم شخص من اللفظ معنى يكون ظاهرا فيه وشككنا في ان هذا الظهور هل هو مستند الى عامل نوعي عرفي موضوعي او انه مستند الى عامل ذاتي وشخصي فحينئذ نقوم بإلقاء اللفظ على غيره فإذا رأى ان غيره يفهم هذا المعنى من اللفظ وهكذا الى شخص ثان الى ان يحصل له الاطمئنان بأن هذا الظهور ظهور نوعي عرفي ناشئ من الأسباب الموضوعية النوعية فيكون موضوعا لحجية أصالة الظهور.
فإذن يمكن لشخص ان يحرز ان هذا الظهور ظهور نوعي بهذه الطريقة طريقة التجربة المكررة وتسمى بالاطراد.
وهذه الطريقة أكثر واقعية وعملية من الطريقة الأولى.
فالنتيجة أنه يمكن إثبات أن هذا الظهور ظهور نوعي موضوعي بأحد هذين الطريقين.
الأمر الثالث: هل المناط في الظهور الذي هو موضوع لحجية أصالة الظهور بالظهور الذي يتولد حين صدور الآيات وحين صدور السنن النبوية والروايات او الأعم منه ومن الظهور حين وصولها؟
والجواب عن ذلك: الظاهر أن المناط هو في ظهور الآيات والسنن النبوية والروايات حين صدورها لا الأعم منه ومن حين وصولها، لأن المتكلم إذا صدر منه كلام وتوفرت فيه العناصر الثلاثة المتقدمة ومع ذلك كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة متصلة على الخلاف تحقق الظهور من اللفظ في انه أراد معناه بإرادة جدية ونهائية ومرجع هذا الظهور الى ظهور حال المتكلم بأنه أراد معنى هذا اللفظ بإرادة جدية ونهائية، ومن الواضح أن هذا الظهور ظهور حين الصدور لا الأعم منه ومن حين الوصول.
وعلى هذا فهل يمكن إثبات أن هذا الظهور حين الوصول هو الظهور حين الصدور؟ فتارة نطمئن او نعلم بأن الظهور الموجود في الآيات الكريمة فعلا والسنن النبوية والروايات هذا الظهور هو ظهورها حين الصدور فلا كلام.
وأما إذا شككنا في ذلك، فالأصوليين قد تمسكوا لإثبات أن هذا الظهور هو نفس الظهور الذي كان عند الصدور بأصالة عدم النقل وهذه الأصالة في الحقيقة هي الاستصحاب القهقرائي لأن الظهور لهذه المذكورات ثابت فعلا حين وصولها ولكن الشك في ان هذا الظهور كان ثابتا حين صدورها او لا، فعندئذ يمكن الحكم بثبوت هذا الظهور حين الصدور بالاستصحاب القهقرائي وهل يمكن التمسك بهذا الاستصحاب او لا يمكن التمسك به؟
فنقول: الاستصحاب بحسب رواياته متقوم بأركان ثلاثة:
الركن الأول: هو اليقن بالحدوث.
الركن الثاني: الشك في البقاء أي بقاء اليقين السابق.
الركن الثالث: ترتب أثر علمي على البقاء.
فمع توفر هذه الاركان الثلاثة جرى الاستصحاب والا لم يجر.
وفي المقام الركن الأول والثالث موجود فاليقين متحقق حال الوصول فهناك يقين بالظاهر حين الوصول، وكذلك الركن الثالث فإن الأثر العملي موجود ولكن الركن الثاني مفقود وهو الشك لأن الشك ليس في بقاء المتيقن السابق وإنما الشك في أن هذه الظهورات الثابتة حين الوصول هل ثابتة حين الصدور او انها غير ثابتة، فليس هنا شك في البقاء. وأدلة الاستصحاب لا تدل على ذلك أي لا تدل على ان هذه الظهورات ثابتة حين الصدور ايضا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo