< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظواهر
ذكرنا ان قول اللغوي يكون حجة في تعيين موارد الاستعمال فإذا قال أن اللفظ الفلاني مستعمل في المعنى الفلاني فهو حجة إذا كان ثقة لأن اخباره عن حس أما مسموع او مرئي، لأن خبر الثقة اذا كان عن حس فهو مشمول لدليل الحجية وهو السيرة العقلائية الممضاة شرعا.
ولكن ذكرنا انه لا يترتب عليه اثر عملي فإن الثابت بقول اللغوي انما هو استعمال هذا اللفظ في هذا المعنى كاستعمال لفظ الصعيد في مطلق وجه الأرض ولكن لا يترتب على هذا الاستعمال اثر عملي لأن الأثر العملي انما يترتب على ظهور هذا اللفظ في هذا المعنى لأن الحجة إنما هو للظهور.
ولكن يمكن الجواب عن ذلك: بأن خبر الثقة سواء ترتب أثر عملي على المخبر به او لم يترتب عليه فهو حجة كما اذا اخبر شخص عن ان عمر شخص آخر بلغ 90 سنة فلا يترتب على المخبر به أثر من الجهة المنظورة ولكن مع ذلك يكون خبر الثقة حجة ومشمولا لدليل الحجية وهو يثبت مدلوله. ولكن يترتب عليه أثر وهو جواز الأخبار عن ان عمر الشخص الفلاني 90 سنة فيجوز لغيره ان يخبر بذلك، فجواز اخبار غيره بذلك أثر شرعي مترتب على حجية خبر الثقة وما نحن فيه كذلك.
فإذا قال اللغوي ان لفظ الصعيد استعمل في مطلق وجه الارض فيجوز لغيره ان يخبر بذلك وهذا الاثر الشرعي مترتب على حجية قول اللغوي وكونه مشمولا لدليل الحجية. هذا مضافا الى ان قول اللغوي يكون من مقدمات موضوع الحجية، لأن موضوع الحجية صدور هذا اللفظ من متكلم في مقام البيان ولم ينصب قرينة على الخلاف فإذا صدر لفظ الصعيد من متكلم في مقام البيان ولم ينصب قرينة على الخلاف كان ظاهرا في انه أراد معناه وهو مطلق وجه الارض بإرادة جدية وانعقد ظهوره في الاطلاق وهذا الظهور في الاطلاق يكون موضوعا للحجية ومن مقدمات هذا الاطلاق هو قول اللغوي، فيكون قول اللغوي جزء موضوع الحجية وهذا المقدار يكفي في حجية قول اللغوي فلا يكون قول اللغوي لغوا وغير مشمول لدليل الحجية، بل هو مشمول لدليل الحجية بأحد أمرين، وهو حجة ويثبت مدلوله وهو استعمال اللفظ في المعنى.
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى هل يكون قول اللغوي حجة في تحديد المعنى سعة وضيقا اطلاقا وتقييدا عموما وخصوصا او لا يكون حجة؟
الظاهر انه حجة لأن اللغوي من أهل الخبرة بالنسبة الى خصوصيات المعنى وحدوده سعة وضيقا اطلاقا وتقييدا عموما وخصوصا من جهة كثرة ممارسته في هذا العلم لأن كثرة ممارسته توجب كونه من أهل الخبرة في ذلك، فإذا أخبر عن المعنى بحدوده سعة او ضيقا فهو حجة او اطلاقا وتقييدا او عموما او خصوصا فهو حجة ومشمول لدليل الاعتبار.
ومن ناحية ثالثة هل يكون قول اللغوي حجة في إثبات وضع اللفظ بإزاء معنى او لا يكون حجة؟
والجواب عن ذلك: أن قول اللغوي إن كان إخبارا عن أسباب الوضع وعن منشأ الوضع كالتنصيص والتبادر والاطراد ونحو ذلك فهو حجة لأن أخباره يكون عن حس فإذا كان ثقة فهو مشمول لدليل حجية أخبار الثقة فإن التنصيص أمر محسوس وكذلك التبادر والاطراد، فاذا أخبر اللغوي عن تنصيص هذا اللفظ بإزاء هذا المعنى او عن تبادر هذا المعنى من هذا اللفظ او عن الاطراد فهو يكون أخبارا عن هذه الأمور بالمطابقة وعن الوضع بالالتزام.
فإذن إن كان أخباره عن اسباب الوضع ومنشئه فهو حجة لأن أخباره يكون عن حس فمع كونه ثقة يكون مشمولا لحجية أخبار الثقة.
واما إن كان اخباره عن الوضع فهو لا يكون حجة لأن الوضع ليس أمرا محسوسا فلا يكون حجة من باب حجية اخبار الثقة باعتبار ان الوضع ليس أمرا محسوسا وهو عبارة عن العلاقة المعنوية بين اللفظ والمعنى.
وإن كان اخباره عن حدس فحجيته تكون من باب حجية أخبار اهل الخبرة.
ولكن الوضع ليس كذلك لان الوضع ليس امرا نظريا بحاجة الى اعمال النظر والحدس والفكر، فمن اجل ذلك لا يكون اخباره عن الوضع داخلا في اخبار اهل الخبرة.
فإن اهل الخبرة كالمجتهد والطبيب والمهندس وما شاكل ذلك فهذه العلوم علوم نظرية فهي بحاجة الى اعمال الفكر والنظر والحدس وحينئذ يكون قولهم حجة من باب اهل الخبرة.
واما قول اللغوي بالنسبة الى الوضع فلا يكون حجة من هذا الباب لأن الوضع ليس أمرا نظريا فيكون إثباته بحاجة الى اعمال النظر والفكر والحدس، فمن اجل ذلك لا يكون اخباره عن الوضع حجة لا من باب حجية أخبار الثقة ولا من باب حجية أخبار اهل الخبرة وحينئذ لا يكون أخباره عن الوضع حجة.
هذا كله في مقدمة البحث وتنقيح موضوع البحث وان قول اللغوي انما يكون حجة في تعيين موارد الاستعمال واما ان المعنى المستعمل فيه معنى مجازي او حقيقي فليس اللغوي من اهل الخبرة في ذلك، فنسبته اليه كنسبة غيره ولا يدري انه معنى حقيقي او معنى مجازي، وكذلك بالنسبة الى الوضع. نعم إن كان أخباره عن اسباب الوضع ومنشئه فهو حجة، باعتبار ان أخباره يكون عن حس.
ثم ان المعروف بين الأصحاب حجية قول اهل اللغة بل قد ادّعي عليه الاجماع، وقد استدلوا على ذلك بوجوه:
الوجه الاول: السيرة العقلائية فإنها جارية على حجية أخبار اهل اللغة.
الوجه الثاني: الاجماع.
الوجه الثالث: دليل الانسداد.
أما الوجه الاول فإن سيرة العقلاء قد جرت على الرجوع الى الكتب اللغوية ولا شبهة في جريان هذه السيرة وهي من صغريات سيرة العقلاء الجارية على حجية اخبار اهل الخبرة فكما انها جارية على حجية اخبار الثقة فكذلك هي جارية على حجية اخبار اهل الخبرة.
فالسيرة في المقام من صغريات هذه السيرة العقلائية الجارية على العمل بأخبار اهل الخبرة، وحيث ان اللغوي من اهل الخبرة باللغات فيكون قوله حجة من باب حجية قول اهل الخبرة.
وقد أجيب عن ذلك: بأن اللغوي ليس من اهل الخبرة بالنسبة الى الوضع حتى يكون قوله مشمولا لدليل حجية قول اهل الخبرة.
وهذا الجواب وإن كان صحيحا ولكن ذكرنا ان اللغوي من اهل الخبرة بالنسبة الى تحديد المعنى المستعمل فيه وبالنسبة الى حدوده سعة وضيقا اطلاقا وتقييدا عموما وخصوصا فقوله حجة في ذلك، واما قوله بالنسبة الى الوضع فلا يكون حجة نعم لو كان اخباره عن اسباب الوضع ومنشئه فيكون قوله حجة إذا كان ثقة من باب حجية اخبار الثقة لا من باب حجية اخبار اهل الخبرة.
واما بالنسبة الى الوضع فقد اشرنا ان اللغوي ليس من اهل الخبرة بالنسبة الى الوضع فإن الوضع ليس امرا نظريا حتى يكون قول اللغوي فيه من باب اخبار اهل الخبرة.
فإذن لا دليل على حجية قول اللغوي من بابل حجية قول اهل الخبرة.
واما الوجه الثاني وهو الاجماع فالفقهاء قد ادّعوا الاجماع على حجية قول اللغوي.
وللمناقشة فيه مجال.
أولا: أن الاجماع القولي غير متحقق لا بين المتأخرين ولا بين المتقدمين، فإن هذه المسألة مسألة مستحدثة وغير معنونة بين الأصحاب حتى يدّعى الاجماع عليها فإذن لا موضوع للإجماع.
هذا مضافا الى ما ذكرناه غير مرة من أن الاجماع لا يكون في نفسه حجة الا إذا وصل من زمن الأئمة(ع) الينا يدا بيد وطبقة بعد الطبقة وليس بإمكاننا إثبات ذلك لا بالنسبة الى اجماع المتأخرين ولا بالنسبة الى اجماع المتقدمين. فلا يمكن إحراز انه واصل الينا من زمن الأئمة(ع) يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.
وإن أريد بالإجماع الاجماع العملي وانه لا شبهة في رجوع العلماء الى كتب اللغة في مقام الاستنباط ويعملون بها.
فهذا صحيح ولكن رجوع العلماء الى كتب اهل اللغة من جهة حصول الوثوق والاطمئنان بمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية ومن جهة القرائن الحالية والمقامية والسياق وما شاكل ذلك. وليس رجوعهم الى كتب اهل اللغة من جهة ان قول اللغوي حجة تعبدا بل رجوعهم الى كتب اللغة من جهة حصول الوثوق والاطمئنان بالمسألة بمناسبة الحكم والموضوع أي حصول الوثوق من القرائن الخارجية كمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية والقرائن الحالية والمقامية وقرائن السياق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo