< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظواهر – الاجماع
ذكرنا ان الأصوليين ومنهم المحقق الخراساني قد قسموا الملازمة الى ثلاثة أقسام: الملازمة العقلية والملازمة العادية والملازمة الاتفاقية، فيقع الكلام في جملة من النقاط:
النقطة الاولى: هل يصح هذا التقسيم للملازمة او لا يصح؟
النقطة الثانية: ما هو الفرق بين الاجماع وبين التواتر؟
النقطة الثالثة: هل الملازمة بين التواتر وبين العلم بصدقه هل هي عقلية او ليس بعقلية؟
أما الكلام في النقطة الاولى فلا شبهة في ان الملازمة الاتفاقية ليست ملازمة لأنها عبارة عن التقارن بين الشيئين اتفاقا بدون أي ملازمة وأي موجب واي مبرر لهذا التقارن كما اذا كان سفر زيد مقارنا لسفر عمرو بدون أي مبرر بل بمجرد التقارن بنحو التصادف فلا وجه لجعل ذلك من الملازمات، فالملازمة الاتفاقية في الحقيقة ليست ملازمة بل هي تقارن بين شيئين اتفاقا وتصادفا كما اذا فرضنا ان موت زيد مصادف لموت عمرو فهما متقارنان زمانا بدون أي ارتباط بينهما، فمن اجل ذلك جعل الملازمة الاتفاقية من احد أقسام الملازمة في غير محله فهي ليست بملازمة.
وأما الملازمة العقلية فهي ناشئة من خصوصية ذاتية بينهما وهي التي توجب الملازمة بينهما بحيث يستحيل انفكاك أحدهما عن الآخر كالملازمة بين العلة والمعلول، فإن المعلول نشأ من ذات العلة لأن الخصوصية الذاتية الموجودة في العلة هي التي تولد المعلول كالخصوصية الموجودة في النار فهي التي تولد الحرارة، فوجود المعلول من مراتب وجود العلة غاية الأمر من مراتب وجودها النازل، وليس المعلول سنخ آخر غير العلة لأن المعلول يتولد من العلة وليس شيئا أجنبيا عن العلة فالملازمة بينهما عقلية ويستحيل الانفكاك بينهما وكذا الملازمة بين المعلولين لعلة ثالثة فإن الملازمة بينهما عقلية ويستحيل الانفكاك بينهما.
واما الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته فإن قلنا أن وجوب المقدمة مترشح من وجوب ذيها فالملازمة بينهما عقلية لأن وجوب المقدمة يتولد من وجوب ذيها ومترشح منه فعندئذ تكون الملازمة بينهما عقلية ويستحيل الانفكاك بينهما وأما إذا قلنا أن وجوب المقدمة مجعول من قبل الشارع عند وجوب ذي المقدمة فالملازمة بين الجعلين أي ان المولى متى جعل وجوب شيء فقد جعل وجوب مقدمته أو متى أمر بشيء فقد نهى عن ضده فعندئذ تكون الملازمة جعلية وليست بعقلية أي ان جعل الوجوب لذي المقدمة ملازم لجعل الوجوب لمقدمته.
وحيث ان الأول في بحث مقدمة الواجب والثاني في بحث الضد غير معقول فيكون وجوب المقدمة مترشحا من وجوب ذيها فإن الوجوب أمر اعتباري لا وجود له في الخارج غير وجوده في عالم الاعتبار والذهن فيستحيل ان يتولد وجوب من وجوب آخر لأنه أمر اعتباري وفعل للمولى مباشرة فالتوليد والتولد والعلية والمعلولية في الأمور الاعتبارية غير معقول وإنما تعقل في الأمور الواقعية الخارجية واما في الأمور الاعتبارية التي لا وجود لها في الخارج فلا يعقل فيها العلية والتولد فيستحيل ان يترشح وجوب المقدمة من وجوب ذيها.
فإذن الكلام في أن مقدمة الواجب واجبة اولا إنما هو في الملازمة بين الجعلين وان المولى متى أوجب شيئا فهل يوجب مقدمته أيضا ومتى أمر بشيء فهل ينهى عن ضده ايضا او لا يكون ناهيا عن ضده.
واما الملازمة العادية فهي لا تكون ناشئة عن خصوصية ذاتية كامنة في الملزوم لأنها ناشئة عن خصوصية عادية في حالات خاصة، فالإنسان إذا بلغ من العمر إلى مقدار تنبت لحيته عادة فإنبات اللحية لازم عادي لوصول عمر الإنسان الى هذا الحد، وكذا لو وصل عمره الى الثمانين او التسعين فإنه يعرضه الهرم حينئذ وهذه الملازمة بينهما ملازمة عادية في هذه المرحلة لا في سائر الفترات، وهذه الملازمة تسمى ملازمة عادية وليست ملازمة عقلية لأن الانفكاك بينهما ممكن عقلا.
فإذن الملازمة الحقيقية بين الشيئين هي الملازمة العقلية التي تكون ناشئة عن خصوصية ذاتية كالملازمة بين العلة والمعلول او المعلولين لعلة ثالثة وهكذا، واما الملازمة العادية فهي ناشئة من خصوصية عادية في ظرف خاص وحالة خاصة، وفي زمن خاص لا مطلقا.
فالنتيجة أن هذا التقسيم غير صحيح ولا وجه له.
اما النقطة الثانية: فهل فرق بين الاجماع وبين التواتر؟
والجواب ان الفرق بينهما من وجوه.
الوجه الاول: ان الاجماع عبارة عن الأخبار بفتواى الفقهاء وآرائهم وهي قضايا حدسية واجتهادية، والقضايا الاجتهادية وإن كانت حجة على مقلديهم ولكنها ليست حجة على غيرهم باعتبار ان المخبر به في الخبر إذا كان حدسيا فلا يكون الخبر حجة وإن كان المخبر ثقة، واما اخبار المجتهد عنى رأيه فهو حجة على مقلديه دون غيرهم فالإجماع عبارة عن الأخبار بفتواى الفقهاء وآرائهم.
والتواتر عبارة عن الأخبار عن القضايا الحسية، فمن أجل ذلك فرق بينهما، فإن وقوع الخطأ في القضايا الحدسية أكثر من وقوع الخطأ في القضايا الحسية، بل وقوع الخطأ في القضايا الحسية نادر فمن أجل ذلك لا مانع من التمسك بأصالة الخطأ فيها، فإذا شككنا في أن هذا الخبر عن حس او لا؟ كما إذا شككنا في أن المخبر هل صدر منه خطأ أو سهوا او غفلة نتمسك بأصالة عدم الخطأ لأنه صادر عن فاعل ملتفت وعاقل فاحتمال الخطأ فيه ضعيف وكذا احتمال الغفلة والسهو فيه ضعيف فتجري أصالة عدم الغفلة وعدم السهو لأنها من الأصول اللفظية العقلائية، وقد بنى العقلاء على هذه الاصول وهذا البناء ممضى من الشارع وهي بعد أمضاء الشارع أصول شرعية وحجة.
وأما في الأخبار الحدسية فأصالة عدم الخطأ لا تجري فيها وإن كان المخبر ثقة لأن الخطأ في الأخبار الحدسية كثير فمن اجل ذلك إذا شككنا في خطأه فلا يمكن دفعه بأصالة عدم الخطأ لعدم جريانها.
هذا هو الفارق بين نقل الاجماع وبين نقل التواتر.
الوجه الثالث: أن المخبر به في التواتر عبارة عن قضية واحدة، فيكون مصب الأخبار المتعددة المتواترة مصبا واحدا، كما لو أخبر مائة شخص بموت زيد فإن هذه الأخبار البالغ عددها مائة تصب في محور واحد وقضية واحدة وهي موت زيد، ومن هنا يحصل العلم الوجداني بموته، إذ احتمال الكذب في جميع هذه الاخبار منتف لأنه لا يحتمل أن جميع هؤلاء المائة يكذبون كما أنه من غير المحتمل تواطؤهم على الكذب لعدم اطلاع بعضهم على البعض الآخر، لأن من أخبر بموت زيد لا يطلع أن غيره أيضا أخبر بموته فكيف يمكن التواطؤ بينهم على الكذب، فاحتمال التواطؤ بينهم على الكذب منتف، فبطيعة الحال يعلم وجدانا بموت زيد.
واما إذا اخبر كل واحد من هؤلاء عن موت جاره او عن موت اهل قرية وهكذا فاحتمال الكذب في كل واحد من اخبارهم موجود والمخبر به في أخبار كل واحد منهم غير المخبر به في خبر آخر لأن أخبار هؤلاء جميعا لا تصب في قضية واحدة، بل خبر كل واحد منهم يصب على قضية غير القضية التي هي مصب الخبر الآخر، فيحتمل الكذب في كل خبر منهم.
ولكننا نعلم اجمالا بصدق أحد هذه الأخبار وهذا ما يسمى بالتواتر الاجمالي، فإن التواتر الأول تواتر معنوي أي تواتر بالعلم التفصيلي، وهذا التواتر تواتر اجمالي نعلم اجمالا بأن أحد هذه الاخبار صادق ومطابق للواقع لأن كون جميع هذه الأخبار كاذب غير محتمل فلا محالة نعلم اجمالا بصدق أحد هذه الاخبار وهذا ما يسمى بالتواتر الاجمالي.
هذا كله في التواتر.
واما الاجماع فهو أخبار عن فتاوى الفقهاء وآرائهم في مسألة واحدة، فإذا فرضنا أن العلماء أفتوا بالوجوب في مسألة ولكن هذه الفتاوى لا تصب على محور واحد وعلى قضية واحدة لأن بعضهم أفتى بالوجوب من جهة ان الوجوب هو المشهور بين الأصحاب وبعضهم الاخر أفتى بالوجوب من جهة حسن الظن بالبعض وبعضهم أفتى بالوجوب من جهة وجود رواية معتبرة عنده، وبعضهم أفتى بالوجوب من جهة قاعدة الاشتغال ويرى أن الرواية ضعيفة سندا او دلالة.
فإذن ملاك الفتوى في كل واحد غير ملاك الفتوى في الآخر فاحتمال الخطأ في كل واحد منهم موجود وأصالة عدم الخطأ لا تجري.
فمن أجل ذلك لا يمكن ان تكون فتواى الفقهاء كاشفة عن قول المعصوم.
ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ان فتاواهم جميعا تصب في مصب واحد وقضية واحدة وعلى محور واحد فمع ذلك لا تكون كاشفة عن قول المعصوم لأن احتمال الخطأ موجود، فلو أتفق المتأخرين على وجوب شيء او حرمة شيء وكان مصبها محور واحد وقضية واحدة فمع ذلك لا يمكن ان تكون كاشفة عن قول المعصوم ولا يمكن ان تفيد العلم كما تفيده الأخبار المتواترة، فلا يمكن ان تكون هذه الفتواى كاشفة عن قول المعصوم عليه السلام.
فإذن هذا هو الفارق بين الأخبار المتواترة وبين الاجماع. ن الملازمة الاتفاقية ليست ملازمة ان الملازمة الاتفاقية ليست ملازمة

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo